بشغف تكرر على مسامعي وعيناها تلمعان .. ستخرج قريباً ، سنطوى هذه الصفحة سريعاً من حياتنا وسننسى هذا الماضى ، وستعود كما كنت .
كانت لا تمل من تذكيري بمكانتي ، ومقامي الرفيع وسط أهل الحي .
أضحك بمرارة من هول المفارقة ، هى لا تزال تنظر إلى ذلك البطل الذي كان .
لازلت في نظرها زوجها القوى الثرى صاحب الوجاهة والنفوذ والمكانة المرموقة .
كنت أشفق عليها وعلى نفسي من تذكر الماضي والحنين إليه .
جدران الزنزانة أخبرتنى بما كان وما سيكون ، وحفرتُ على جدار كرامتى دروس النسيان .
حفلات الإهانة والاحتقار أفقدتنى الوعى بتاريخي وجعلتنى كائناً جديداً لا يربطه بماضيه الرغيد سوى اسمه .
هى الوحيدة التى تحاول استدعاء ذلك الشخص من مجاهل الماضى .
السجن ليس نهاية المشوار وكلمتك الأخيرة لم تقلها بعد .
أرد بابتسامة شاردة ، مصدوما ً بالماضي الذي تفاجئني في كل زيارة بعرضه على ذاكرتي المشلولة ، والواقع الذى نحياه .
تنساب من عيني دمعة ساخنة أشعر بلهيبها على خدي .
باعت كل شيء دون أن تخبرني ، ذهبها وسيارتي الهيونداى وقطعة الأرض والمحل والشقة والأدوات الكهربائية .
حتى بدلي وكرافتاتى وأحذيتي الثمينة .
استأجرتُ شقة صغيرة بنفس الحي ، وبدأت من جديد .
سددت جوعها وجوع أولادي ، وأثبت لنفسي أنني لازلت على قيد الحياة ، وأننى جدير بكلمة أبى .
تشجعني على العمل والصبر لتأمين مستقبل أولادنا .
سعيد أنا ، فقد بدأت ملامح جدران الزنزانة تتلاشى من ذاكرتى .
تجلس تحدثني عن أخبار الحي وأهله ، وما يحدث بينهم ولهم .
لم تعد تكرر على مسامعي ما يقوله أهل الحي عنى وعن مكانتي وثرائي ومقامي وقدري بين الناس .
لم أعد ألحظ تلك الفرحة التي كانت تقفز من عينيها قديماً أثناء الحديث عنى .
لم تعد تتحدث عنى بل عن آخرين .
لم تعد تنظر لى ملياً .
أعجز عن سؤالها عن سبب حزنها اليومى .
لم أعد أشفق عليها ولا أتعاطف مع الحزن الذي يكسو ملامح وجهها .