أحدث المشاركات

قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» @ تَعَاويــذ فراشَــةٍ عَاشِقـَـة @» بقلم دوريس سمعان » آخر مشاركة: دوريس سمعان »»»»»

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: خريطة العقل

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2022
    الدولة : الاردن
    المشاركات : 111
    المواضيع : 23
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.19

    افتراضي خريطة العقل


    خريطة العقل:
    الباحث والمفكر: أبو الطيّب ياسر بنُ أحمد القريـــــــني البلوي القُضاعي

    السفسطائيون أرباب الجدل العقيم حاضرون في كل عصر، النافون عن أنفسهم صفة السفسطائية المدّعون أنهم أهل العقل، لكنهم هم ألد أعداءه وهم لا يشعرون. فلأجل ذلك سعى العقلاء في كل زمن وعصر، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين؛ لضبط العقل بمسطرة موثوقة كي يضمنوا سلامة الأحكام الصادرة عنه ما أمكن، ولتمييز بعضها عن بعض، ولِـلَجم هؤلاء السفسطائيين.
    لكن كل من بحث عن ماهية العقل من السابقين واللاحقين، من أجل ضبط مخرجاته الفكرية بمسطرة عملية تصلح لقياس مدى صوابية الأفكار، وتصلح كذلك لاستخدامها كموَجِّه موثوق به عند التفكير في آنٍ معاً؛ إمّا قد انصب جُهده على ناتج التفكير وليس العقل نفسه، وذلك كفن المنطق الذي جاء به أرسطو وطُـوّر من بعده، وكعلم الكلام الذي أبدعه المعتزلة، وطُـوّره من بعدهم ابو الحسن الأشعري والغزالي لتخليصه من الانحرافات؛ وكذلك منهج الشك عند ديكارت. وإمّا قد انصب جهده على بحث العقل الفيزيائي وليس العقل الوظيفي، كما هو الحال مع بعض علماء هذا الزمن الذين تفنّنوا بتشريح الدماغ في محاولة لمعرفة تركيبه وكيف يعمل.
    فكل محاولات السابقين لتعريف للعقل إنما دارت حول هذا المعنى (العقل جوهر رَوحاني خلقه الله تعالى متعلقاً ببدن الإنسان يعرف الحق والباطل- معجم التعريفات للجرجاني، ص 127)؛ وهذا ليس تعريفاً للعقل إنما هو حكم بوجوده الذي يعترف به الجميع أصلاً؛ ونحن إنما نريد الوصول لماهيته تمهيداً لضبطه بتعريف جامع مانع. فنواتج العقل من الأفكار، بل وبعض القواعد العقلية التي قد يسترشد بها الإنسان عند التفكير، ليست هي العقل. فهل الحرارة الناتجة عن الشمس هي نفسها الشمس..؟ أو أنّ الحرارة هي نفسها الآلية التي أنتجت بها الشمس الحرارة..؟ قطعاً لا.
    وفي سبيل الوصول إلى ماهية العقل، أي إلى تعريفه، نريد أن نمهّد طريق الوصول لضبط تعريفه فنقول: العقل موجود في الإنسان منذ ولادته، لكن الذي يتسبب بظهوره للوجود، أي العقل الوظيفي؛ إنما هو اللغة الأُم لكل إنسان. والدليل على ذلك أنه ليس هناك دور للعقل في اكتسابها لأنه غائب أصلاً في هذه المرحلة العمرية. فإذا اكتسب الطفل نواة اللغة الأُم عن أهله بمـجرد العيش بينهم، ظهرت وظيفة العقل للوجود، وظهر وعي الإنسان على نفسه؛ فكأنّ اللغة الأم هي أداة تشغيل العقل. فمعظم الباحثين الآن متفقون على أنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين اللغة والتفكير (راجع: سيكولوجية اللغة والمرض العقلي، ص143، سلسلة عالم المعرفة، العدد 145، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت).
