هشام النجار.. وحوار صريح عن الحركة الإسلامية

حاوره/ إسلام كمال الدين

ما رؤيتك للوضع الحالي ؟

أظن أن هذا هو سؤال المصير الذي لابد وأن يسأله كل فصيل وتيار ومؤسسة نفسه خاصة من شاركوا بصورة مباشرة وغير مباشرة في أحداث الثلاث سنوات الماضية .. فما نحن فيه ثمرة تفاعلات وتجاوزات الجميع والجميع أخطأ وقدم مصالحه الخاصة واستعجل جنى الثمار وحرص على تأمين امتيازاته القديمة وإن كانت امتيازات غير منطقية والجميع حاول إقصاء الآخر ليتصدر المشهد.. ولا نعفى هنا القادة العسكريين ولا الإسلاميين ولا التيارات السياسية الليبرالية واليسارية .

والسبب هو عدم فهم طبيعة المرحلة الانتقالية التي تعقب تغيير رأس السلطة .. فهذه المرحلة ليست مرحلة تأسيس أيديولوجيات جديدة ولا مرحلة تغيير جذري باستبدال فلسفة الحكم القائمة بفلسفة ومنهج آخر ، وليست خالصة لانتصار تيار بعينه انتصاراً كاسحاً على حساب الآخرين إنما هي فترة عبور للجميع وبالجميع ولن ولم تعبرها أمة إلا بجميع فصائلها وكياناتها وتياراتها وطوائفها وبتحقيق مصالح الجميع بخطة توافقية منصفة ومتوازنة .

كيف ترى اتجاه الجماعة الإسلامية الآن؟

لابد هنا من التوقف عند عدة ملفات ومحاور وأحداث للإجابة عن هذا السؤال أولها شكل وطبيعة العلاقة مع السلطة والتي تغيرت بصورة نوعية بخطاب وفكر متطور تحت قيادة الشيخ كرم زهدي والدكتور ناجح إبراهيم .

وقد كان هناك تفاهمات محددة لتجاوز مرحلة الصدام مع الدولة وآثارها الثأرية وكانت العودة المتدرجة والانخراط في المجتمع بخطاب دعوى هادئ وبنشاط اجتماعي متزن كفيل وضامن لإنجاح هذه الشراكة المأمولة دون التورط في مغامرات جديدة كانت أدبيات المبادرة كفيلة بنفي أي ظنون تؤيدها.

ثانياً: هناك مزايدة متكررة على ألسنة القيادات الحالية على رموز المرحلة السابقة وعلى رأسهم الدكتور ناجح والشيخ كرم.. خاصة على لسان الدكتور صفوت عبد الغنى الذي يتهم القيادة السابقة للجماعة بالتراجع والتسبب في انتكاسات ويصف نفسه والمجموعة الحالية بالمخلصين الذين أنقذوا الجماعة من تلك القيادات المتراجعة المنتكسة بحسب وصفه .

وهنا يظهر حقيقة الموقف من المراجعات فمنهم من ينظر إلى ضرورة تثبيت الشراكة والتفاهمات المتوازنة مع الدولة في سبيل الغايات الكبيرة التي وردت بكتب المراجعات على أنها انتكاسات وتنازل عن الثوابت .. ويطرح تصور مغاير للمراجعة كتكتيك مرحلي اضطراري وليس كاستراتيجية ثابتة وهذا الطرح دوافعه واضحة خاصة مع حاجة القيادات الحالية لخطاب يبررون به مواقفهم بداية من إقصاء القيادة السابقة وانتهاءً بالمواقف التي رآها الكثيرون انحرافاً عن المبادرة وخط الاعتدال .

كذلك هناك ملف المتمردين وجبهة الإصلاح وكيفية تعاطى القيادات الحالية معه ورد الفعل المتشنج الذي سارع باتهام الشباب ومن معهم من قيادات بالعمالة للأمن وبأنهم قلة غير مؤثرة وكان يجب استيعاب هذه الأصوات ودعوتها وإقامة حوار مسئول معها.. وإذا تم الاتفاق على أن هناك أخطاء فيجب أن تصحح ويجب تقديم مصلحة الجماعة.

