أمنيات عالقة
في صغري حلمت بدراجة جميلة.. لكنها اصطدمت بقدم أول طفل اتخذته صديقا بعد أن مللت صحبة الفتيات..
رأيتُ جرحه ينزف، تدور الأيام وقصص تشابهها تأتي.. قالت لي أمي : "ليس عيبا أن يكون لك حلم ، والأجمل أن تكوني أنتِ الحلم.. فقط لا تكتبي أمانيك جملة واحدة، ولا تدسي كل النجوم في جيبك، فصغر حجمه لا يسعها كلها".
مضى ذاك الزمان، ورحلت أمي.. يوم كانت الشمس كبيرة، والحياة هر أليف يجالسني أينما كنت، والأماني سبورة بيضاء، أكتب فيها وأمحوها متى أريد.. اليوم الشمس صغيرة، وحكايا الأمسيات سكتت، والوسائد المحشوة بالريش لم تستطع مساعدة عقلي على الاستكانة..
كم تمنيت لو أصحو بلا عمر، أجمع نسمات الصباح، وأمنح بعضها للوجوه المتعبة وأضع حفنة كبيرة منها بين أضلعي..!
وتمنيت لو أرمي عقلي وقلبي في البحر، ولو أني لا أعرف السباحة حتى ما أنجو، وأنا المتهمة بعقلانية ألصقها بي الفكر !
تمنيت لو أقطع علاقتي بعالم الـتأملات، وألغي قوائم أوجاع ثكلى لأوطان عربية معدومة الرؤيا في وضح العاصفة ؛ ليس وطني فقط هو الضائع بينها ولو أنه لا زال يحمل يافطة البقاء بيد واحدة مبتورة الأصابع..!
تمنيت لو أن صحوة الشعوب المقهورة على أمرها تكون بعيدة بما يكفي عن الغفوة، حتى ما لا يلقي الوهم بآمالها العجاف على حافة الرصيف بلا مقدمات، ويوصد خلفها الزمن أبواب الرجوع..!!
تمنيت أن يطلع الفجر الموهن ساطعا من عتمة الصباح، ليزيل بريقه ظلاما كاد يحجب عنا الأمل في غد أفضل وسط فتنة مقبلة مدبرة..
تمنيت لو أن لم يكن للأخوة في الله صك مزور، نص قضائه ظلم، وعدله خيانة، وحكمه غدر مدون على صدمات حقائق العرب..!!
تمنيت لو أن المودة فور وجودها لم تبعث كوشاية سلمتها رياح الغيم بيد الرعد فأصابت صواعقها القلوب ودوى البرق.. فكانت خفقتها قضاء يهز النواصي ويقبع ما بين الصدور..!