    والملاحظ أيضاً، أنه لا يمكن أن تنشأ معرفة وعقل وتفكير عند الإنسان، إلّا بوجود هذا الكون بكل ما فيه. ذلك أنّ عقل الإنسان مرهون بالكون وبالقوانين التي تُسيّره، حتى أنّ كل محاولات الإنسان الفكرية التي انصبّت على معرفة هذا الكون وهذا الإنسان، وحتى أولئك الذين حاولوا استجلاء ما وراء الكون [ما وراء المادة]؛ إنما جاء قياساً على ما أدركته عقولهم في هذا الكون المحسوس لهم. وهذا يقودنا إلى الجزم بأنّ وجود الواقع المحسوس، هو الشرط الرئيس في العملية الفكرية السليمة، سواء انتقلت صورة الواقع المحسوس إلى الدماغ آنـياً، أو كان ذلك باستحضار الذهن لصورته في أيّ وقت.
    ويقودنا هذا أيضاً إلى الجزم بأنّ أدوات الـحِس الخمس المادية عند الإنسان [السمع، النظر، الشم، التذوق، واللمس]، هي شرط آخر رئيس في العملية الفكرية السليمة. فأدوات الحس هي الوسيلة التي يتم بها نقل هذا الوقائع لدماغ الإنسان ليفكر بها؛ بل أنها المحفّز الأول للدماغ والعقل لينفعل ويتفاعل مع الكون والحياة وبني جنسه.
    فإذا وُلِدَ الإنسان فاقداً لجميع أدوات الـحس، فكأن العالم بالنسبة له لا وجود له؛ ويكون عندئذ أشبه بالجمادات. قال تعالى ﴿واللهُ أخرجَكُم من بُطون أُمّهاتكُم لا تعلمونَ شَيئاً، وجعل لكمُ السمع والأبصارَ والأفئدةَ لعلكُم تشكرون (78)﴾ (سورة النحل). وقال تعالى: ﴿ومثلُ الذينَ كفروا كمثلِ الذي يَنعِقُ بما لا يسمعُ إلّا دُعاءً ونِداءً؛ صُمٌّ بُكمٌ عُميٌ فَهُم لا يعقِلون (171)﴾ (س. البقرة).
    ومع ذلك، فالـحس وحده بالواقع لا يحصل منه فكر، وليس فيه نشاط عقلي؛ بل الذي يحصل معه هو الإحساس بالواقع فقط. فحتى يكون الحكم على الواقع المعين موصوفاً بكونه حكم عقلي، فلا بد من وجود ركائز معرفية عند الإنسان قد اكتسبها مسبّقاً، يفسر بواسطتها الواقع الذي أحسّ به، أي الحكم عليه عقلياً. فلو تكـرّر إحساس إنسان بإملاء اللغة الصينية وليس عنده ركائز مسبّقة عنها، فلن يفهم منه شيئاً، وسيظل فعله مجرّد إحساس بها حتى لو تكرر إحساسه بها مليون مرّة. ولنا في حـجر (رشيد) خير مثال على ذلك، فبواسطته أمكن فك شيفرة الكتابة الهيروغليفية المصرية، والتي هي واقع محسوس للبشر لمئات السنوات. فحجر رشيد قد احتوى نصاً هيروغلوفياً وفي مقابله ترجمة له باللاتينية المعروفة لدينا. فلولاه لَما استطاع أحد فك شيفرة الهيروغليفية بشكل كامل موثوق منه.
    فإذا لم تستطع أدوات الـحس نقل الوقائع لدماغ الإنسان، أو أنها كانت وقائع محسوسة لكن ليس لها وظيفة محددة محسوسة تؤديها في الكون والحياة العلوم وفي حياة الإنسان [البند 8]؛ أو قام شخص بتعليق افتراض وجود الواقع على أمر مجهول لا يقع عليه الـحس، كالكائنات الفضائية. أو قام بتعليق إثبات وجوده على الماضي السحيق الذي لا رابط بينه وبين الواقع الحاضر محل البحث. أو قام بتعليق إثبات وجود الواقع على المستقبل الذي قد يكشف أمره بالتقدم العلمي على ما يؤمّل، أو قام الشخص بتعليق ذلك على قدرة الله، التي لا شأن لعقل الإنسان بها عند الحكم على الواقع من حيث الوجود والعدم والماهية؛ فليس لكل ذلك أية قيمة عقلية ومعرفية مفيدة يمكن الركون إليها والاستناد عليها.