والذي حدث عكس ذلك وتعامل قيادات الجماعة مع هذه الأصوات التي تنادى بالإصلاح بمنطق الدكتور مرسى المدافع عن شرعيته ، والأولى قبول النصح وتقديم حسن الظن وعدم المكابرة والمبادرة بالاعتراف بالأخطاء وتصحيحها فليس هناك بشر معصوم .

كانت الأوضاع ستختلف كثيراً لو انفتحت القيادة الحالية على مختلف الرؤى واستعانت بخبرات ونصائح ورؤى المخلصين من أبنائها ومن خارجها .. بدلاً من الإصرار على رؤية واختيارات الفريق الذي يقود الآن وحده ، وهى رؤية تجد من يدافع عنها بقوة داخل الجماعة لكنها مثار جدل وتحفظ شديدين بسبب ثمرتها على الأرض وظهور الجماعة بعد طول انتظار على الساحة السياسية بمظهر سلبي بالرغم من الآمال الكبيرة التي كانت معقودة عليهم للسمعة الطيبة التي سبقت ظهور القيادات على الساحة .

تحتاج الجماعة لإصلاح داخلي نابع من قناعة القيادة الحالية وأبناء الجماعة بضرورة الإصلاح ومراجعة ما سبق من مواقف خلال الثلاث سنوات الماضية والبدء في إجراء مصالحة مع الذات وإعادة ترتيب الأوراق والأولويات وإعادة الاعتبار لموقع ودور قائد الجماعة خاصة وقت الأزمات ولى على الشيخ عصام دربالة - مع احترامي وحبي الشديد له - تحفظين اثنين:

أولهما إلغاء دور الحزب ورموزه السياسية والجمع بين قيادة الحزب والجماعة وهذا حرم هذا الكيان من إبداع واختيارات ومسارات أكثر مرونة وفاعلية كانت ستفيده لو تم إعطاء الفرصة للتنوع والتخصص وللكوادر الحزبية أن تقوم بدورها في قيادة الحزب بعيداً عن خطاب الجماعة التقليدي واختيارات قادتها .

والأمر الآخر تساهله في أمر كثير من القيادات التي أضرت بمواقف الجماعة والحزب وعدم حسمه في مواقف خطيرة ومراحل ضخمة تستدعى التدخل الفوري والسرعة في اتخاذ القرار دون إبطاء ومماطلة .. والشيخ عصام ذكى ويمتلك التأثير والقدرة على الإقناع ولو أراد من البداية أن تتغير وجهة الجماعة في اتجاه الترشيد والروية وعدم الانغماس في هذا الصراع حتى النهاية لفعل ولنجح في ذلك وكان سيحظى هذا التحرك بغطاء شرعي وديمقراطي فالقادر على إقناع مريديه وأتباعه برؤية قادر على إقناعهم بالرؤية المخالفة بحسب المتغيرات وظروف المراحل .

كيف ترى مستقبل الجماعة الإسلامية؟

مستقبل الجماعة بيد القيادة الحالية ولازلت رغم كل شيء أراهن على مشايخ الجماعة الذين يتولون قيادتها اليوم ، أمثال الشيخ عصام دربالة والشيخ عبد الآخر حماد والشيخ أسامة حافظ .

والإسلام والتاريخ والتجارب علمتنا ألا نحول الخطأ إلى خطيئة ، فما يحدث من قبيل التقدير السياسي الخاطئ كما تحدث ابن خلدون في مقدمته عن اختيار الحسين بن على رضي الله عنهما فقال هو خطأ سيأسى دنيوي وليس خطأ ديني وهذا متاح فيه الجدال والنقاش والأخذ والرد والاعتراض أو القبول أو الرفض ومن الواجب على الجميع النصح بإخلاص وصدق سعياً للإصلاح وتحقيق المصلحة ، وتقوى وورع هذه القيادات - والله حسيبهم - يجعلني آمل فيهم الخير دائماً ورغم أن فرص كبيرة ضاعت وأن الوقت تأخر إلا أنه لا تزال هناك مساحة للتحرك في اتجاه الاستيعاب والتصويب والترشيد .

ورغم أنني تركت الجماعة والحزب قبل ثمانية أشهر فالله يعلم مدى حرصي على هذا الكيان بالذات بجميع مكوناته وبقياداته وأبنائه وما كان تحركي ومبادرتي ونقدي ونصائحي التي استفزت الكثيرين إلا من هذا المنطلق .

