أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: لا يُتَوَصَّل إلى الحلال بالحرام ( الغاية لا تبرر الواسطة )

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد سوالمة قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : رفح
    العمر : 69
    المشاركات : 488
    المواضيع : 188
    الردود : 488
    المعدل اليومي : 0.06

    افتراضي لا يُتَوَصَّل إلى الحلال بالحرام ( الغاية لا تبرر الواسطة )

    --------------------------------------------------------------------------------





    لقد جرت عقول بعض المسلمين على طريقة القياس العقلي الذي لا يعتمد على أَمارة من الشرع تدل على اعتباره، أي علة شرعية ورد بها نص شرعي معين. بل إن القياس العقلي عندهم يفهمه العقل من مجموع الشرع، دون أن يكون هناك نص معين يدل عليه. أو يفهمه من قياس حكم على حكم لمجرد التماثل عقلاً، دون أن يكون هناك باعث على الحكم قد ورد به الشرع. أو يفهمه من ترجيح عقلي للمصلحة في الحكم الشرعي نفسه وفي سائر الأحكام.
    فإن ذلك كله لا يجوز ولا بوجه من الوجوه، فالشرع عندهم قد دل بمجموعه على حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فكل ما يؤدي بنظرهم إلى حفظ هذه الخمسة فهو مطلوب شرعاً وإن لم يدل النص الشرعي عليه، وان لم توجد علة شرعية تدل على اعتباره. وذلك للتماثل الموجود بين الأمرين.. وكذلك فإن الشرع قد أجاز للمسلم المضطر أكل ما هو محرم عليه أو شرب الخمر، فإن اضطر المسلم للتعامل بالربا فلا شيء عليه، للتماثل الموجود بين الأمرين.
    هذه الطريقة في الفهم تجافي الفهم الصحيح وتخالفه. وهي طريقة يدل واقعها على فسادها. ولا تصلح للاعتماد عليها أو الأخذ بها. ذلك أن القياس العقلي هذا يقتضي الجمع بين المتماثلات والتفريق بين المختلفات، بينما نرى أن الشرع قد فرق بين المتماثلات في كثير من الأمور وجمع بين المختلفات في كثير من الأمور، وأعطى أحكاماً لا مجال للعقل فيها. وهذا وحده كافٍ لنقض هذه الطريقة من أساسها.

    التفريق بين المتماثلات:
    فبالنسبة للتفريق بين المتماثلات فإن الشرع قد فرّق بين الأزمنة، المتشابهة عند المسلم، في الشرف، ففضل ليلة القدر على غيرها. وفرّق بين الأمكنة في الشرف كتفضيل مكة على المدينة، والمدينة على غيرهما. وفرق بين الصلوات في القصر، فرخص في قصر الرباعية ولم يرخص في قصر الثلاثية ولا الثنائية. وفرق بين المني والمذي فجعل المني طاهراً والمذي نجساً، مع أنهما نزلا من مكان واحد. وأوجب الغسل من المني وأبطل الصوم بإنزاله عمداً دون المذي مع انهما نزلا من مكان واحد. وأوجب غسل الثوب من بول الصبية الأنثى والرش من بول الصبي الغلام. وأوجب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة. وقطع سارق ثلاثة دراهم ولم يقطع غاصب القناطير، وجعل عدة المطلقة ثلاثة قروء وعدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، مع استواء حال الرحم فيهما... وهكذا أحكام كثيرة متشابهة ويوجد فيها جامع. فلو ترك للعقل أن يعطي أحكامه في مثل هذه المسائل لأخطأ , ولجاء حكمه مخالفاً لما أعطاه الشرع. فجاء الشرع وجعل لكل منهما حكماً غير حكم الآخر. مما يدل على فساد هذه الطريقة في القياس.

