المراجعة لبلوغ المنطقة الوسط ؛ فلا كتم للأصوات ولا جعجعة فارغة بخطاب غير منضبط ، ولا اقصاء عن الساحة بتكرار الأخطاء ، مع حضور يستوعب التجارب بأداء وخطاب دعوى وسياسى راق ومنضبط بتعاليم الشرع وملائم للواقع ومتغيراته .
هناك من القيادات المتحالفة مع الاخوان من لا يرى ذلك ويتبنى نظرية اما نحن أو هم ، واما سلطة كاملة أو سجون ومنافى .
اذا كانت الحركة الاسلامية قد حظيت بأحزاب تتيح لها النشاط السياسى ، فلا أقل من السير بحذر وتباطؤ مقصود ورضا بالقليل من المكاسب احتراماً للمرحلية وتقديراً لشراسة الخصوم ، الذين يضعون التجربة ككل تحت المجهر فى أول اختبار حقيقى لها .
يستخف قيادى اسلامى بامكانية حظر حزب جماعته ، ويرى بعدم القبول بالاستمرار كديكور فى عملية سياسية زائفة .
كلام نستسيغه من زعيم حزب عريق فى الحياة السياسية المصرية ، صاحب تاريخ ممتد لعقود وله بصمات منحوتة وتُدرس فى التاريخ المصرى ، ليتحدث بهذه الثقة الكبيرة كأنه الزعيم مصطفى النحاس ، وبهذا الوعيد الذى من المفترض أن تعمل له الدولة ألف حساب !
بقاء أحزاب الاسلاميين ضرورى حتى ولو فى واقع سياسى زائف ؛ اذ كيف الحديث بهذه المثالية والجميع يعلم حجم الفساد فى الواقع المصرى ، ولكى ينتظروا وهم خارج الساحة حتى ينظف هذا الواقعُ نفسَه ويتحرر من زيفه وملوثاته فلن يلتحقوا بالعمل السياسى فى المستقبل المنظور .
بقاء الحزب مصيرى حتى ولو ظل لفترة مجرد ديكور ، بالنظر الى الماضى المعروف ؛ فهناك مهام يقوم بها غير المنافسة والاصلاح السياسى الذى يأخذ وقتاً طويلاً من العمل والنضال ، فيكفى أنه ينقل الجماعة من العمل التقليدى المُهدد بدون سقف مشروعية يحميه ، الى العمل السياسى المعلن ، ويدمج أبناء الجماعة فى المجتمع والحياة العامة ، ويحميهم من الانزلاق مرة أخرى فى عمل سرى غير مشروع ، ويوظف طاقتهم وحماسهم التوظيف السليم ويطور أداءهم وخطابهم السياسى والاعلامى .. الخ .
ما هو وجه الوجاهة فى تبنى فلسفة اما هذا أو لا شئ ، واما مرسى أو لا مصالحة ، ، واما حضور كما نريد وبشروطنا أو لا حضور ؟
ألا توجد منطقة وسطى تحمى الحركة الاسلامية وتحمى الأوطان من الانقسام والفرقة وتنصر الدعوة وتضمن حرية الرسالة ، ولا تتسبب كل مرة فى الزج بالدعاة والمناضلين وحملة الدين الى السجون ؟
الأقباط والعلمانيون حافظوا على كياناتهم ومنظماتهم وأبنائهم من الحظر والمنع والقيد والمنافى والسجون لعقود طويلة ؟
فيمَ التصقت سمعة الحركة الاسلامية بأنها صديقة السجون والزنازين والمنافى ؟
فاذا اتضحَ أنها خطة مرتبطة بالسياسة والمصالح فلماذا لا تتبناها الحركة الاسلامية وتطبقها ، مروراً بالتطوير والدمج والتعايش ، وصولاً الى النضج والاسهام فى الاصلاح والتغيير المأمول .
لم يُراجع الأقباط والعلمانيون أخطاءَهم نظرياً ، ولم نقرأ كتباً فى مراجعات الأقباط أو مراجعات اليسار .. الخ ، لكننا لا نرصد هزائم مُوجعة لهم على الساحة بقدر الهزائم التى تعرض لها الاسلاميون ، ولا حتى فشلاً فى الحفاظ على البقاء فى المشهد حتى ولو لم يحققوا آمال الشعوب ، وحتى لو ثبت فساد نظرياتهم وبرامجهم السياسية ، اذ يكفى أنهم ظلوا فى الحكم وصدارة المشهد السياسى طوال هذه السنوات وهم يمثلون الأقلية .
فى مذكرات الدكتور عبد العزيز كامل يذكر أن الشيخ حسن البنا تمنى بعد الأحداث الجسام أن يخرج بأقل الخسائر ضامناً بقاءه فى المشهد مشاركاً باقى الطيف السياسى والمجتمعى ، وأن يفوز فقط فى نهاية الرحلة بمائة شاب يربيهم ينتشرون فى الأرض يدعون الى الاسلام ويجادلون الله عنه يوم القيامة .
وأكد على ذلك الشيخ القرضاوى فى " سيرة ومسيرة " ؛ فالشهيد البنا بعد حل الجماعة حاول أن يجنب الاخوان الصدام الدامى ولو تنازل عن بعض الأشياء حتى أنه قبل أن يترك السياسة فى تلك الفترة ويتفرغ للتربية .
الشيخ البنا نفسه فى لحظة الحسم لم يقل اما هذا أو لا شئ ويعتمد النظرية الصفرية ، انما عرض المشاركة والحلول الوسط ، وقد عرض فى مذكرة الحل " اما أن يطلقوا سراح كبار الاخوان لنعمل معاً جادين مخلصين حسب توجيه الحكومة حتى تطمئن ويزول ما فى النفوس واما اللجوء الى قرية نائية ، أو يسافر لأى قطر عربى أو اسلامى .
نعم لم يستجيبوا لكن الرجل حاول وبادر بالتنازل والمشاركة ، فهل يحاول الاخوان الآن ؟