نحن نأبى الظلم ونناضل ضد الفساد والاستبداد ونرفض عودة الطغيان وموقفنا كموقف الصحابة والتابعين الناصحين للحسين وابن الزبير فليسوا من مناصري يزيد ولا الحجاج ولا ممن يرضون بحكمهم ويباركون أفعالهم وإنما تحركهم نابع من حرصهم على المصلحة وعدم أعطاء الفاسدين فرصة استئصال الدعوة والعصف بكل مكتسبات الحركة الإسلامية بسبب الصراع السياسي .

على الجماعة الإسلامية تنمية جوانب قوتها والتركيز على الدعوة والعمل الخيري الاجتماعي والتعاطي مع السياسة بحذر وتقليص الاهتمام بهذا الجانب بعض الشيء مع الحرص على إتقان الأداء فيه بشكل نوعى ومركز ومحدود ومدروس جيداً ، وعليها الاهتمام بأبنائها وتعويضهم والعودة الحقيقية للمجتمع والانخراط مع الناس ومشاركتهم همومهم والسعي في حل مشكلاتهم .

هذه العودة الايجابية ستأخذ وقتاً لكنها الحل الوحيد من وجهة نظري لإزالة آثار ما حدث خلال هذه الفترة الوجيزة وللحفاظ على الموجود وتنميته وإعاقة التدهور ووضع حد لانفضاض الأتباع والناس من حولهم .

هل تتوقع انشقاقات جديدة في صفوفها؟

القضية ليست بالكم إنما بالكيف ومدى تأثير هذا التحرك الانشقاقي أو ذاك على المستوى التنظيمي وبغض النظر عن حالة الجماعة الإسلامية وبشكل عام فكم حدثت انشقاقات كثيرة داخل تنظيمات كبيرة ولم تؤثر فيها ولم تستطع تغيير وجهتها إلى الطريق الذي تريد .

والتعويل هنا على الثمرة والنتيجة على الأرض وليس شيء آخر وفى حال استمر الوضع بهذا التصعيد والتدهور وراء الاختيارات الأحادية ستجد القيادة الحالية نفسها في مأزق حقيقي وستصعب على نفسها مهمة تدارك الوضع والتعامل مع دعوات التغيير .

ففي النهاية الجماعة كيان بشرى قائم على التجانس وتحكمه قواعد التجمعات البشرية اجتماعياً وسياسياً والحاصل الآن هو سرعة التغيير في المجتمعات وتساقط كثير من السلطات المتوارثة التقليدية وتجاوز من لم يستطع مواكبة هذه المتغيرات بالسرعة المطلوبة وبالقرارات والمواقف الحاسمة الدقيقة .

كيف ترى موقف الجماعة الإسلامية من 25 يناير ؟

بشكل عام أضر تدخل الإسلاميين بقوة بالمشهد بالثورات العربية سواء بمصر أو سوريا أو ليبيا ولو أجل الإسلاميون بعض مشاريعهم القديمة لحين اتضاح الصورة النهائية وإنجاح الإصلاحات السياسية لكان أفضل .

وكان الأفضل للإسلاميين وللديمقراطية أن تتم في مراحلها الأولى بمشاركة الإسلاميين لا بسيطرتهم .. حيث تم استخدامهم بشكل أو بآخر لتقويض مشروع التداول ووأده في مهده .

أما الجماعة الإسلامية في مصر فلم تكن مشاركة بشكل رسمي في الثورة واقتصرت المشاركات على الحالات الفردية وأصيب بعض أفرادها في الأحداث ، وكان الأولى حفظ جميل الثوار والبناء على قيم ونضال الجماعة الوطنية والاستمساك حتى النهاية بهذه الصورة التكاملية التي نجح بها المصريون جميعاً في إسقاط مبارك لمواصلة النضال السياسي والثوري في البناء ومحاربة الفساد وتأسيس واقع سياسي مختلف لكن ظروف وأحوال كثيرة أفشلت هذا المشهد المأمول منها فشل التكتلات الوطنية والجنوح للفرقة تحقيقاً لمصالح كل فصيل.. وذهب كل تيار للانتصار لنفسه وتياره ومن ضمنها التيار الإسلامي الذي استدعى نضاله القديم ضد مبارك وكونه أول من ثار ضده وأحقيته في تصدر المشهد لشعبيته الكاسحة إلى أن تبلورت الرؤية وترسخ سعى الإسلاميين الأحادي نتيجة متغيرات المشهد ومواقف الأخوان المصلحية وتجاوزات الجميع الإعلامية ووضح التمايز والانفصال وزادت حدة الاستقطاب بعد صعود الإخوان للسلطة وإحراز الإسلاميين الغالبية في البرلمان ثم ما حدث عقب 3 يوليو .