    الجمع بين المختلفات:
    وبالنسبة للجمع بين المختلفات فإن الشرع قد أعطى أحكاماً واحدة في مسائل مختلفة. مع أن القياس العقلي لا يرضى بذلك. فالشرع قد جمع بين الماء والتراب في جواز الطهارة، مع أن الماء ينظف والتراب يوسخ. وحرم ربا الفضل في الذهب والحنطة مع اختلاف واقعهما. وجعل عقوبة المرتد والزاني المحصن القتل وإن اختلفت كيفيته، مع أن هناك فرقاً بين عمل كل منهما. وجعل المسلم والذمي معصومي الدم بالرغم من اختلاف كل واحد منهما باعتبار الدين. وأوجب الجلد ثمانين على القاذف بالزنا وشارب الخمر مع اختلاف واقع كل منهما...
    وهكذا أحكام كثيرة تختلف الوقائع فيها اختلافاً بيناً ولا يوجد أي جامع بينها ومع ذلك فقد جعل الشرع لها حكماً واحداً. ولو ترك العقل أن يقيس فيها لجاء حكمه مخالفاً، ولما استطاع أن يعطي فيها أحكاماً متشابهة لاختلاف الواقع فيها، وذلك مما يدل على فساد هذه الطريقة في القياس.
    بالإضافة إلى كل ذلك فقد أثبت الشرع أحكاماً لا مجال للعقل فيها. فالشرع أحل البيع وحرم الربا مع أن كلاً منهما بيع وهما متماثلان. وشرط في شهادة الزنا أربعة رجال واكتفى بشهادة القتل باثنين مع أن القتل أغلظ من الزنا. وشرط في شهادة الرجعة أن يكون الشاهد مسلماً بينما أجاز شهادة الكافر في الوصية. وأوجب التعفف أي غض البصر بالنسبة إلى الحرة الشوهاء: شعرها وبشرتها مع أن الطبع لا يميل إليها ولم يوجبه بالنسبة إلى الأَمَة الحسناء التي يميل الطبع إليها. وأوجب المسح على ظاهر الخف دون باطنه مع أن باطنه أولى. وفي هذا يقول سيدنا علي كرم الله وجهه: " لو كان الدين يؤخذ قياساً ( أي عقلياً ) لكان مسح باطن الخف أولى من ظاهره ".
    وهذا ما دفع مثل أبي العلاء المعري الشاعر المعروف لأن يقول:
    يدٌ بخمسِ مِئينٍ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ == مَا بالُها قُطِعَتْ في ربع دينارِ
    أي إن اليد التي أُتلفَتْ وُديت بخمسمائة دينار فكيف تُقطع في سرقة ربع دينار ؟ انه يستهجن أن تُقطع في سرقة ربع دينار. انه يستهجن بحكم العقل حُكْمَ الشرع. وأنه لو جُعل للعقل أن يفهم من مجموع الشرع علة أو يفهم من ظاهر النص علة، أو يفهم من مجرد التماثل بين حكمين وجود القياس بينهما لحرم كثيراً مما أباحه الله، ولأحلَّ كثيراً مما حرمه الله. لهذا لا يجوز القياس إلاّ بحسب الطريقة التي أقرها الشرع. أي لا يحصل القياس الشرعي إلاّ في علة ورد النص بها. ولا يقاس في النص الذي لم يرد فيه علة شرعية، ولا توضع له علة عقلية، ولا تقدّر له علة شرعية ما لم تذكر أو تعين. لهذا فقد حدد الفقهاء مسالك العلة استقراءً من النصوص. وقالوا إن العلة إما أن يكون النص قد دل عليها صراحة وإما دلالة وإما استنباطاً وإما قياساً. ( تراجع كتب الأصول في ذلك ).
    والرسول صلى الله عليه وسلم عندما أقر القياس حدد نوعه. فقد روى أحمد والنسائي عن عبد الله بن الزبير قال:«جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل، والحج مكتوب عليه. أفأحج عنه ؟ قال: أنت أكبر ولده ؟ قال: نعم. قال: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان يجزي ذلك عنه ؟ قال: نعم. قال: فاحجج عنه » فالحج عبادة، وإقراض المال معاملة وكل منهما يختلف عن الآخر. ولكن تسديد فرض الحج يشبه تسديد المال المقرض من حيث أن كلاً منهما دين. والباعث على جواز حج الابن عن أبيه في مثل هذه الحالة كونه قضاء دين. فالرسول صلى الله عليه وسلم ألحق دين الله بدين الآدمي في وجوب القضاء ونفعه. ولولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع ذلك لما كان لعقولنا أن تقول به.
