نعيدها للمرة المائة بمناسبة ترشح المشير وقد ذكرناها فى مناسبات عدة وبأساليب متنوعة وسنظل نذكرها مع كل اصرار على المفاصلة والنزاع بين طرفى المعادلة ومن ثم الفشل . هذا أمر لا حرج فيه وتهرب البعض من الاعتراف به يجعلنا نعيدهم لمجتمع الصحابة ؛ ففى أعظم جيل لم يتمكن أصحاب القوة بمفردهم وكذلك لم يتمكن أصحاب الأمانة بمفردهم لذلك اشتكى الفاروق رضى الله عنه من جلد الفاجر وعجز الثقة ، ووضعها شيخ الاسلام ابن تيمية بمثابة القانون أنه من النادر جداً أن تجتمع فى شخص واحد الميزتان اللازمتان للحكم والقيادة وهما القوة والأمانة ، وفى كتابه " الخلافة والملك " يقول عن الفاروق " كان عمر بن الخطاب يستعمل من فيه فجور لرجحان المصلحة فى عمله ثم يزيل فجوره بقوته وعدله " . لم يفطن الاخوان لأهمية هذه المعادلة التكاملية وظنوا أن أصحاب الأمانة والورع والضمائر الحية فى وسعهم القيادة بمفردهم ، وبمراجعة نموذجى خالد بن الوليد وأبى ذر يتبين أن القضية ليست بهذا المعيار ، فقد اختار الرسول خالد نظراً لقوته رغم عدم رضائه عن كثير من أفعاله واتيانه بأمور ينكرها الرسول ، وأبو ذر أفضل منه صدقاً وورعاً وأمانة ومع هذا قال له الرسول صلى الله عليه وسلم " يا أبا ذر انى أراك ضعيفاً " . عثمان رضى الله عنه كان أميناً ورعاً لكنه لم يكن قوياً ، وبتعبير ابن تيمية " فآنس فيه بعض الطامعين ضعفاً فتولد من رغبة بعض الناس فى الدنيا وضعف خوفهم من الله ومن ضعفه هو وما حصل من أقاربه فى الولاية والمال ما أوجب الفتنة حتى قتل مظلوماً شهيداً " ، نعم هو مظلوم وشهيد لكن ضعفه ولد فتنة . ولم يفطن عبد الناصر جيداً للمعادلة أو أنه فطن وفشل فى تحقيقها ، ورغم أن المناخ موات وشعبيته جارفة وأعداؤه أقلية غير مؤثرة ، الا أنه أخل بالمعادلة والتوازن وأقام نظاماً ضعيفاً وان كان على رأسه زعيم قوى ، والنظام الضعيف هو حكم الفصيل الواحد والتوجه الواحد والحزب الواحد دون تنوع وديمقراطية تحميه وتحمى الشعب الذى أحبه وأعطاه ثقته من اختياراته لرجال من ذوى السطوة والنفوذ والطمع والجبروت ، تسببوا فى الانهيار السريع لمشروعه عربياً ومحلياً ، ولو كانت هناك ديمقراطية حقيقية وتعرض عبد الناصر واختياراته للنقد لما تقلد هؤلاء مثل هذه المناصب ولما مُنحوا تلك الامتيازات ، ولتولى أناس من ذوى الأمانة ليزنوا المعادلة ، وليجنبوا الحاكم والوطن الكوارث والمشكلات . قلنا أن القضية الأساسية هى النزاع التاريخى بين الناصريين والاسلاميين ، وقد كان تذمر ورفض الاخوان لعبد الناصر سبباً فى افشاله لاعتماده سياسة اقصائية لذوى الأمانة فاعتمد على قوته وقوة من حوله بمقدرة مشهود لها فى الادارة والأمور الفنية ، لكن افتقد النظام عنصر الأمانة فانهار سريعاً ، وكان تذمر الناصريين لاحقاً ورفضهم لحكم الاخوان أهم أسباب اسقاط مرسى الذى كان أميناً ورجاله أمناء لكن لم يكونوا أقوياء على مستوى الكفاءة الادارية والسياسية ولم يمتلكوا القوة التى تحمى مشروعهم من المتربصين به ، وعندما هم مرسى بامتلاكها – سنة كفاية – سارعوا باسقاطه . العقل الناصرى حاضر بقوة فى مشروع السيسى وفى توجيهه منذ البداية ، وبوسع السيسى امتلاك الكفاءات الادارية والفنية والسياسية التى تدفع به للصدارة وتضع المقاليد بيده لفترة ، وقد عمد لمضاعفة القوة الأمنية بتشكيلات ووحدات عسكرية جديدة مدربة ومجهزة على أعلى المستويات ، فهل أبدى الكاتب والمفكر محمد حسنين هيكل مهارة فى التعامل مع المستجدات والاستفادة من التجارب وما الذى اختلف عن الخمسينات والستينات – وما أدراك ما الستينات ؟ - ، وماذا تفيد القوة دون أمانة ورادع الضمير ، وهى معادلة لا تتحقق الا بالتجرد وبالاعتراف بالآخر وبالتنوع والديمقراطية الحقيقية واتاحة النقد العلنى . تفشل القوة وحدها وتفشل الأمانة وحدها ، وقد أقر ابن تيمية رحمه الله بأنهما نادراً ما يجتمعان فى انسان واحد ، ونقول : وفى فصيل وتيار واحد ، وقد راعى جيل الصحابة ذلك . لماذا يظل هذا التحالف بعيد المنال ومستحيل التحقق ؟ لماذا لا يصعد هذا الا على أنقاض ذاك وذاك على أنقاض هذا ؟ لماذا لا يصعدان معاً ويحكمان معاً ويقودان معاً بتوازن نسبى فتتحقق لمصر وللعروبة وللاسلام معادلة الأمانة والقوة ؟ فلا الاخوان وحدهم قادرين ، ولا السيسى وحده والجيش معه بقادر على النجاح ، وتظل مصر ونهضتها المؤجلة ضحية الصراع القديم الحديث بين المعسكرين