هناك أخطاء كثيرة أدت لما نحن فيه اليوم من جميع الأطراف لكن عندما نتحدث عن أخطاء الإسلاميين فهذا لا يعنى براءة الطرف الآخر إنما نقصد التنبيه والنصح.. لأنه تم توظيف هذه الأخطاء التي كبرت مع ردود الأفعال وحدة المواقف وتم وضعها كعنوان للانقلاب على المكتسبات القليلة التي حققها المصريون في 25 يناير

وبالنسبة للجماعة الإسلامية فأنا أرى أن التدرج والاستراتيجيات بعيدة المدى والاندماج في المشهد السياسي بروية وبشكل نوعى لا كمي مع الاستفادة من الحريات الإعلامية والتركيز على العمل المجتمعي كان أفضل بكثير في هذه المرحلة مع إعادة ترميم جسد الجماعة الفكري والثقافي والاجتماعي بحسب طبيعة المرحلة الحالية وبالنظر إلى ضخامة المحنة التي خاضها أبناؤها .

كان هذا كفيل برد جميل الثوار والالتصاق بالخط الثوري الايجابي وضامن لنهوض الجماعة وتماسكها وبقائها في المشهد بعيداً عن الخيارات الجانحة والقفزات البعيدة غير المدروسة لا محلياً ولا إقليميا ولا دولياً .

كيف ترى موقفها من 30 يونيو ؟

المعارضة والرفض ينبغي أن يظل في إطاره وسياقه وأن يتعامل القادة مع الأحداث بحسب التطورات وظروف كل مرحلة ، للأسف وقع الإسلاميون في أخطاء عديدة وأساءوا تقدير الموقف واستخفوا بقوة الخصم .

نستطيع اختصار هذه الأخطاء في عناوين سريعة بدون تفصيل ، منها التعامل مع الجيش والمؤسسة العسكرية كمتغير سياسي أو كأنه جزء من النظام السياسي الحاكم وهذا خطأ فادح لأن الجيش ينبغي أن تكون العلاقة معه استراتيجية ثابتة .

كذلك التأثر بخطاب ولغة الألتراس في الرفض بما فيها من تجاوزات أخلاقية وتطاول لا يليق بالإسلاميين .

الرهان على الوقت الذي أطال أمد الصراع وضاعف الاحتقان والشحن وأعطى الفرصة لتنامي نفوذ التنظيمات الإرهابية المسلحة ومنحها الغطاء السياسي والشرعي .

كان يجب مع سقوط أول شهيد في الجيش والشرطة المبادرة الفورية للتوقف وإعلان هدنة سياسية من طرف واحد وإجبار السلطة على التفاوض والمصالحة للوقوف بجانب الدولة ضد الإرهاب وتفويت فرصة استخدام ما يحدث لاستئصال كل الإسلاميين من المشهد .

هروب القيادات في الداخل والخارج حذرنا منه في حينه وهذا كان هدية ثمينة للخصم

الاعتماد على المظاهرات والفعاليات فقط دو السعي لإيجاد قوة وحضور في المشهد السياسي الجديد مع استمرار الرفض له كما صنعت جبهة الإنقاذ من قبل ، وكان ذلك كفيل بإتاحة أدوات ضغط أخرى ومساحات للتحرك وخيارات متعددة أمام الإسلاميين بدلاً من تمكين خصمهم في حصارهم في دائرة ضيقة دون القدرة على التأثير الحقيقي في المشهد مما رسخ من عزلتهم السياسية .