    والتعليل للأحكام دليل على بيان الشيء الذي من أجله شرع الحكم. وهذا يوجب اتباع العلة أينما وجدت، وهذا هو القياس. فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال عن الهرة « انها ليست بنجس » بيّن العلة أي الباعث على اعتبارها أنها ليست نجسة بقوله: « انها من الطوافين عليكم والطوافات » [ رواه البخاري والترمذي ]. وعلى هذا فإنّ كل ما كان من الطوافين والطوافات ليس بنجس ما لم يستثن بدليل. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « إنما جعل الاستئذان من أجل النظر » [ رواه البخاري ومسلم ]. يعني أن المسلم يجب أن يستأذن قبل الدخول إلى بيت ما. لأن للبيت حرمة ويعتبر عورة. فالباعث على تشريع الاستئذان حتى لا يسبق النظر إلى محرم. فقوله ( لأجل النظر ) هو العلة أي الباعث على تشريع الاستئذان. وعليه فإن المسلم الذي يدخل إلى بيته لا يحتاج إلى استئذان. لأن العلة انتفت فانتفى الحكم معها. إلاّ إذا كان عنده ضيوف أو ما شاكل ذلك. فمتى عادت العلة عاد الحكم معها. ولهذا يلحق الحكم العلة وجوداً وعدماً.
    لذلك كان القياس من الأمور الدقيقة جداً. وينبغي أن يعلم أن هذا القياس إنما هو لذوي العقول التي تفهم النصوص والأحكام والحوادث. وليس هو لكل واحد من الناس يقوم به حسب ما يهوى ووفق ما يشتهي، بل لا بد أن يكون لمن آتاهم الله بصيرة وفهماً، وإلاّ كان وسيلة من وسائل الهدم والبعد عن حقيقة حكم الله، قال الإمام الشافعي رحمه الله: " ولا يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالماً بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف ولسان العرب، ويكون صحيح العقل حتى يفرق بين المشتبه، ولا يعجل بالقول، ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه لأن له في ذلك تنبهاً على غفلة ربما كانت فيه، أو تنبيهاً على خطل ما اعتقد من الصواب " فاستعمال القياس يحتاج إلى فهم دقيق، ولا يجوز القياس لاستنباط حكم إلا للمجتهد.
    إننا في كل ما ذكرناه من قبل لم نذكر إلاّ أدلة القائلين بالمشاركة ونقضها. وتبيان انها لا تصلح أدلة على الموضوع. والآن ما هو رأي الإسلام القطعي الذي لا يلزم فيه الاجتهاد في هذا الموضوع ؟.
    إن الشرع بعقيدته قائم على الإيمان بالله الواحد، وانه يجب إفراده في العبادة. وإن القول بـ ( لا إله ) تعني نفي الألوهية والعبادة والتشريع لكل ما عدا الله. وإن القول ( إلاّ الله ) تعني إثباتها لله وحده. فهو الاله الحق المستحق للعبادة والتشريع وحده. وتكون عبادته والخضوع له سبحانه ومعرفة شرعه عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا ما يفيده الشطر الثاني من الشهادتين وهو القول بأن ( محمد رسول الله ) ومن هنا يجب إفراد الرسول صلى الله عليه وسلم بالاتباع والتأسي في التشريع.
    حتى إن أصول الفقه تقوم على تحديد مصادر الوحي حتى لا يؤخذ التشريع من غيره. وتقوم على ضبط قواعد الاستنباط حتى لا يدخل في الشرع ما ليس منه. لهذا كان أول بحث فيه يقوم على أن الحاكم هو الله سبحانه وتعالى. وأن الحكم لله وحده. وأن لا حكم قبل ورود الشرع ولا خارج الشرع.
    ثم يأتي الفقه ليشكل الترجمة العملية لعبادة الله وحده، والخضوع له وحده، وعدم قبول التشريع من سواه. والتحاكم لشرعه وحده...
