أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الحذر، وابن عساكر عن موسى بن عقبة، أن أبا بكر الصدّيق كان يخطب فيقول: «الحمد لله رب العالمين، أحمده ونستعينه، ونسأله الكرامة فيما بعد الموت، فإنه قد دنا أجلي وأجلكم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً؛ لينذر من كان حياً، ويحق القول على الكافرين، ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد ضلّ ضلالاً مبيناً. أوصيكم بتقوى الله، والاعتصام بأمر الله الذي شرع لكم وهداكم به، فإن هدى الإسلام، بعد كلمة الإخلاص، السمع والطاعة لمن ولاه الله أمركم، فإن من يطع والي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد أفلح، وأدى الذي عليه من الحق. وإياكم واتباع الهوى، قد أفلح من حُفظ من الهوى والطمع والغضب. وإياكم والفخر، وما فخر من خلق من تراب، ثم إلى التراب يعود، ثم يأكله الدود، ثم هو اليوم حي، وغداً ميت. فاعملوا يوماً بيوم، وساعة بساعة، وتوقّوا دعاء المظلوم، وعدّوا أنفسكم في الموتى، واصبروا فإن العمل كله بالصبر. واحذروا والحذر ينفع، واعملوا والعمل يقبل، واحذروا ما حذركم الله من عذابه، وسارعوا فيما وعدكم الله من رحمته، وافهموا تُفَهَّموا، واتقوا تُوقَّوا؛ فإن الله قد بين لكم في كتابه حلاله وحرامه، وما يحب من الأعمال وما يكره، فإني لا آلوكم ونفسي، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. واعلموا أنكم ما أخلصتم لله من أعمالكم فربكم أطعتم، وحظكم حفظتم واغتبطتم، وما تطوعتم به فاجعلوه نوافل بين أيديكم، تستوفوا بسلفكم، وتعطوا جزاءكم حين فقركم وحاجتكم إليها، ثم تفكروا، عباد الله، في إخوانكم وصحابتكم الذين مضوا، قد وردوا على ما قدموا فأقاموا عليه، وحلوا في الشقاء والسعادة فيما بعد الموت. إن الله ليس له شريك، وليس بينه وبين أحد من خلقه نسب يعطيه به خيراً، ولا يصرف عنه سوءاً إلا بطاعته واتباع أمره، فإنه لا خير في خير بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلوا على نبيكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»