وأخيراً اللجوء للخارج كان في غير صالح الإسلاميين عموماً فهو يصب في صالح المشروع الايرانى الغربي الذي يضم إيران ومعظم دول الغرب والولايات المتحدة وقطر في مواجهة الدول العربية الكبيرة التقليدية وعلى رأسها مصر والسعودية وأضر هذا التوجه بمكانة الإسلاميين التاريخية المبنية في الأساس على العداء للمشروع الغربي وللممارسات والمؤامرات الأمريكية ، كما أتاح فرصة المزايدة على وطنيتهم من خلال الإعلام .

نستطيع أن نقول أننا نرفض الظلم الواقع على التيار الاسلامي ونرفض ما حدث في 3 يوليو لكن لم يكن الإسلاميون على مستوى الحدث والأزمة ولم يتعاملوا معها بشكل يخدم قضيتهم العادلة إنما أضر بهذه القضية كثيراً وخصم من رصيدهم الجماهيري وأفاد خصومهم .

كان الأولى امتصاص الصدمة واعتبار ما حدث جولة خاسرة في صراع طويل وتفويت الفرصة سريعاً ودخول الانتخابات بشروط متوازنة وضامنة لبقائهم بنفس قوتهم وكوادرهم وإمكانياتهم المادية .

كان هذا سيطيح بخطط الخصم الاستئصالية وسيتيح للإسلاميين البقاء والتأثير بقوة فضلاً عن الحفاظ على رونقهم ومكانتهم الجماهيرية من أن تهتز .

كيف تقيم القيادات التاريخية للجماعة الدكتور ناجح إبراهيم والشيخ كرم زهدي ؟

كل كيان أو حتى دولة أو أمة تتنكر لرموزها وعقولها المفكرة وخبراتها فهي أمة خائبة لا تنتظر لها استمرار وحضور وتأثير .

ومهما كانت الحجج والتعلل بالانتخابات والجمعية العمومية والرغبة في التغيير .. الخ ، فقد كان التنكر لهذه القيادات التاريخية ودفعها ولو حتى بشكل دبلوماسي إلى الابتعاد عن منافذ التوجيه خطأ استراتيجي فهم ضمانة حماية التنظيم والكيان من السقوط ، مهما كان الاختلاف معهم .

ولا يصح بحال التعامل مع القيادات بالقطعة وبالمرحلة ، فعندما قادوا المبادرة وبذلوا الكثير لإنجاحها وإنجاز المصالحة مع الدولة يقدروا وبعد الخروج يتم الانقلاب الناعم عليهم والاستغناء عن خدماتهم واليوم بعد السقوط في هذا المأزق الذي كان أحد أسبابه فقدان البوصلة والتوازن الفكري والسياسي والحسم في ترشيد الخطاب والمواقف والإبقاء على الرؤية الاستراتيجية الثابتة يلوذ البعض للمزايدة عليهم بالتطاول والإساءة وتصويرهم في مشهد المتخاذلين لكي يحافظ هذا البعض على مكانته البطولية الوهمية بين أتباعه .

ليس هناك بشر معصوم وقد اضطر هؤلاء القادة لإعلان موقفهم الصريح واستقلاليتهم عن الجماعة وتحمل مسئولية آرائهم.. فمن أراد الأخذ بها والسير وفق رؤيتهم فليفعل ، ومن لم يرد فعليه تحمل مسئولية خياراته والدفاع عنها بمسئولية وشجاعة دون اللجوء لهذه الأساليب المكشوفة .

الأحداث والنتائج هي الحكم وليس لهذا الطرف أو ذاك أن يحكم لنفسه بأنه مخلص دون غيره أو أنه على حق لينال وينتقص من الآخر ، فليترك البعض الحكم للتاريخ وللمراقبين وللشعب .

أما تقييمي الشخصي لهذه القيادات فقد ذكرته مراراً بأنهم أنبل من أنجبته الحركة الإسلامية وسيعلم الشباب والجيل الحالي قيمتهم وقدرهم وعمق رؤيتهم وأهمية نصائحهم لاحقاً بعد أن يضع الصراع أزاره وتفتح دفاتر الحساب والمساءلة .

كيف تقيم القيادات الحالية ؟

القيادات الحالية يجب أن تخضع للميزان ذاته ولما نطالب به الآخرين من التزام أدب الخلاف ومنهج أعل السنة في الحكم على الأشخاص والكيانات حيث يجب حفظ قدرهم واحترام تاريخهم مع بيان الأخطاء والنقد البناء وهذا واجب علينا تجاههم مع الإنصاف وعرض الايجابيات والسلبيات فالقيادات الحالية لا نشكك أبداً في ورعهم وصدقهم ورغبتهم في الخير للأمة وسعيهم لنصرة دينهم مع تقدير نضالهم الطويل في وجه الظلم والفساد والاستبداد وتحملهم الكثير نصرة لقضاياهم وأهدافهم .