    والمشاركة في أنظمة الكفر تعني أن الداعي لها يقبل بوجود تشريع بشري إلى جانب التشريع الإلهي، وبالتالي يقبل بوجود مشرع للأحكام غير الشرعية إلى جانب المشرع في الأحكام الشرعية. وتعني كذلك القبول بتعدد مصادر التشريع... فأين وحدانية المعبود التي تقتضي وحدانية العبادة ظاهراً وباطناً ؟.
    إن عدم جواز الإشراك بالله يقتضي عدم جواز المشاركة في حكمه.
    من هناك فإن الشرع بكليته يدل على عدم جواز المشاركة في الأنظمة الجاهلية.
    وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة تدل بما لا يترك مجالاً لشبهة واحدة على جذرية الطرح والبعد عن التأثر بالواقع. والعمل على التأثير بالواقع ليحدث التغيير المطلوب. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يراعِ في دعوته واقع الشرك في كفّار مكة. ولم يأبه لعاداتهم وتقاليدهم، ولم يحسب لقبول الناس إياه أو رفضهم له أي حساب. ولم يُداجِ من بيدهم الأمور. مع أن وضع الرسول صلى الله عليه وسلم ووضع الدعوة في مكة كان شديداً. فجهر بـ ( لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ) والتي هي الإسلام كله بجوهره، والرفض الكلي لكل ما عداه عقيدة وشريعة. وعلى هذا الأساس رفضها أبو جهل مع صناديد الكفر في مكة. وعلى هذا الأساس جهر بها الرسول صلى الله عليه وسلم أمام الأسود والأبيض، والحر والعبد، والغني والفقير، والعربي والأعجمي، وعابد الوثن والكتابي وواجههم وجابهم بها، وبادأهم بذكر آلهتهم فردّوا بالعداوة، وساوموه وطلبوا منه أن يكف عنهم ويكفوا عنه، وودوا لو يدهن الرسول فيدهنون. فلم يقبل منهم وصبر على مناكدتهم للدعوة وتعذيبهم لأصحابه، وصبر معه المؤمنون به. وكان صبر الجميع آية من آيات صدق الدعوة وصدق اللهجة، حتى أنه رفض شرط بني صعصعة حين جاء يدعوهم لنصرة دينه في أشد أوقات الدعوة وفقدان النصير، فهم قد استعدوا لنصرته شَرْطَ أن يكون لهم الأمر من بعده. فلم يقبل إنه قد فتحت له ثغرة يستطيع أن يستفيد منها بعد أن سدت أمامه كل المنافذ، بل قال لهم ولنا من بعدهم معلّماً، مرشداً، داعياً، هادياً: «الأمر لله يضعه حيث يشاء ».
    وهو يعني بذلك أن الأمر لله وحده، لا يشاركه فيه أحد، والله وحده هو الذي يضعه حيث يشاء، وليس لأحد من الأمر شيء. ومضى الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته لا يعتمد إلاّ على قوة الفكرة وتوفيق الله سبحانه. ووصلت الدعوة إلى تحقيق ما هدفت إليه بإقامة دار الإسلام في المدينة بعد أن فتح الله عقول وقلوب من نصروه وآووه. وكان التوفيق من الله وسيكون لمن يتكل عليه ويستمد العون منه، ويحافظ على نقاء الفكرة وصفاء الفهم واستقامة الطريق وصحة التصرف.
    والآن، وفي نهاية موضوع المشاركة في الأنظمة التي تحكم بغير ما أنزل الله، لنعرض واقع الحكم في الأنظمة الحالية وكيف تتم المشاركة فيها. ثم نعرض الآيات والأحاديث التي تحرم سلوك هذا الطريق وتقطع الطريق على أي تبرير أو تأويل لأن الآيات قطعية في دلالاتها.
    إن الدستور في أية دولة يجب أن يكون قائماً على أساس فكري معين، فقد يكون ديمقراطياً، وقد يكون إسلامياً. بحيث لا يتأتى وجود أي حكم من أحكامه غير منبثق عن عقيدته وأساسه.
