صوت الريح يزمجر معلنًا غضبه ..... الأمطار تتسابق في النزول بغزارة لتغسل ما كان .... القرية شبه خالية من سكانها .... فروا هربًا من الحرب وويلاتها .... كان خمسينيًا جالسًا على كرسيه الهزاز يحتسي فنجان قهوته .... كل ما حوله هادئ ... فبدت له طرقات على الباب ... وضع فنجان قهوته على الطاولة وصدف إلى الباب .... فتحه ... كانت شابة في منتصف عقدها الثالث تقريبًا .... نظر إليها بتفحص .... فضحكت ضحكة ماجنة ... سيجارة وقليلاً من القهوة وشيئًا من الحب .... هل تسمح لي بالدخول؟ .... تنحى مفسحًا لها المجال .... جلست على أول كرسي واضعة رجلاً على الأخرى ... كاشفة ساقيها الجميلتين .... أقفل الباب .... ناولها علبة السجائر وفنجان القهوة الذي كان يحتسيه .... أشعلت السيجارة بشيء من التوتر .... وضحكت ضحكة هستيرية .... صارت أصابعها ترتعش .... سحبت نفسًا عميقًا من السيجارة .... نفثته نحو السقف وكأنها تنفث معه كل همومها وآلامها .... صار ينظر إليها بصمت .... فحاولت ألا تنظر إليه ... شتتت ارتباكها بتدوير فنجان القهوة على الطاولة ... رفعت عينيها إليه مبتسمة ... فرأت النظرة نفسها ... فخفضت عينيها من جديد ... زاد ارتباكها وارتعاش أصابعها ... وهو لا يتحرك وكأنه نحت من جليد ... اليلة باردة ... أليس كذلك؟ ... اكتفى بالنظر إليها فأنزلت رجلها وأسدلت فستانها لتغطي ساقيها ... من دون أي مقدمات ... أنا عذراء ومستعدة أن أهبك نفسي الليلة ... أيضًا لم يحرك شفتيه ... اختلطت مشاعر التوتر والخيبة والخوف والغضب داخلها ... وقفت فجأة هل تريدني أن أنصرف؟ .... لم يتحرك من مكانه ... فعادت إلى كرسيها لكن ليس بمثل الحماس السابق .... هل تسمح لي يا سيدي بقضاء الليلة هنا؟ .... فالبرد قاتل ... والحرب لم تبق لنا الأمان .... في هذه المرة وقف ... دخل حجرة وخرج يحمل لحافًا ووسادة .... تلقفت ما يحمل وهي تكاد تبكي .... شكرًا أيها النبيل .... سأخرج في الصباح باكرًا .... لن أزعجك ... لم يرد عليها واتجه إلى غرفته وأقفلها .... ارتمت على الكنبة وصار عقلها يعمل بعد أن شله صمته ... ما له؟ ... هل هو أخرس؟ .... أو مجنون؟ .... يائس؟ ... وصارت الأفكار تعبث بعقلها إلى أن أعياها التعب فانصاعت إلى غزل النوم الشهي ... استيقظت في الصباح فوجدت علبة السجائر عند رأسها ... كأنه يقول لها هي لك ... وضعتها في الحقيبة وانصرفت وهي تتسلل ..... الشوارع خالية إلا من بعض المارة .... جلست على أول كرسي في حديقة وجدته ... كان مبللاً لكنها كانت في حاجة للبرد كي ينتشلها مما هي فيه ... دست يدها كي تخرج علبة السجائر ... وجدت شيئًا منتفخًا ... أخرجته فإذا هو ظرف فيه مبلغ من المال ... وورقة ... أخرجت الورقة فوجدت فيها ... شكرًا على شيء من الحب ... فأنا لم يزرني أحد منذ عشرين سنة ...