الريح والجبل
تشاجرت الريحُ والجبلُ يوماً ؛ وذلكَ أنَّ الريحَ أرادتْ أن تمرَّ من وسطِ الجبلِ ظانةً أنها تستطيعُ اختراقهُ بسهولةٍ ، فقدْ تعودتْ أن تخترقَ كلَّ شيءٍ يعترضها ؛ من سهولٍ ، وجبالٍ ، ووديان ٍ ، وأنهارٍ ، وصحراءٍ ، لكنها عندما وصلتْ إلى الجبلِ ارتطمتْ بصخورهِ القاسيةِ ، وتبعثرتْ أمامَ جبروتهِ العظيمِ .
أعادتْ الكرةَ مراراً لكنها باءتْ بالفشلِ ، فأخذتْ تشاجرهُ وتعاركهُ منتقصةً من قدرهِ وهيبتهِ نابزة ً إياهُ بأبشعِ الألقابِ ، لكنَّ الجبلَ بقي على هيبتهِ ووقارهِ ظلَّ صامتاً معلناً تحديهُ لهذه ِ الزوبعةِ الحمقاءِ .
أثارَ هذا التصرفُ حقدَ الزوبعةِ ، فاستشاطتْ غيظاً ؛ وقررتْ هزيمةَ الجبلِ ولو كلفها ذلكَ حياتها .
أخذتْ توجهُ لهُ اللكماتَ والرفساتَ ، وتضربهُ يمنةً ويسرةً لكن دونَ جدوى ؛ فالجبلُ مازالَ صامداً لم تؤثرْ بهِ هذهِ الدغدغاتُ .
تفجرَ بركانُ غضبها ، وبدأتْ تلوكُ نفسها بنفسها ، فكيفَ استطاعَ هذا الجبلُ أن يغلبَ الطفلةَ المدللةَ ؛ وهي المعتادةُ أن تنالَ كل ما ترغبُ به بأي ثمنٍ ، وبأي شكلٍ .
لم يعدْ لديها حلٌّ سوى الاستعانةَ بأمها " العاصفة " ، فأسرعتْ إليها ودموعها تهمي على الأرض محرقةً إيَّاها بهذا الحقدِ اللعينِ .
احتضنتها أمها ، ورَبَتتْ عليها بيدها ، وطمأنتها أنها سوفَ تنتقمُ لها من هذا الجبلِ المتغطرسِ .
استجمعتْ " العاصفةُ " كلَّ قواها وانطلقتْ باتجاهِ الجبلِ تريدُ القضاءَ عليه ، وهي تعوي عواءَ الذئابِ المسعورةِ ، وتزأرُ زئيَر النارِ الملتهبةِ .
عندما وصلتْ رأتهُ شامـخاً تكللهُ السكينةُ والوقـارُ ؛ الأمـرُ الـذي زادَ في حنقهـا عليـه ، ورغبتها في تدميرهِ .
بدأت المعركةُ ، وأخذت " العاصفةُ " تهدرُ بصوتها وقواها العنيفةِ ، وهي تدفعُ الجبلَ لتزيحه عن مكانـهِ ، محاولةً إبعـادهُ عن جذورهِ التي نمـا فيها ...
لكن عبثاً كانَ جهدها ، فقدْ بقي الجبلُ شامخاً نحو السماءِ ، مادَّاً جذورهُ في الأرضِ ، متحدِّياً جبروتَ الطغاةِ .