    ففي الأنظمة الديمقراطية يجب أن تأتي أحكام الدستور منسجمة مع الأساس الذي يقول بأن السيادة للشعب، أي إن الشعب هو الذي يسن القوانين عن طريق مجلس يختاره لهذه المهمة، ويسمى مجلس النواب. والسلطة التنفيذية عندما تحكم فإنها تطبق ما شرعته السلطة التشريعية باسم الشعب. وللحفاظ على تقيد الحكومة بحكم الشعب أعطيت للمجلس النيابي صلاحية منح الثقة للحكومة بحيث لا تصبح شرعية إلاّ بعد أن يمنحها الثقة. وأعطيت صلاحية مراقبة أعمال الحكومة واستجوابها ومحاسبتها، وبالتالي حجب الثقة عنها مجتمعة، أو عن وزير ما، إذا ما أخلَّ ولم يتقيد بأحكام الدستور.
    ومن هنا فإن ما يصدر عن الحكومة من أعمال إنما أساسه الديمقراطية وليس الإسلام. والإسلام كما بيّنا في موضوع سابق لا يقبل بأي عمل ما لم يقم على أساس روحي، وهو أساس الإيمان بالله تعالى.
    والأنظمة كما أن لها أساساً واحداً فإن بناءها متكامل، وسياستها التي تريد تنفيذها واحدة، وتسعى إلى تطبيقها عن طريق جميع الوزارات. فسياسة كل وزارة يجب أن تنسجم مع سياسة الوزارات الأخرى. والذي صنع هذه السياسة هو الحكومة مجتمعة. وصوت الوزير المسلم لا يعدو أن يكون صوتاً واحداً من مجموعة أصوات ترسم مع رئيسها هذه السياسة على ضوء الدستور وما يقوم عليه من أساس، وهذا من حيث القانون. أما من حيث التطبيق فالبون شاسع والفرق كبير. فالوزير عندما يُختار للوزارة فإن سياسة الحكومة تكون مرسومة من قبل رئيس البلاد وفريقه. وليس للوزير إلا الاختيار بين تولّي الوزارة على أساس السياسة المرسومة أو الرفض وليس له أن يضع سياسة وزارته.
    ثم إن مسؤولية الوزراء هي مسؤولية تضامنية، وهذا يعني أن الحكومة عندما تريد تنفيذ سياستها المرسومة، واتخاذ القرارات اللازمة فإن هذه القرارات تؤخذ بالأكثرية، وهذا يعني أن كل وزير يتدخل في شؤون الوزارات الأخرى ويبدي رأيه في قراراتها. وهذا يحمّل الوزير المسلم المسؤولية عن كل ما يصدر ويتعلق بوزارته أو بغيرها. وهو في هذه الحالة عليه أن يدافع عن سياسة الحكومة وقراراتها في الخارج وأمام الناس وإن كان معارضاً لها في الداخل. وهنا قد يتصور أن الوزير المسلم سيأخذ واقع المعارض لكل ما يطرح ويخالف الإسلام، فمثل هذا الكلام يدل على ضحالة تفكير. فالوزير يختلف عن النائب. فمن حيث القانون لا التطبيق، فإن النائب يمثل الذين انتخبوه، فقد يمثل مسلمين في أنظمة ديمقراطية وقد يمثل يساريين في أنظمة رأسمالية. أما الوزير فإنه لا يؤتى به إلى داخل الحكم ليعارض، وإلا لبقي خارجه للمعارضة ففي الأنظمة الديمقراطية أن الذي يعارض الحكومة أو الحكم يبقى خارجها ولا يحق له الدخول. وإذا دخل بالخطأ أخرج بالإصرار. فالحكومة تأتي لتحكم وتنفذ، ولها سياسة تريد تنفيذها، وهي ليست في وارد جمع المتناقضات. وإن من يناقض سياستها يخرج منها بدعوة من رئيس الوزارة أو الوزراء مجتمعين، وتحجب عنه الثقة من قبل النواب ولو على شخصه منفرداً وتبقى الحكومة مستمرة.
    وهنا لا بد من ذكر أنه بمجرد قبول الوزير المسلم المشاركة في الحكم فإن هذا يعني قبوله للدستور القائم في البلاد والأساس الذي يقوم عليه. والمعارضة التي نذكرها هنا ليس المقصود منها المعارضة لأصل النظام ولكنها معارضة من خلال النظام، وهي معارضة تدل على اختلاف في الفروع مع إقرار الجميع لأصلها.
    ثم إن كل مرسوم يتخذ ويتعلق بأية وزارة من الوزارات لا يصير نافذاً معمولاً به حتى يحظى بموافقة ثلاثة أطراف ويذيّل بتوقيعهم وهم: رئيس الدولة ورئيس الوزارة والوزير المختصّ، ما يعني كذلك أن الوزير المسلم غير مطلق اليد في التصرف في شؤون وزارته واستصدار المراسيم العملية بمفرده.

