لا بد أن يسقط القمر
في شوارع المدينة الهادئة
لا يكسر الضجيج سوى صوت حبات المطر
أسير بمفردي باحثاً عن فكرةٍ أو عن بشر
عن شيء يختزل حزني
أو بلد يروي عطشي
فلا أجد شيء
يمكن أن يكسر وحدتي
في التغلب على كآبة هذا الضجر
سوى أن أنتصب عاشقاً
أو أواري جثة ذاكرتي تراباً أخر
وأحتل مدينة أو قصرْ
في شوارع ذات المدينة المسكونة بالضجر
يلاحقني أينما سرت وحيداً وجه القمر
لا يستتر خلف المرايا والغيوم
لا يخشى تسرعي في لعنه
أو سحق صورته المرسومة على بركة من ماء المطر
ما همُّّ ولكنه القدْر
إن شاء أبقاني وحيداً على إسفلت المدينة
أو زادني ضجراً فوق الضجر
حتى إذا ولد الصباح
قال الناس : لقد إنتحر
مصاب بدوار القمر الذي لا يكف عن إستفزازي لحظة
ويسافر عبر الصحاري والمدن
يعانق وحده بنرجسية شوق الوطن
وأنا وحدي أصارع وحدة المدينة
وصوت حبات المطر
على إسفلت المدينة التي
ضجر منها كل البشر
ما همٌّّ إن شاءت المدينة أن تعانقني وحيداً
وأنا أهرب عن شوقها
ومن فسقها
ومن نفاق البشر
ما همٌّّ إن لم أنتظر
ميلاد النهار فيها
كي ابدأ رحلة الضجر التي أورثني إياها هذا القمر
تفاصيل المدينة أحفظها عن ظهر قلب
إن شئت رسمتها لوحة زيتية بلونين إن حلّ القمر
وإن شئت فصلتها دشداشة مخملية
حتى إذا غادر الفرسان هذا الميدان
ألبسته للفرس المريضة التي تركها الفرسان خلفهم
في ساحات هذه المدينة
مثلي وحيدة
لأنها غير قادرة على متاعب السفر
أو أستل مشاعل نيرون
واشعل المدينة
بالحرائق
إنتصاراً لوجه حبيبتي التي خطفها القمر
لكنني ما زلت في سَفر
رغم البلادة في دمي
ورغم الشقاوة في فمي
حتى الأن لم أنتصر
وفي كل يوم في هذه المدينة كنت أنكسر
على مرأى من هذا القمر
كان يضحك
كان يلومني على موتي
وأنا كنت أحتضر
فل يندثر
فل ينغمر في نزواته النرجسية هذا القمر
كي يغدو سائحاً بين الأمصار
وأرى وجهه حزيناً على بطاقات السفر
في شوارع المدينة المسكونة بالضجر
كان وجه القمر
يلاحقني
يداعبني تارة
وتارة يعكس على وجهه صورة الوطن البعيد
ليحفزني على أن أنتحر
لكنني ... وبرغم شقاوة القمر
سأنتصر
وإن كنت في هذه اللحظات أحتضر
وأسمع كل ما في داخلي
على إسفلت المدينة ينكسر
قررت أن أحشد الجماهير على أرصفة المدينة التي هجرها البشر
في الليل الذي حاصرته حبات المطر
ونحيك مؤامرة ضدّ هذا القمر
ونعلن الثورة ضدّ الغربة
وضدّ القهر
ولكنني أعلم أن المدينة خالية حتى من أنفاس البشر
فمن معي سيقوم بالتمرد
ومن سيساعدني في هذه اللحظات
بالثار من القمر
ومن سيشعل فيّ همةً
أو أكلفه بمهمة إغتيال هذا القمر
قل أن ينتهي العمر
ويسبقني الزمان نحو النجاة بمعشوقتي التي تنتظر
كنت أعلم أن الصبره وحده مفتاح الفرج القادم
ليخلصني من وجه القمر
إنتظرت غيمة حبلى من الأفق تأتيني
لتغطي عني وجه القمر
لكنها هربت بعيداً
وحمّلتني مسؤولية التقصير
والتدمير
وحتى تسول المتسولين
في الحواري الخالية
وعايرتني بضجري
وإتهمتني بعشق الشكوى
بل، وسارت خلف جنازتي
حين قالوا : لقد إنتحر
هذا الخائف من وجه القمر
لم أكن لأموت
دون أن أعلن إنتحار القمر
ولم أكن يوماً خائفا من القمر
جبت المدينة مسرعاً
وجمعت كل أحبال المشانق المعلقة
ونصبتها على بوابة المدينة
فجاء المخلص من أخر الأرض
حاملاً معه جيوش من العشاق والفلاحين
ومن أفاقوا مبكرين
سارت جيوش الفاتحين
خلف قائدها الفجر
صاحت شمس الصباح
معلنة سقوط القمر
على سطوح البيوت التي هجرها أهلها
وأنا أعلنت تأييدي لجيوش الفاتحين بقيادة الفجر
ما همٌّ إن لم أنتصر بمفردي
مادمت مؤمناً
أن خلف الليل
وخلف وجه القمر
هنالك فجر سينتصر
وأنه مهما طال السفر
لا بد لي أن أعود للوطن
ولا بد لهذا التسلط في عيون العتمة أن يندحر
وما همٌّ إن شاء
و أم لم يشأ القدر
أن أبقى مندحر
فأنا قبل ميلاد هذا الفجر
كنت مسكوناً بالضجر
مصلوباً على أعمدة الغربة والغرابة
لكنني قررت أن أثور
فسقط وجه القمر
وتسلمت الشمس الراية
وأعلنت إنتضار الضوء
على من تعالى على الضياء
حتى وإن كان القمر
نعم ...
لقد سقط القمر
لقد سقط القمر