|
أســـــرجْ خيالَك و امْتطِ الآفاقا |
و اسْرحْ بفكرِكَ جائِبًا ما طاقا |
و انظـر حدودَ الكون إن بُلِّغتَها |
أوَجـدْتَ في أطـرافِـهِ أطـواقا |
عجِزتْ مداركُنا و كَلَّ وُصولُنا |
و كبا الخيالُ فمـا يُطيقُ لَحاقا |
كــونٌ تفــرّدَ ربُّنــا في صُنعِــه |
هــلْ تعـلَـمَـنَّ مثيـــلَهُ خــلّاقا |
و بنــاه دون مشــقَّة في ســــتة |
والأرضَ , فيها قدَّر الأرزاقا |
هذا الكمــالُ عن المثالبِ غافـلٌ |
مـا مسَّ نقـصٌ تِمَّــهُ أو حـاقا |
بثَّ الإلـه عـلى مـــداهُ خَــلائقا |
عاشــتْ تُسَــبِّحُ ربَّها الـرّزاقا |
و اسـتخْلفَ الإنسانَ فيهمْ راعيا |
لـكنَّــه قـــد ضــيَّـعَ الـميــثاقا |
هذا المُكــرَّمُ و المفـضَّلُ رتبــةً |
كان الأشـــدَّ إلى العِتِيِّ سِباقا |
جَعَلَ النقائِصَ و الذّنوبَ وسائدًا |
و الكبرَ تاجًا و الهوى أرباقا (1) |
حتى إذا وَسَــمَ الفســادُ جِبـاهَهُمْ |
و إلى القلوبِ استَحْفَرَ الأنفاقا |
بعـثَ الإلــهُ الأنبـيــاءَ منـائــرًا |
تَهــدي بنــورِ جـــلالِهِ الأُبّاقا |
و اختارَهُمْ مِن بينِ صَفْوةِ خلْقِهِ |
حتّى يكونــوا حُجّـةً مِسْـــلاقا (2) |
و إِمــامُهــم كـانَ الـنَّبيُّ محمّـدٌ |
هـو خيـرُهُمْ و أجلُّـهُمْ أعْـراقا |
فهو البِشارةُ والخَلاصُ ورحمةٌ |
للعــــالمــينَ تنــزَّلَـتْ تِـرْياقا |
جُمِعت سـجايا الخلق في أردانه |
حتى ارتقتْ و اسّـاقطتْ أرواقا |
و كســـاهُ ربي بالمحاسن منعمًا |
و مـؤدِّبا , حتى سـما أخـلاقا |
و إليــه تلـتجئ المنــاقـب كلـها |
تسعى على قدم و تطلق ساقا |
فالمـرءُ يعلــو بالمـديح منــازلا |
فوق الورى و يزيدُه إشــراقا |
إلا النبـيَّ محـمّـدًا فهــو الــذي |
يعطي المديحَ منـازلًا أعـلاقا |
و مديحُ أَلْسِـــنَةِ البـريَّة مُحْدَثٌ |
قـد يســـتحيل تـزلفًـــا و نفـاقا |
لكنْ مديـــحُ الله بــاقٍ ســـرمدٌ |
يغــدو بـهِ ممــدوحُـهُ عِمـــلاقا |
و لقــد حَبـاهُ الله مـدحًـا خـالدًا ... يتـلى , و ذكــرًا طبَّـقَ الآفـاقا |
في يوم مولده البشـائِرُ أبْلَجَت |
رؤيا تهزُّ "الموبذان" و قد رأى |
خيـلًا تجـــرُّ وراءَهـا أنــواقا |
حتَّى إذا عَبَرَ الفُــراتَ خِفافُها |
نفشَتْ , وقد كان العِراقُ عراقا (3) |
و تشقَّق الإيوانُ ليلًا و انبرى |
وادي ســـماوةَ فـائضًـا غيـداقا |
و تهدمت شُرفات كسرى أربعا |
من بعــد عشــرٍ أعلنَتْ إِمحاقا |
نيران فارس أُخمِدَتْ ولقد مضى |
ألــــفٌ و لمّا تنطفئ إطــلاقا |
وكذا بحيرةُ ساوَةَ ابتُلِعت على |
سَـعَةٍ و غارَتْ في الفـلاةِ دِفـاقا |
قــد كان مــولدُه بـدايةَ صفحةٍ |
غَمَرَتْ بفيضِ ضيائِهـا الأوراقا |
و طوتْ ظلامَ الكفر طيَّ سجلِّهِ |
من بعد أن مـلأ الفضاءَ بقـاقا (4) |
هو خاتَمُ الرّسُلِ الكرامِ بشرعةٍ |
تمَّـتْ فكانـتْ للأنـــامِ خَـــلَاقا |
لمّا خطا في بـدءِ ســيرتِهِ غدا |
طــوقُ العنــايةِ حــولَهُ أحـداقا |
مترعرعًا من بيتِ مُرضِعِهِ إلى |
جَذَعٍ يســـوقُ أمامَه الأبْراقا |
فمـظـــلَّلٌ بغـمــامةٍ , فمـوكّلٌ |
بتجــارةٍ , لـم يعــرفِ الإخفاقا |
فُتِنتْ به عَينُ الأمانة و الحِجَى |
حتـى غـــدا فـي قــومِه نَــوّاقا (5) |
لمّا أحبَّـتْه المــلائكُ في السّـما |
مَـلأَ القَبولُ الأرضَ منه دِهاقا |
فــإذا محبتُهُ يفيـض نمــــاؤُها |
لمّــا نكلِّــفُ كنـــزَهــا إنفـــاقا |
أعلِمْتُـمُ جَــذْعًـا لغيـــر محمَّـدٍ |
يبكي محبـةَ لمسِــــهِ مُشــــتاقا |
هـو أمّــةٌ في نفسِــه , ما همَّهُ |
في رحـلةِ الإبــلاغ ما قد لاقى |
و التفَّ حـــولَ بنـانِهِ أصحابُهُ |
فغَـــدَوْا لســــفْرِ حيــاته أَلْحاقا |
حملوا المشاعل بعده و توغّلوا |
ليُحوِّلــوا وجْـهَ الدُّجى غِـرناقا |
فَعَنَتْ لهذا الدّينِ ناصيةُ النُّهى |
و توجهَتْ في خمسِــها أنْســاقا |
هو منبع صافي المناهل مغدقٌ |
شفي النفوس , يطهّر الأرباقا |
لا فضـلَ فيـه لعــالمٍ أو عامـلٍ |
مـا لمْ يكُنْ إِخــلاصُهم رقراقا |
يا منقـذ الأكوان يـا أسَّ الهدى |
جهَّـزتَ للحــقِّ المبـين عِتــاقا |
مُستودِعًا فوق النّجائبِ عصبةً |
رفعــوا الســماحةَ بَيـرَقًا خفّاقا |
و زَرعْتَ في بيدِ التفرُّقِ وحدةً |
طَرَحَتْ نَضـيدَ إخـائِها أعْـذاقا |
يا ربُّ جازِ محمّـدًا خيـرَ الجزا |
و أثِبْــهُ خيـــرًا وافــرًا دفّــاقا |