    فالإقرار بقدرة الله أمر مفروغ منه عند المؤمنين بالله، لكن إقـحامها في الحكم العقلي على الواقع من حيث الوجود والعدم والماهية، فهذا معناه أنّ البحث عندئذ يصبح في قدرة الله وليس فيها. فتعليق تفسير جميع سنن الله في الكون بقدرة الله، يحجز العقل عن تدبر إبداع الخالق في هذا الكون الذي يقع عليه حِسّنا؛ ويحجزه عن الاستفادة مما سخره الله للبشر في هذا الكون، قال تعالى: ﴿قُل سيروا في الأرضِ فانظُروا كيف بَدأ الخلقَ، ثم اللهُ يُنشِئُ النّشأةَ الآخرةَ؛ إنّ الله على كلّ شيءٍ قَدير (20)﴾ (س. العنكبوت).
    فأي نعم أنّ كل ما ينتج عن العقل يصنّف على أنه معرفة، لكن ليس كل معرفة تدل على حقيقة لمجرد أنّ العقل أنتجها؛ فخيال الإنسان خلّاق، وعقله قد يضفي على تخيلاته بريقاً عقلياً خدّاعاً، وذلك كالفلسفة؛ والمعرفة الناتجة عن ذلك لذيذة، فالإنسان يميل إلى الخيال ويستمتع به. فقد تكون المعرفة خيال وأوهام، أو هوى نفس أو آراء مسبّقة عن الشيء؛ وذلك لعدم بناءها على واقع له وجود حقيقي محسوس، أو أنها ناتجة عن البناء المنطقي الذي فيه الواقع ليس هو بؤرة التركيز، ولا في بؤرة التركيز [كما سنرى].
    وفي مقابل أدوات الإحساس المادية [السمع، النظر، الشم، التذوق، واللمس]، هناك أداة إحساس غير مادية مخصوصة بالوقائع المعنوية متعلقة بالنفس؛ وهي الإحساس المعنوي. وتظهر هذه الأداة عند الإنسان بعد ظهور عقله؛ لأن وعي الإنسان على نفسه لا يكون إلّا بعد ظهور عقله الوظيفي للوجود.
    والوقائع المعنوية هي كإدراك الصلة بالله، وإدراك حصول الإهانة، والسعادة والفرح والاكتئاب، والشعور بانحطاط المجتمع أو الأمة؛ فهذه الوقائع لا يمكن الإحساس بها إلّا من خلال أداة الإحساس المعنوي. ويكفي للإنسان أن يشعر مرّة واحدة بوجود مثل هذه الوقائع المعنوية ليتصورها ذهنه بحق نفسه، وعند غيره إذا جرى الحديث عنها لاحقاً.
    ومع أنّ أداة الإحساس المعنوي متعلقة بالنفس التي هي واقع غير مادي، والنفس هي محل الفعل والانفعال [البند 14]، أمّا أدوات الإحساس المادية فمتعلقة بالكون المادي؛ لكن لـمّا كان الإنسان وعقل الإنسان مرهونين بالكون المادي وبالقوانين التي تُسيّره؛ وكانت النفس أسيرة في هذا الجسد في هذه الدار الدنيا. وكانت الدار الدنيا هي دار التكليف والامتحان، وكانت النفس هي محل التكليف وليس العقل، فالعقل هو مناط التكليف فقط؛ فإنّ أداة الإحساس المعنوي لا بد لها أن تمر من خلال أدوات الإحساس المادية، ولا بد للعقل من ترجمتها لإدراك وجودها، وذلك من خلال ربط الوقائع المادية المستقاة من أدوات الإحساس المادية، بركائز معينة لإدراك وجود هذه الوقائع المعنوية. ومثلما أنّ أدوات الإحساس المادية قابلة للانخداع، فكذلك الإحساس المعنوي قابل للانخداع.
