المبادرة نابعة من تيار مؤثر فى المشهد السياسى بهدف افشال مساعى تخوينه وهزيمته الساحقة ، وتحقيقاً لمصالح عليا مشتركة ، ولفرض واقع جديد على الأرض يُجبر الجميع على الاعتراف بجديته فى الصلح ، لتضطر الأطراف المنافسة الى الجلوس على مائدة التفاوض كخطوة لتفكيك الأزمة سعياً للوصول الى صيغة توافقية للحل .
هى خطوة ايجابية مُبكرة باعلان واضح لا لبس فيه ، قبل تصاعد الأحداث ووصولها الى ذروة الصراع الساخن ، لتدارك وقوع أخطار جسيمة متوقعة بالنظر الى التفاعلات الدولية والاقليمية والمحلية ؛ وتفادياً لمخاطر جمة مُحققة ؛ فماذا يُنتظر من نزاع يتصارعُ فيه المصرى مع أخيه والشعب مع الجيش والاسلاميون مع مؤسسات الدولة ، الا سقوط الحصن الأخير المتماسك للأمة المسلمة ، فى وقت هى فى أمس الحاجة لمصر القوية الموحدة بجيشها وشعبها وأزهرها واسلامييها .
اسرائيل هى المستفيد الأول من استمرار هذا الصراع الى نهايته ؛ للتخلص من حركة اسلامية تمثل صداعاً مزمناً فى رأسها ، ولاستنزاف قدرات مصر كدولة ولاضعاف جيشها وانهاكه ، وعلى المستوى المحلى كانت مبادرة مبكرة قوية واضحة المعالم من داخل التحالف من شأنها حرمان التيار العلمانى من توظيف الصراع لتحريض السلطة على كل ما هو اسلامى دستوراً وواقعاً ، كما لا يخفى البُعد الدولى ؛ فبعد أن كانت مصرُ عصية على الدخول فى حلف الحرب على ما أسموه " الارهاب " بعد مبادرة التسعينات ، صارَ من السهل اعلان ذلك اثرَ ممارسات خاطئة ضيعتْ جهود سنوات فى تعليم فكر المراجعة وتكريس ثقافة النقد الذاتى داخل الحركة الاسلامية .
فرق كبير بين الوساطة والمبادرة ؛ فمن السهل افشال الوساطة خاصة اذا كان الوسطاء محسوبين على الفكر والدعوة الاسلامية مهما كانت قوة رمزيتهم ، وأهمية المبادرة أنها نابعة من قناعة التيار نفسه دون ضغوط وأنها تخلق مناخاً من الثقة دون هواجس وظنون فى امكانية تراجع أو خداع .
الانضواء تحت تحالف دعم الشرعية بتنويعاته فى ظل تصاعد الأحداث على الأرض مسئولية جسيمة ؛ فيظل التحالف بتياراته وأحزابه مسئولاً عن كل حدث عنيف وكل قطرة دم تقع حتى مع اعلان التزام السلمية ، فهل صاحبَ الاعلان اجراءات على الأرض تضمن السيطرة على الملايين فى جميع المحافظات دون ردات الفعل والشطحات الحماسية ؟ وتظل المبادرة هى الضامن المقنع ، ويظل التبرؤ من تجاوزات البعض موقفاً سلبياً ، فما أسهل أن ينفى التحالف المسئولية بالنظر لحجم المشاركين فى المظاهرات وتنوعهم ، وما أصعبَ أن يصدق المراقبون ذلك لأن الذى ينفى هو المنظم والداعى للحشد .
" مبادرات " أطلقها الأسبوع الماضى بعض رموز أحزاب وجماعات تحالف الشرعية ، وهى لا تخرج عن حيز المناورات ؛ كونها خرجت عن أشخاص وليس عن التحالف ككل وبسبب ضبابية المشهد ؛ ففى الوقت الذى تعتبر الجماعة الاسلامية عضواً فاعلاً فى التحالف ، يُعْلَن على لسان قادتها أن الجماعة تتوسط بين الجيش والاخوان ! ويُعلن على لسان من أطلق دعوة التهدئة كلاماً ، يقابله نقيضه من رموز آخرين بالتحالف داعياً للتصعيد والعصيان متمسكاً بجميع مطالب ما بعد 3- 7 مع بقاء الفعاليات على الأرض ، وبعدها مباشرة دعوة فردية منشورة للمصالحة والاعتذار والتهدئة تقابلها موجات من السخط والنفى الجماعى .
ومع تضارب التصريحات والمواقف وتعمد الغموض والتصريحات العائمة ، يظل صوت القيادات الرمزية خافتاً ، خوفاً من اتهامها بالنكوص والخيانة ؛ بالرغم من وضوح الرؤية ، فالأهداف السابقة أصبح مشكوك فى تحققها ، مع امكانية الحاق أضرار جسيمة بالتيار الاسلامى تتعلق بشرعيته واستمراره بنفس القوة فى الشارع ، ومن السهل افتعال حوادث قد لا يكون للاسلاميين يد فيها تؤدى لحصارهم وضربهم فى كل مكان .
والنبى الكريم صلى الله عليه وسلم هو أول من علمنا الاسراع بالمبادرة الايجابية الواضحة قبل وقوع الضرر الجسيم والمفاسد ، وفى يوم أعلن غاندى المظاهرات فى الهند ، فلما سمع بأعمال العنف أعلن الغاءَها على الفور واعتكف صائماً ، فجاءه جواهر لال نهرو وهو لا يُصدق : اننا فى قمة الانتصار ! فأجابه غاندى باعياء : العنف سيخرب كل شئ وسيعصف بانجازاتنا وسنخسرُ أرواحنا وأهدافنا .