بُويعَ لعبد الله بن الزبير بالخلافة فى جميع الأقطار الاسلامية ، فى الوقت الذى بُويع فيه لعبد الملك بن مروان فى بلاد الشام .
ويحكى ابن كثير رحمه الله : " لما مات يزيد بن معاوية وابنه معاوية بن يزيد بن معاوية ، استفحلَ أمرُعبدالله بن الزبير جداً وبُويعَ له بالخلافة فى جميع البلاد الاسلامية ، وبايعَ له الضحاك بن قيس بدمشق وأعمالها ، ولكن عَارضه مروان بن الحكم وأخذ الشام ومصر من نواب ابن الزبير ، ثم جر السرايا الى العراق ومات وتولى بعده عبد الملك بن مروان فقتل مصعب بن الزبير بالعراق وأخذها ، ثم بعث الى الحجاج فحاصر ابن الزبير بمكة قريباً من سبعة أشهر حتى ظفرَ به سنة 73 هجرية " .
وعندما اشتدَ النزاع وطالَ بين عبدالله بن الزبير والحجاج نهى الأئمة والعلماءُ ابنَ الزبير عن النزاع الطويل على الحكم وطالبوه بالتنازل حقناً للدماء ، مع علمهم أن عبد الله كان على الحق ، لكن القوة كانت مع الحجاج .
وقف عبد الله بن عمر – الذى كان قد ناشد الحسين بن على رضى الله عنهم بعدم الخروج الى العراق وألح عليه – على بن الزبير وهو مصلوب بعد قتله قائلاً له : السلام عليك أبا خبيب – ثلاثاً – أما والله لقد كنتُ أنهاكَ عن هذا ، أما والله لقد كنتُ أنهاك عن هذا ، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا " .
هذا الحديث رواه الامام مسلم ، وفى شرح النووى للحديث قال : " قوله ( لقد كنت أنهاك عن هذا ) ؛ أى أنهاكَ عن المنازعة الطويلة " .
والمنازعة الطويلة الممتدة على السلطة أضرارها خطيرة على الأمة وعلى الدعوة وعلى الوطن .
فالدعوة فى حاجة الى الحرية وازالة العقبات أمامها وكسر القيود التى تقيدها ، لا اضافة قيود وعقبات جديدة تحجب الناس عنها وتحجبها عن الناس .
والنزاع الطويل على الحكم يغذى الشحن والكراهية والأحقاد والاستنفار العام ضد كل ما هو اسلامى ، ويجد المنافسون الفرصة سانحة فى تلك الأجواء لوصم العاملين للدعوة والهداية وخدمة الشرع بالارهاب ، وبذلك تزيد الفجوة بين التيار الاسلامى وعامة الناس ، فى وقت هم أحوج فيه الى الحفاظ على شعبيتهم ورصيدهم الجماهيرى .
وفى هذا المناخ مع طول الصراع وتصاعده واشتداده يسهل التشويش على القضية الأصلية التى جند الاسلاميون أنفسهم لدعمها ونصرتها ، وهى تحقيق الحرية للرسالة ودعوة الناس للخير وهدايتهم للرشاد واعزاز معالم الشرع ورموزه .
فضلاً عن استنزاف الطاقات والجهود والأوقات والأموال والموارد البشرية للحركة الاسلامية فى صراعات طويلة ممتدة ، تجور على واجبات التربية وتنشئة الأجيال وتصحيح المفاهيم واستفاضة البلاغ واقامة الحجة وتوثيق العرى بين الناس والدين والعاملين به .
ومع الصراع الطويل على السلطة تظهر العصبيات وتسوء الأخلاق وتنفلت الأمور وتضيع البوصلة ويصل الاستقطاب الى ذروته ، وتبدد الجهود فى أعمال موظفة لتحقيق أهداف تبدو مستحيلة أو ظنية فى أحسن الأحوال .
على الجميع تحمل مسئوليته بحسب موقعه ومكانه ، وعلى المخلصين لهذا الدين والمحبين لهذا الوطن واجب النصح والتبيين .
قبلَ أن يأتى يوم نردد فيه وراء بن عمر لاخواننا : " أما والله لقد كنت أنهاكَ عن هذا " .
والله المستعان وهو من وراء القصد .