ظلامٌ في وضحِ النهار
على جنباتِ الطريق أسيرْ ، ولستُ أدري طليقٌ أنا أم أسيرْ ، في ظلامٍ دامسٍ أغرقُ حتى أنني أتصببُ العرقْ ، صمتٌ مطْبِقٌ لا تكسرُه سوى صرخةِ الكتمان ، ولا صوتاً أسمعُ حتى بالفؤاد ، فأمشي و أمشي هائماً بالدنيا لا أعرفُ الطريقْ ، حتى شعرتُ بوحشةٍ تُقطِّعُ جسدي أشلاءً و أشلاءْ ، فأتكلمُ بلا إحساسٍ ، و أحدِقُ النظر بلا بصرْ ، فتارةً وجدتُ بصيصَ نورٍ وكأن عينايَ عادت للعملِ كسابقِ عهدها ، فجعلتُ أجري كغزالٍ في غابْ ، لعلّني أهتدي إليه و تلهّفَ قلبي للحظةِ انحسارِ الظلامْ ، حتى أخذَ النَصَبُ من جسدي ، وذلك الضوءُ يخفِتُ شيئاً فشيئاً ، فسألتُ نفسي أليسَ لهذا الظلامِ من زوال ! فلم أجدُ جواباً في قرارةِ نفسي وما هذا إلّا ظلامٌ لمْ أعتد عليهِ في وطني ، فكسرتُ الصمتَ فجأةً و صرختُ بصوتٍ عالٍ : متى سيعودُ النهارُ لوطني لأرى أحبتي ، هل للفجرِ من قدوم! وحينها عادَ صدى صوتي ليُخيفَني بذاتِ كلماتي فعلمتَ أن السؤالَ ذاتَه عادَ لي . فليسَ هناك مجيبٌ حينها ارتميتُ على الأرضِ كطفلٍ بين أحضانِ أمه ، لكني لم أشعرُ بالحنان الذي قد يُذهب الخوف مني ، فنمتُ آملاً أن أصحو على فجرٍ يعيدني لوطني الذي أعهد ، فطالَ النوم وحينما استيقظتُ لم أجدُ سوى الظلام الدامس ...
محمود صالح - اللهيب الأخضر