    فإدراك واقع الإهانة المعنوي مثلاً، من خلال أداة الإحساس المعنوي المتعلقة بالنفس؛ لا يتأتـّى إلّا بربط وقائع مادية مستقاة من إحدى أو كل أدوات الـحس المادية، بركائز أخرى بالدماغ؛ من أجل إدراك حصول واقع الإهانة المعنوي. فواقع الإهانة يدخل فيه واقع الشخص الذي تسبّب بالإهانة، وواقع من وقعت الإهانة بحقه، وتاريخ العلاقة بينهما مع ما يكتنفها، والهيئة التي وقعت بحسبها الإهانة؛ وواقع الأداة المستخدمة في الإهانة أهيَ حسية أم لفظيّة أم بالإشارة وما دلالات كل منها، وبماذا تعلّق موضوع الإهانة، وهل وجهت الإهانة في خلوة أم في جمع من الناس، ونظرة المجتمع لكونها إهانة أم لا، وهلمّ جراً. حتى أنّ القضاء عند النزاع قد يتدخل لتقرير حصولها من عدمه؛ فكل هذه الوقائع المادية لازمة لحكم العقل بحصول واقع الإهانة المعنوي.
    ومن هنا، فإنّ أيّ محاولة للاهتداء لماهيّة العقل من أجل ضبطه وتعريفه، ومن ثم صناعة مسطرة من ذلك مُلزِمة للعقلاء؛ لم تنطلق من هذا التساؤل: هل العقل وُجِد قبل الواقع، أم أنّ الواقع وُجِد قبل العقل. فإذا لم تكن الإجابة على هذا التساؤل مسنودة بالبراهين القوية، نفياً أو إثباتاً؛ فإنّ الاهتداء لتشخيص ماهية العقل سيكون بعيد المنال.
    فبالتأكيد أنّ الواقع وُجِد قبل العقل (ظن جازم)؛ إذ أنه لو لم يوجد الواقع أولاً، لَما وُجِد العقل أصلاً ليبحث فيه؛ فعقل الإنسان مرهون بالكون وبالقوانين التي تُسيّره كما هو مشاهد محسوس. وكثيرة هي الآيات في القرآن والأحاديث في السنة، التي تدل على أنّ الله سبحانه خلق الكون [خلق الواقع]، قبل خلق الإنسان وعقل الإنسان. ولأجل ذلك أيضاً، كان وجود الواقع حُجة على الإنسان، وعدم وجوده حُجة عليه إن ظن به دون سند حِسّي، أو دون سند عقلي صحيح.
    فوجود الأرض قد سبق وجود الإنسان، قال تعالى: ﴿وإذ قالَ ربّكَ للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفة (30)﴾ (س. البقرة). وقال تعالى: ﴿أوَلَم ينظُروا في ملكوت السّماوات والأرضِ وما خلقَ اللهُ من شيء (185)﴾ (س. الأعراف). وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: أخذ رسول اللهِ ﷺ بيدي فقال: {خلق الله، عزّ وجل، التربة يوم السّبت. وخلق فيها الجبال يوم الأحد. وخلق الشجر يوم الاثنين. وخلق المكروه يوم الثلاثاء. وخلق النّور يوم الأربعاء. وبث فيها الدواب يوم الخميس. وخلق آدم، عليه السّلام، بعد العصر من يوم الجمعة. في آخر الخلق. في آخر ساعة من ساعات الجمعة. فيما بين العصر إلى الليل} (حديث رقم 2789).
    وعلى ضوء جميع ما قلناه، فإنّ تعريف العقل الذي نسعى وراءه، ليس هذا الموجّه لوجوده المحسوس المتفَق عليه بين جميع البشر؛ بل هو التعريف الموجّه لماهية العقل الوظيفي، هذا الذي يظهر للوجود بمجرّد امتلاك الإنسان للغة الأُم؛ وتعريفه كالتالي: مع حضور الركائز عن الشيء المراد الحكم عليه، في عملية الربط العقلي؛ فإنّ العقل هو حُـكمٌ على وجود الواقع، إثباتاً أو نفياً؛ وحـكمٌ على ماهية الواقع أو تفسيره إذا توجه حكم العقل لهذه الناحية (ظن عازم). وهذا هو تعريف العقل بكل بساطة..!
