فى ابريل 1976م عين ذو الفقار على بوتو رئيس وزراء باكستان ضياء الحق رئيساً لأركان الجيش برتبة فريق متجاوزاً خمسة قادة أقدم منه فى الرتبة لثقته به واطمئنانه الى أنه ليست له ميول سياسية ، فلن يشكل أى تهديد له ، ولم يكن يعلم أنه سيلقى حتفه على يد الرجل الذى ائتمنه وأعطاه كامل ثقته . استغل ضياء الحق الاضطرابات والغضب فى الشارع وتدهور الوضع السياسى ، واستغل رفض قطاع من الضباط الاستجابة لقمع المتظاهرين والاصطدام بالشعب ، ليظهر الجنرال كأنه استجاب باطاحته ببوتو للارادة الشعبية ليضع حداً لتدهور البلاد ويمنع وقوع حرب أهلية . فى 5 يوليو 1977 قام انقلاب أبيض أطاح بحكومة بوتو وفرض الأحكام العرفية ، وتم سجن بوتو وتقديمه للمحاكمة التى قضت باعدامه بتهمة قتل أحد المعارضين . فى 4 ابريل 1979ن تم اعدام ذو الفقار على بوتو شنقاً . قاطعت الحركة الوطنية من أجل استعادة الديمقراطية الانتخابات فتم تمرير الاستفتاء الذى دعا اليه ضياء الحق على برنامجه " الاسلامى " ساعياً لكسب الاسلاميين أهم معارضى بوتو أملاً فى احتفاظه بالرئاسة . سافرت بينظير بوتو الى دول مختلفة لتفضح ممارسات ضياء الحق ، لكنها فشلت فى تجنيد الدنيا كلها لمنعه من اعدام أبيها . لو لم يضعها ضياء الحق تحت الاقامة الجبرية ولو لم يقيد نشاطها السياسى لاقتحمت المواجهة السياسية أمامه مبكراً جداً قبل تحطم طائرته ووفاته عام 1988م . عادت بعد تسع سنوات فى المنفى لتقود حزب أبيها الذى أسسه عام 1967م . وفى عام 1988م فاز تحالفها بأغلبية قليلة فى الانتخابات البرلمانية التى جرت فى ذلك العام وتولت منصب رئيسة الوزراء ولم يكن عمرها يزيد على 35 سنة . بغض النظر عن تباين الاتجاهات الفكرية وتناقضها مع الحالة المصرية ، لكن سعى بوتو الابنة لم يكن فقط للثأر انما لايمانها بأن المشاركة الايجابية هى بعبع الخصوم وأن امتصاص الصدمات والابتكار فى الهجوم بالحضور السياسى المؤثر هو المنقذ من الانهيار ويربك خطط الاستئصال ، وأنها لن تنجز شيئاً لوطنها وقضاياه بالمقاطعة السلبية ، وأن الدفاع عن القيم الباكستانية واعادة الاعتبار للديمقراطية ورأى الأغلبية وصوت الجماهير المقهورة يلزمه نضال سياسى ، لا الاقامة على الحزن أو استثماره فى الثأر السلبى ، وواقع باكستان كان يتيح لبينظير تجييش ميليشيات للدم والهدم . التحديات أمامها كانت أخطر وأعقد وتغلبت عليها ولم تخش الاغتيال وكسرت الحصار ونزلت الى الشارع ليلتف جماهيرها حولها صارخة بكل تحد وعنفوان " سأواصل النضال من أجل حقوق الشعب الباكستانى ووضع حد للديكتاتورية التى تخنقه " بغض النظر عن أداء بوتو السياسى وصحة الاتهامات التى وجهت اليها ولزوجها لاحقاً ، لكن الفارق كبير بين المواصلة على هامش المشهد بالتضحية بالشباب فى الشوارع ، وبين جسارة التضحية بالتقدم وخوض غمار الصراع السياسى بالتحدى الحقيقى رغم كل التحذيرات التى تلقتها لتسقط هى فى النهاية فى قلب مؤتمر انتخابى لمناصريها فى "روالبندى " فى أكبر اغتيال سياسى فى تاريخ باكستان المعاصر . " هتف لها مناصروها بعد خروجها من المعتقل " الانتقام " عندما كانت عائدة بالقطار من زيارة قبر أبيها ، فقالت لهم : " ان علينا أن نحول حزننا الى قوة ونهزم ضياء الحق فى الانتخابات " . يتعلم الاسلاميون من بنظير بوتو أنه لا يكفى الخروج من المشهد وترويج المظلومية بل العودة من جديد والمواصلة ، وكان اغتيال ذو الفقار على بوتو ثم اغتيال بينظير معاً نصرة للقضية وليس اللعب بمظلومية تغييب الأب فقط . هى بلقيس ملكة سبأ وهكذا كانت ترى نفسها وقد وقعت فى أخطاء وليس هناك بشر معصوم ، لكن أهم ما يتعلمه المصريون اليوم من تجربتها هو الجسارة والشجاعة والتضحية فى المكان المؤثر ، وبخطوة واحدة محسوبة ومؤثرة يتم اختصار سنوات من الدماء والجهود الضائعة فيما لا طائل من ورائه . أدار الاسلاميون ظهورهم لنصائحنا كثيراً وطيلة أكثر من ثمانية أشهر كانت لقادتهم اختيارات تدعم رؤية المفاصلة التامة والتصعيد أملاً فى اعادة الأوضاع لما كانت عليه ، وثبت أن هذه الاختيارات هى التى دعمت فرص خصومهم ومكنتهم من السيطرة على المشهد . الابداع فى استثمار طاقة الغضب فى عمل سياسى يعمل له الخصم ألف حساب ، ولذلك عمد ضياء الحق الى تغييب بينظير وتقييد نشاطها أو نفيها ، ولما سنحت الفرصة حولت الحزن الى قوة وانتصرت فى الانتخابات ، وحرصت على عدم اهدار الطاقات فى مسارات يوظفها الخصم ببراعة لصالحه . الفرص تزول ومضى وقت طويل وتضاعفت الخسائر ، وهاهى ذى المناسبة الأخيرة للعودة ، وقد تقدم الجنرال للنزال ، فهل يستمعون للنصيحة ولو لمرة واحدة ؟ أما بينظير المصرية ، فالدكتورة نادية مصطفى لا نظير لها من وجهة نظرى