المُساءَلات
يسائلني: مالي أراك مسهّداً
وقد دكّ ليلُ المربعانيّة الوسما
وهبّت من الإكليلِ في الأرض هبّةٌ
تكادُ خوافي الطيرِ من عصفها تَدمى
وقد يبستْ فوق الركابِ حُمولُه
وأجمدت الأفعى بأضلاعها السُّمّا
وناداكَ عشٌّ قد تغشّاكَ دِفئُهُ
وعلّمكَ الأحضان يا عمرُو والشّمّا
فما بكَ لا تبغي مساساً من الورى
كذي قُرَحٍ باتت فرائصُه تَدمى
عهدتكَ ربّاناً عرانينُ سُفنهِ
تظلّ جباه الموجِ من ضربها كَلْمى
إذا ما الرياح الهوجُ بيّتنَ هجمةً
فتلتَ شعاع الشمس في وجهها لُجْما
فأصبحتَ تخشى الظلّ والريحُ رهوةٌ
وترتدّ مفزوعاً إذا احتشدتْ غيما
أمسّك جنٌّ أم أصابتكَ غيمةٌ
عشاءً فألقت بين أوصالكَ الحمّى
**
أسائلهُ من أنت؟ هل أنت ماثلٌ
وهل أنت وهمٌ أم تُراني أنا الأعمى؟
متى كنتُ ربّاناً، متى كنتُ عاشقاً
متى كنتُ طيراً يعرف الحبّ والحُلْما؟
متى كنتُ عَمراً يا قرينُ؟ وهل تُرى
سأدعوكَ زيداً؟ هل تخلّفتِ الأسما؟
أراني هنا من مبدإ الخلق واقفاً
على الرمل جذعاً لا يُحزّ ولا يُنمى
ترعرعتُ ظلاّ يقصدُ الناسُ فيئَهُ
ولست أرى بحراً ولا أُبصرُ النجما
نعم أذكرُ السيل الذي زار مرّةً
جذوري التي في القاع لا تحسن الفهما
وحدّثتُ نفسي مرّةً بخميلةٍ
وأُنسيتُ ما كان الحديثُ؟ وهل تمّا؟
نعم أعرفُ الريحَ التي في مسيرها
رخاءٌ وتلك المحدثات بي الهدما
تساقطتِ الأوراقُ إذْ ذاكَ وارتمتْ
على الأرض أغصاني تعانقُها لثْما
وهأنذا: عُمرٌ على ساقِ واقفٍ
ولو كان لي ساقان لم أقترف همّا
***
أسائلهُ: ما لي أراكَ معذّباً
لهاثاً على دنياكَ؟ هل أمطرتْ غمّا؟
وما لك في كل البلاد مطوّقاً
بفقركَ تخشى في مشيبكَ أن تُرمى
نسيتَ البريءَ الطفلَ فيكَ ولم تزلْ
تعيثُ به قتلاً ولم يرتكبْ إثما
أما لكَ في خفض من العيشِ فسحةٌ
وفي بسمة الأنسام هل تفقدُ الطّعما؟
ترنّحتَ ركضاً في البلاد وطوّحتْ
بك القدمانِ حيثُ لا تعرف العَوما
تودّ اغتناماً في الزمانِ وترتجي
وصولاً وهذا الدهرُ لا يعرف الغُنْما
تطاردُ طيفاً في الحياةِ معانداً
متى رمتَ منه قبلةً لم تجدْ جِسما
وتبحثُ في ذكراكَ عن نصفِ كذبةٍ
تعزي بها نجواكَ أو تدفعُ الشؤما
صباحاً تغذّ السيرَ من أجل غزوةٍ
تبددُها ليلاً لكي تعقرَ الكَرما
فهل جئتَ تبغي الظلّ؟ أم أنتَ ساكبٌ
عليّ جحيماً؟ أم تشاطرُني نُعمى؟
أنا ذلك الجذعُ الذي أنت فأسُه
ورُبّ جذوعٍ أورثتْ فأسَها ثَلْما
***