كانت الفكرة منذ البداية فى كيفية احداث توازن على الساحة السياسية ، من شأنه انهاء الانقسام وحرق صراع الشرعيات ووأد الثارات والثارات المضادة وأن يُفسح الطريق أمام شخصية وطنية مدنية – لا اسلامية ولا عسكرية – يتوافق عليها الجميع وتحظى باحترام وقبول من قبل كل التيارات السياسية ، كما يتمتع بعلاقة طيبة ومتينة مع الجيش ومؤسسات الدولة ، تكون بالفعل قادرة على قيادة المرحلة وعلى احداث هذا التوازن المنشود عقب الأحداث الضخمة التى زلزلت الواقع السياسى وتركت آثاراً هددت ولا تزال تهدد كيان ومصير الدولة المصرية ، فضلاً عن مقدرة هذه الشخصية على انجاز المصالحة الوطنية التى نص عليها الدستور الأخير وألزم السلطة الجديدة بها ، والتى لا غنى عنها لطى صفحة الهدم والثارات والانفلات ، لتبدأ مصر صفحة جديدة من البناء والترميم خلف شخصية مؤهلة لاحتواء الجميع . لن يأتى رئيس بخلفية عسكرية أقوى من المجلس العسكرى بأكمله الذى أدار البلاد فى الفترة الانتقالية عقب تخلى مبارك ، ولسنا فى حاجة للتذكير بتفاصيل وأحداث هذه الفترة التى أسست للانقسام عندما لعب متصدروا المشهد على متناقضاته لتحقيق مصالحهم السياسية ، ولن يأتى رئيس بخلفية اسلامية أقوى من مرسى الذى دعمه التيار الاسلامى كله وليس الاخوان وحدهم ، ولا يخفى نزاع الارادات المخيف الذى نعيش تداعياته . القوات المسلحة أثبتت بعض المقدرة على ادارة البلاد فى فترة الأزمات لفرض الأمن والاستقرار ، لكن الاستمرار عرضها لما تعرضت له وكان خصماً من دورها ومسئولياتها الوطنية الأساسية فى حفظ الحدود ومواجهة الاختراقات المخابراتية والتعامل باستباقية واحترافية مع مهددات الأمن القومى وانقاذ الأوضاع فى سيناء .. الخ . وتجربة الاسلاميين فى الرئاسة كشفت أبعاداً لم تكن مرئية ووضح اختلاف الرؤى حول عودة الجيش للثكنات وتسريع التحول للحكم المدنى ، وقد ثبت أن لدى الاخوان طموحات وغايات أعلى سقفاً وأكثر التصاقاً بالمصلحة الخاصة بهم وبتوجهاتهم الفكرية ومشاريعهم التاريخية بما هيج الثوار والتيارات السياسية على شرعية الرئاسة والحكومة ، وبما أدى لتراجع فى مواقف الجيش السابقة حيال عدم التدخل فى الشأن السياسى والوقوف على الحياد ، وتقاربت الى حد كبير أسباب فشل استمرار المجلس العسكرى فى الحكم مع فشل الاخوان فى ادارة البلاد ؛ فكلاهما قدم المصلحة السياسية لكيانه وكلاهما جعل الآخر طرفاً داعماً له فى مواجهة الحالة الثورية ، وكلاهما تنافسا على النفوذ من وراء ستار حتى لا يخسرا التعاطف الجماهيرى ، وبينما سعى المجلس العسكرى لتصدير الاخوان أو رئيس محسوب عليهم مع البقاء فى الخلف مسيطراً على مقاليد الأمور تشريعياً ودستورياً ، سعى الاخوان لتبنى نظرية المؤامرة وتصدير سيناريو رغبة الافشال من مؤسسات الدولة بديلاً عن الاعتراف بالفشل وسوء الادارة . مصالح الكيانات والمؤسسات وتاريخ الصراع كان أكبر عائق أمام نجاح تجربة هذا أو ذاك فى الحكم والاستمرار لمدة أطول . كان الطرح الواقعى قبل أشهر طويلة وقبل انفلات الأوضاع هو تراجع الطرفين واعلان هدنة مزدوجة لفترتين رئاسيتين على الأقل ، وكانت ضمانة نجاح الرئيس الجديد فى مهمته الوطنية فى هذه المرحلة الحرجة الاستثنائية هى خلو المنصب من انتماءات وولاءات تنظيمية اسلامية أو مرجعيات وخلفيات عسكرية . اشترطنا هذا للتصالح قبل التطورات وانفلات الأوضاع . يتقدم الاسلاميون حيث ينبغى التراجع ويتراجعون عندما يلزم التقدم ، واليوم تعود الأمور شئنا أم أبينا الى ما كانت عليه البلاد فى ظل ادارة المجلس العسكرى ، وان تطور الوضع وتم اختصار المشهد فى شخص واحد يرتدى الزى المدنى . يتحدث تحالف الشرعية أو بعض مكوناته اليوم عن امكانية التخلى عن عودة مرسى ، مع الضغط فى اتجاه افشال انتخابات الرئاسة أو التشويش عليها والتلميح بأن التخلى عن مرسى مقابل عدم تصعيد السيسى ومنه الانطلاق للتفاوض . هذا عجيب فبمجرد اظهار مرسى للعلن واحالته للمحاكمة فقده الاسلاميون كورقة للمساومة ، وكانت فترة اخفائه هى المثالية لهذا التحرك . هنا أمر واقع وقد فعلها المشير السيسى الذى كنا نتمنى بقاءه بالجيش تحقيقاً للمصلحة العامة . على الاسلاميين الآن التقدم وليس التراجع والنظر للأمام ، ليس بمرسى انما بأدوات ووجوه جديدة قوية مهابة لها وزنها وثقلها بشرط أن يكون شخصية اسلامية مستقلة ولم يسبق له الانتماء التنظيمى . نتائج هذه الخطوة أحد أمرين ؛ اما تأجيل الانتخابات والتفاوض على ما دون منصب الرئاسة لتدفع هذه الخطوة الجميع الى التوافق على شخصية من خارج المعسكرين . أو يقع اختيار الشعب على مرشح آخر ليس السيسى وليس من يدعمه الاسلاميون . ولو فاز السيسى فلا أقل من عودة الاسلاميين للمشهد بدلاً من ترسيخ عزلتهم ، والمنافسة فى البرلمان والمشاركة فى الحكومة كفيلان بحل كثير من الأزمات التى عجزت جميع محاولات الافشال السابقة عن حلها .