وصايا الشهداء
( ملاحظة في غاية الأهمية : قبل أن نبدأ ... هذه الوصايا لم تكتب لزمن محدد بالوقت ... بل كتبت لزمن ضاعت فيه الفكرة في أقبية عصر المادة والعولمة )
بداية مشوشة الفكر :
تنحني وجوه الذين رحلوا كغضن على بالي ...
فأغدو عاجزاً عن ضبط ذاكرتي ... ولا أستذكر شيئاً لم يحمل إسمه في ذات اللحظة ... يجتاح مخيلتي وذاكرتي والمشاعر التي من المفترض أن تكون للجميع ... حتى غدت ذاكرتي، ذاكرة للشهداء فقط ... مليون عصفور على بوابة القلب تقف في صفوف كصفوف المقاتلين معلنة إستعدادها على ترديد لحن الشهداء ... ومن أمامهم يقف إمام الشهداء باسم يقود جوقة النشيد كي يعزف اللحن الثائر …
يمكنني الآن أن أحدثكم عنهم بملئ إرادتي ... لكني أعجز عن تحديد تفاصيل ذاتي .... ولا شيء من حروف اللغة تمر الآن سوى حروف أسمائهم ....
كان صديقي ...
لكنه غاب في زحام الشهداء ... لم يبتعد أكثر من خطوتين عن قلبي وعن الجسد ... كان البلد ... لكنه غاب اليوم بعيداً في زحامهم ... وبقي في الذاكرة جزء من الأبد ...
كان كخيط دخان يغوص في زحام الشهداء ... وكان يسير عكس إتجاه المدينة ويبتعد ... لكنه كان يزداد مني إقتراباً كلما إبتعد ...
كان صديقي ...
لكنه غاب في زحام الشهداء وإبتعد ... فكان البلد .. وكان التوحد في الرجال إلى الأبد ...
يا رفيقي الذي في رحم هذه الأرض قد إتحدْ ... أفتقدك ... رغم قربك من القلب كالوريد ...
أفتقدك منذ ميلاد الفجر الجديد بدونك ... حتى تقمص الفكر للرجال ... والتردد في اللحاق فيك ومفارقة الجسد ...
وحين نقشف البلاد في لحظة الميلاد فلا نجد الأب ولا نجد الولد ...
كان صديقي ...
لكنه غاب في زحام الشهداء وابتعد عن الجسد ... وكان وجه المدينة فيه يتحدْ ... وفي لحظة رحيله ... كانت حشود الغزاة القتلة ترتعد ...
لقد أدرك الغزاة حجم الجريمة التي ارتكبوها ... وأدرك الغزاة حجم الخطيئة التي إرتكبها جندي جاهل في جسد كان للأبد، بلداً لم يعرف يوماً طريقاً غير الثورة، ولم تعرف البندقية سوى كتفه غصناً تعلق عليه ... ولم تجد الفكرة أكثر من عينيه والقلب بلد وجسد ...
كان البحر ... وما سواه كان الزبد ...
أدرك الغزاة في ذات اللحظة التي فارق فيها الجسد أنهم قد ارتكبوا بحق أنفسهم ما هو أكبر من وقع القنبلة في الجسد ...
ظنوا قبل إغتياله أنهم سيغتالون باغتياله كل البلد ... لكنهم إكتشفوا سريعاً أن المدينة أيضاً كانت تسير مع جموع المشيعيين في الجنازة ... وترفع العلم ... وتتوعدهم بالثار ...
حتى الأحجار كانت تصرخ ( يا أيتها الأسماء المدرجة على لوائح الإغتيال المنظم والمبعثر والمكسر ... لكِ البقاء إلى اللا نهاية ... وللجبناء الموت منذ البداية )
من يظن لحظة أنه قادر على إغتيال البحر ... يكن قد إنتحر بالغباء المطلق الموزع في بطاقات الشحن السريع إلى جهنم ...
حديث ما قبل الزحام :
* كان يحدثنا قبل الدخول برحلة الموت السرمدي في ضباب اللا رؤية وزحام الشهداء أن الثورة لا تشبه شيئاً إلا البرتقالة ... ومهمة الثائر هي أن يقوم بتقشير هذه الثورة ويجعلها جاهزة لأن تكون البركان الذي يشبه الياسمين ... يجعل من الثورة عارية من القشور حتى تتذوقها كل الجماهير ...
من يحاول أن يجعل من البرتقالة شيئاً للزينة يحاول أن يبعدها عن هدفها الحقيقي وبالتالي فهو يخون مبادئها ...
* لم توجد الثورة إلا لتعيش في قلوب الجماهير الغاضبة والراغبة في التغيير ... ومن هنا يبدأ المسير ...
* دعوا الشعوب لمرة واحدة تتذوق حلاوة هذا البرتقال النرجسي الذي لا يعشق إلا نفسه كي يصنع ثواراً ...
* دعوا هذه الجماهير تتنفس الثورة والحرية ...
* إجعلوا من الثورة هواء الشعوب وبرتقالهم البرتقالي ... في الفضاء الرمادي ...
وصايا الشهداء ...
* لا يمكن أن نقاوم المحتل بفكر مختل ...
* لا يمكن أن ننتصر بالبندقية وحدها ... ولا يمكن أن نعيش الثورة بفلسفة دون بندقية
* حياتنا : هي المرحلة التي نثبت فيها أننا وجدنا على هذه الأرض لنفتدي الاخرين ونكن شهداء ...
* الجبهة الداخلية هي إمتداد للجبهة الخارجية، فنحن لسنا شذوذا إنسانياً, وليس واقعنا مريخياً كي ينطبق علينا ما لا ينطبق على غيرنا ...
* إذا كان البعض يرى أن الثوار هم ظاهرة غير محببة في بعض المجتمعات, فهذا ليس مبرراً للسقوط بوحل التسويات والتحول الفكري ... بل يجب أن يكون حافزاً أكبر لإثبات أن الثورة هي الحقيقة ...
* عندما يسقط بعض الرفاق في الوحل محاولين تبرير سقوطهم لا يعني أن نسقط جميعاً أو أن نعتزل الثورة ... لكن حين تسقط المبادئ لن يكون هنالك وجود لثورة حقيقية ...
* تعلموا دائما أن تنتسبوا للفكر لا للحزب لكونه حزب ... حتى إذا تحول الحزب من مبدأي إلى نفعي تكون لديكم القدرة على تمييز الحقيقة والإبتعاد عن النفعية ... كونوا دوماً مبدأيين على أساس الفكرة ... لا حزبيين على أساس التعنصر للتكتل الحزبي ...
* لا تكونوا عابرين في الحياة ... وإجعلوا من موتكم مؤشرات في صحراء التوهان يهتدي بها الضالين عن الطريق ...
* لا ... لن تسقط الراية ..
* يموت الشهداء كي تبقى الرايات عالية ... فلا تجعلوا منها بعد رحيلهم رايات إستسلامكم بحجة رحيلهم
* كونك إنسان جندت نفسك لتكون ثورياً يعني أنك إنسان حمل على عاتقه حملاً لم يستطع الاخرون على حمله ... فيجب أن تعي أولاً حجم المسؤولية الملقاة عليك ... ومن ثم أن تعي أن الإلتزام الفكري والأخلاقي هما دليل إنتمائك الحقيقي ومعيار نجاحك ...
بقلم : مهند صلاحات ... في لحظات من صباح قرمزي
معسكر الحلم / 29/1/2005