لو سقط الجيش وتفكك لسقطت مصر الحامية التاريخية للاسلام وحصن الأمة الاسلامية المنيع ، وكما توقفت أطماع الأعداء من صليبيين وتتار فى السابق أمام هذا الحصن واستعصى اسقاطه ، فمشهد اليوم لا يختلف عن فشل الأعداء فى غزو الداخل المصرى وهدم أركان صموده بعد السيطرة على الشام والعراق ، فمصر بتماسكها وبقائها هى المشروع الاسلامى الحقيقى .
الديمقراطية – ابتداءاً - كانت تحتاج الى أمد زمنى ووقت لتترسخ ولو بعيداً عن سيطرة الاسلاميين فى مراحلها الأولى ، انما بمشاركتهم فقط فى بداية الطريق ، كان هذا سيفيد قضية الديمقراطية وسيفيد الاسلاميين .
لتقوى ويعتادها الشعب وتصبح احدى قضاياه الأساسية ، ولينال الاسلاميون فرصتهم بعيداً عن أجواء التربص بعد أن يصبحوا جزءاً من العملية الديمقراطية والتداول ، لا هاجساً معادياً يهددهما .
الاسلاميون يستنسخون التجارب بنفس البدايات والسيناريوهات والمصائر ، وأين موقع الحالة الجزائرية من ذاكرتهم – والمقدرة على الفصل بين اشكاليات الثورة والوطن والدين وكتاب عبد اللطيف سلطانى " سهام الاسلام " حول ما اذا كان الجهاد فى الجزائر فى سبيل الله ولاقامة الخلافة أم كان من أجل الوطن بمشاركة جميع أبنائه – .
أكان الصدق نافذاً فى استراتيجية تحرك الطيف الاسلامى منذ البداية ، أم كانوا ثوريين ضد التوريث تارة وضد الفساد تارة وضد " العسكر " تارة ، وفى سبيل الله والمشروع الاسلامى تارة أخرى بحسب تقلبات الشارع والمشهد والأوضاع ؟
المواجهة مع الجيش كانت وستظل فى غير صالح الاسلاميين ، فالثمن باهظ والنتيجة كارثية وكان لابد من التفكير السريع فى حلول بديلة .
وضعية الجيش بالنظر الى تطورات ما حدث فى العراق وسوريا واليمن وليبيا تحتم على أى فصيل وطنى المجازفة بأية مصلحة للبقاء فى صفه وعدم السير فى طريق يوصل الى المفاصلة معه ، والتوصل الى خطة وطنية للحل دون تعريضه لابتزازات الخارج ؛ وكان من الممكن التسليم بأن المعركة طويلة وعلى جولات ـ وأن الاسلاميين لم يخسروا سوى جولة ، وأن الرابح هو من يستطيع المتابعة لتحقيق أهدافه ، ومن يستطيع الحفاظ على جماهيره وأدواته ومكانته فى الشارع السياسى ليكسب صناديق الانتخاب فى الجولات القادمة .
مسرحية الفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر " الأيدى القذرة " ، أتابع أبطالها على أرض الواقع اليوم ، حيث يُكلف الحزب الشيوعى الفرنسى أحد كوادره باغتيال زعيم الحزب الاشتراكى الحليف الرئيسى له ، فى اطار خطة للانقلاب والاستيلاء على السلطة وما صاحب ذلك من تصوير لذلك الزعيم – رئيس البلاد - كطاغية ، وينفذ الشاب المتحمس مهمته ويقتل الزعيم الاشتراكى ويُقبض عليه ويصدر حكم ضده بالسجن بالأشغال الشاقة المؤبدة .
يُفاجأ بعد خروجه من السجن أن الحزب الشيوعى قد قرر انتهاج ذات السياسة التى انتهجها الزعيم الاشتراكى الذى قتلوه من أجلها بعد أن تطورت الآراء وتبدلت المصالح .
المسرحية تتحدث عن أن خروج هذا الثائر الغاضب " القاتل " جاء بعد ثلاثين عاماً قضاها فى السجن ، بعد أن توالت الأحداث على المسرح السياسى لتتاح الفرصة لهذا التنظيم " الثورى " ولحزبه الشيوعى المعارض ليتولى السلطة ، فكان أول قرار هو الافراج عن " الثائر " " البطل " ، وفى احدى الجولات يُفاجأ الرجل بتمثال للطاغية الذى قتله قبل عقود يتوسط أحد الميادين ، فسأل رفاقه فى دهشة وهم الذين حرضوه على اغتياله لفساده وظلمه ، فأجابوه بأن السياسة تقتضى ذلك ، ولم يجد اختلافاً كبيراً بين منهجهم فى الحكم وأسلوبهم فى ادارة البلاد وملامح تحالفاتهم وقمع معارضيهم عن أسلوب حكم الطاغية الذى قتله بيديه .
حينما سألوه عن المنصب الذى يريده قال مُحبطاً بلا تردد " أنا لم أعد صالحاً للاستعمال " .
كثيرون اليوم – ومنهم متحالفون مع الاخوان – يتخلون عن فكرة عودة الدكتور مرسى للحكم ويسعون لتوفيق الأوضاع ، وخفتت اللهجة وصارت الحناجر أكثر رقة وتحولت التهديدات والشتائم المباشرة الى أحاديث دبلوماسية ناعمة ! وطوال ثمانية أشهر كان الشحن والتحريض والدفع بالشباب فى ساحات المواجهة مع الجيش والشرطة تحت عنوان العودة وعدم التنازل .
بعد التنازل عن مرسى - وسيتنازل عن عودته قريباً أقرب المقربين اليه - ، فيمَ كان الدم والأرواح البريئة التى ذهبت ؟
صنف يتكرر من السياسيين يتخفون وراء شعارات مثالية يسيئون لخلفياتها ، ويقع فى مستنقع تهورهم وهَوَسهم بالسلطة شبابُهم الحماسى ، الذى يشعر بالعجز والاحباط أكثر من أى وقت مضى ، حتى يكاد يغيب عن المشهد السياسى تماماً بعد أن لفظهم جميعاً وفقد الأمل ،وسلم نفسه فريسة سهلة ؛ بعضهم للاحباط واليأس والعزلة ، والبعض الآخر لتنظيمات العنف والحرق أمثال " مولوتوف " و " ولع " و " هنرعبهم " ، والبعض بالفعل يفكر جدياً فى القاعدة والتنظيمات التكفيرية المسلحة .
هؤلاء السياسيين أبدع جان بول سارتر فى تسميتهم " الأيدى القذرة " .