    ولم نُشِر في متن تعريف العقل إلى ضرورة وجود الدماغ الصالح لتأدية عمليات الربط وتخزين البيانات واسترجاعها عند الطلب، وهذه مخصوصة بالإنسان دون الحيوان. ولم نشر كذلك لضرورة وجود حاسة واحدة سليمة على الأقل من الحواس المادية الخمس. فهذا كان من باب الاختصار؛ فهما ناحية بدهيّة يُفترض إدراكها تلقائياً.
    فكذلك هو تعريفه، لأن وجود الواقع أو عدم وجوده، أو حتى تصوّره في الذهن إذا كان واقعاً نظرياً؛ هو المحور الأساس الذي يدور عليه وحوله العقل كما هو مشاهد محسوس. كما أنّ اللغة الأُم المستخدمة في الربط العقلي المتمثّل بإطلاق مسمّى الشيء عليه حال إدراك وجوده، تعتبر هي الركيزة الأولى والأهم في حياة الإنسان؛ فعدا عن أنها هي سبب ظهور عقله الوظيفي للوجود، فإنّ أصل الوضع في اللغة هو المطابقة بين الاسم وواقعه [دلالة المطابقة].
    وأي نعم أنّ اللفظ تعبيرٌ عن ما في الذهن وليس عن ما هو خارجه؛ فالواقع عامل ثابت [البند 5]. لكن الذي يمارس الحكم إنما هو العقل وليس الواقع، والعقل يقبع تحت إمرة النفس [البند 13]. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فأول ما يكتسبه الطفل من اللغة الأُم، هذه التي يكتسبها بطريقة إعجازية كما قلنا، هو أسماء الوقائع المحسوسة بذاتها. وبالتالي، فإذا طابق اللفظ المفرد الواقع فهو يعتبر ضمناً بأنه حكم من العقل بوجوده إذا قُصِد ذلك. لأن أصل الوضع في اللغة هو المطابقة بين الاسم وواقعه [دلالة المطابقة] كما قلنا، وهو ما يسمّى بالحقيقة اللغوية للفظ. أمّا وقوع التوهم من الإنسان في صحّة إطلاق اللفظ المفرد على واقعه لأيّ سبب، فهذا عارض واستثناء لا يؤخذ به. أو لو حصل التوسع في استخدام الألفاظ في الكلام لخلق معاني أخرى على غير أصلها في الوضع، كما هو حاصل في المجاز، فهذه إضافة وسعة في استخدام اللغة وليست الأصل فيها.
    والتمييز الفطري الذي يسيّر شؤون الطفل قبل ظهور عقله الوظيفي للوجود، وكذلك الحيوان؛ ليس عقلاً وليس ركائز أيضاً. فإذا لسع إبريق الشاي الحار الطفل والحيوان على السواء، فإنهما يبتعدان عنه فوراً، وكلما حضر هذا الواقع المتسبّب بالضُر أمامهما بعد ذلك، يسترجعان إحساس اللّسع في ذاكرتمهما فيبتعدان عنه؛ فهذا تمييز فطري أودعه الله في الإنسان والحيوان، وهو يأتي كاستجابة حصرية لدوافع الحاجات العضوية ودوافع الغرائز. والذي يسيّـر التمييز الفطري عند الإنسان في غياب وجود العقل، إنما هو العُـقيل كما ادعوه.

    وقد قلنا أنه حتى يكون الحكم على الواقع المعين موصوفاً بكونه حكم عقلي، سواء كان صائباً أم خاطئاً أم حتى باطلاً؛ فلا بد من وجود ركائز يستخدمها العقل في الربط. والركِيزَة، والجمع منها ركائز؛ هي معلومات مسبّقة قد اكتسبها الإنسان من قبل، تُـربط بالواقع للحكم على وجوده أو على ماهيته أو تفسيره؛ سواء كانت المعلومات على صلة مباشرة به أم لم تكن؛ لكن مدار اهتمامنا هنا هي المعلومات التي على صلة به.
    وهناك بنود للعقل هي أشبه بالركائز الخاصة به، تنظّم طريقة عمله خلال سير عملية التفكير كي لا يزل بصاحبه. للاطلاع عليها ادعوك لتحميل (مختصر العقل) للباحث والمفكر: أبو الطيّب ياسر بنُ أحمد القريـــــــني البلوي القُضاعي.. https://cutt.us/YuwvX




  2. #2