    ومن هذا يتبين:
    - أن الأحكام التي تحكم بها الحكومة لا تقوم على أساس روحي هو أساس الإيمان بالله بل على أساس ديمقراطي يكون التشريع فيه للشعب وليس لله.
    - إن الحكومة هي السلطة التنفيذية، وهي سلطة حكم وتنفيذ لأحكام الدستور. والحكومة برئيسها ووزرائها وزيراً وزيراً لا يحق لها الخروج عن أحكام الدستور وإلا اتهموا بخرقه.
    - إن كل وزير، بما فيهم الوزير المسلم، لا يرسم سياسة وزارته، بل يطبق السياسة المرسومة من قبل الدولة ككل بما فيها رئيسها.
    - إن كل وزير مسؤول عن كل ما يصدر عن الحكومة من قرارات وأعمال لأن القانون نص على أن مسؤولية الوزراء جماعية تضامنية.
    ومجمل القول فإن المسألة منضبطة عند هذه الأنظمة بحيث لا يحق لأحد أن يغرد خارج سربه وعلى طريقته.
    هذا هو الواقع الذي تمثله الحكومات. وتشهد الآيات الكثيرة على حرمة اشتراك المسلم فيها.
    - فالله سبحانه أوجب أن يكون الحكم لله كأساس تصدر عنه القوانين. قال تعالى: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ﴾ وقال تعالى: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى اللهُ ورسولُهُ أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ﴾.
    - والله تعالى أوجب أن يكون الحاكم مسلماً. قال تعالى: ﴿ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ﴾.
    - والله تعالى أوجب على الحاكم المسلم أن يحكم بالإسلام. قال تعالى: ﴿ وأنِ احكم بينهم بما أنزل الله... ﴾ وحذر سبحانه الحاكم المسلم من الفتنة عن بعض الإسلام ولو كان حكماً واحداً. فقال: ﴿ واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك... ﴾ وأمر بإشهار السلاح في وجه من يحكم بالكفر الصراح بقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحاكم الفاجر عندما سئل أفلا ننابذهم بالسيف يا رسول الله قال: « إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان » [ رواه مسلم ].
    - وحرّم سبحانه أن تكون بطانة الحاكم وحاشيته على غير الإسلام حيث قال: صلى الله عليه وسلم لا تتخذوا بطانة من دونكم ﴾.
    - والله تعالى أمر المسلمين أن يتحاكموا إلى الإسلام وحرّم عليهم الاحتكام إلى الطاغوت، وبين أن من يفعل ذلك فإن إيمانه زَعْمٌ وليس حقيقة، قال تعالى: ﴿ ألم تَرَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً ﴾.
    - والله سبحانه قد حرّم على المسلمين تولي غيرهم قال تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ﴾ وقال تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة. فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ﴾.
    وهنا قد ترد شبهة أن حكام اليوم ليسوا يهوداً ولا نصارى. والحق أنهم هم موالون لليهود والنصارى، ومن يوالهم يكن ولاؤه لمن والاه هؤلاء الحكام.
    وقال تعالى: ﴿ والذين كفروا بعضُهُم أولياء بعض إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ﴾.
    وهنا يجدر التنويه أنه ليس المقصود بعدم موالاة اليهود والنصارى هو موالاة غيرهم، بل المقصود أنه يحرم موالاة كل ما ومن خالف الإسلام. وان حرمة توليهم تقتضي البراءة منهم فكراً وسلوكاً، وعدم إقرارهم على أي أمر طالما أن أساس ما عندهم قائم على الكفر. قال تعالى على لسان إبراهيم: ﴿ إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم، وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاءُ أبداً حتى تؤمنوا ﴾.
    والولاء يجب أن يكون لله ولرسوله والمؤمنين. قال تعالى: ﴿ ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ﴾.
    وهنا أيضاً قد ترد شبهة وهي القول: إننا إن قبلنا المشاركة في الحكم فلا يعني هذا أننا نواليهم بل إننا نظهر الولاء على طريقة ( نتمسكن حتى نتمكن ) ولكن قلوبنا تبقى منكرة لما يفعلون. والحق إن الولاء أمر تشترك فيه الجوارح والقلب. ويجب إنكار ما يفعله الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله باليد واللسان والقلب. وأدنى درجات الإنكار هو القلب وليس وراء ذلك إيمان كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم. وعلى من يتخذ موقف أضعف الإيمان أن لا يأتي عمله أو قوله موافقاً ومؤيداً للحكم بغير الإسلام. ومن يفعل ذلك فإنه يعصي الله ويأثم وإن كان قلبه منكراً. ويكفر إن كان قلبه راضياً. أي أن من يشارك في الحكم بغير ما أنزل الله فإن أقل ما يقال فيه انه فاسق وظالم وعاصٍ لله سبحانه وتعالى.

    بقلم: أحمد المحمود / عن كتاب "الدعوة إلى الإسلام"


    --------------------------------------------------------------------------------
    [motr]من اراد الله به خيرا فقهه في الدين[/motr]

  2. #2

المواضيع المتشابهه

  1. الغاية لا تبرر الوسيلة
    بواسطة جلال دشيشة في المنتدى الحِوَارُ المَعْرِفِي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 18-03-2024, 01:03 PM
  2. الواسطة
    بواسطة محمد ذيب سليمان في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 08-12-2013, 06:11 PM
  3. الغاية تبرر الوسيلة ..............محمد محضار
    بواسطة محمد محضار في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 15-06-2013, 07:17 PM
  4. صباح الخير(70) ماهي الواسطة؟
    بواسطة ريمة الخاني في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 26-02-2007, 01:40 PM
  5. الغاية أمّ للوسيلة
    بواسطة ريان الشققي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 21-03-2005, 08:32 PM