لكن هذا لا يمنع من التنبيه أن هناك من يبغى الخير بوسائل وطرق ومواقف تضر القضية نتيجة سوء التقدير السياسي وعدم التعامل مع الأحداث والمتغيرات بالاحترافية والسرعة والحسم المطلوب خاصة مع أحداث وأزمات بضخامة ما شهدته مصر منذ يناير 2011م إلى اليوم .

وخلافنا مع القيادات الحالية نحرص على أن يظل في إطاره فهو خلاف سياسي وتباين في وجهات النظر لم نبخل ولم نقصر في إبداء رأينا ونصائحنا منذ بداية الأزمة إلى اليوم

وقد كتبت في هذا الموضوع منذ شهر أغسطس الماضي إلى اليوم ما يزيد عن ثمانين دراسة ومقال جميعها توصيف للمشهد وتحذير من العواقب وتنبيه للأخطاء وطرح لرؤى بديلة مع الالتزام التام بالأدب والخلق الإسلامي رغم ما نالنا من إساءات وتطاول من كثيرين سواء من الإخوان أو الجماعة الإسلامية

ما رؤيتك لإصلاح الجماعة الإسلامية ؟

إصلاح الأخطاء وتصحيح المسيرة ينبع من داخل الجماعة وبقرار وإرادات قياداتها الحالية وأبنائها بقناعة تامة وبتوافق وبدون تدخلات أياً كان مصدرها ، والعناوين الرئيسية بدون تفصيل :

الفصل بين الدعوى والحزبي وترشيد العمل السياسي وترشيد الخطاب الدعوى وتربية كوادر دعوية وسياسية من الكفاءات المشرفة ، وترسيخ ثقافة الحوار وإعادة النظر في المنهج التربوي بعد التجاوزات الخطيرة في خطاب الخصم السياسي وفى حق المخالف من الحركة الإسلامية وعموم الصوت الإسلامي من علماء أزهر وإسلاميين مستقلين .

أما بصفة عامة فأرى ضرورة إنشاء ما يطلق عليه بالتيار الوسطى تحت إشراف الأزهر الشريف لاحتواء جميع الأصوات الإصلاحية الوسطية الرافضين لاختيارات وخطاب التيار الإسلامي العام في الفترة الأخيرة ، وتدريب كوادر دعوية قادرة على الارتقاء بالخطاب الإسلامى الوسطي المعتدل دون غلو ولا خلط للأوراق ولا سعى لزعامات ، إنما فقط العمل للدعوة من أجل الدعوة وخدمة الفكر الإسلامي ونشر الثقافة الإسلامية بين الناس .

ما رأيك في التحالف مع الإخوان ؟

هذا التحالف أضر بالإسلاميين كثيراً لعدة أسباب:

أولها: الخلافات الفكرية البينية بين التيارات المشاركة فيه ما بين سلفية وجهاد وإخوان وأصوات متشددة وأخرى أقل تشدداً وكذلك تيارات تؤمن بالأساس بالرؤية الإصلاحية والتغيير السلمي والمشاركة السياسية وأخرى منهجها ثوري تتبنى التغيير الفوقي السريع ، وبسبب الأحداث والمزايدات داخل التحالف تم جر الجميع إلى تبنى رؤية واحدة وكانت الغلبة والصوت الأعلى لأصحاب منهج المفاصلة والصدام ورأينا الإخوان لأول مرة يتبنون هذا الطرح رغم وجودهم التاريخي على رأس الفصيل الإصلاحي المتدرج لعقود طويلة .

ولأسباب كثيرة منها رغبة الإخوان في الثأر مما حدث لهم وبسبب قلة خبرة الفصائل الأخرى سياسياً تم الزج بهذه المكونات جميعاً في هذا الصراع الطويل مع الدولة ومؤسساتها على خلفية أحداث 30 يونية .

وإذا عدنا للوراء وتخيلنا السيناريوهات البديلة وأهمها الحرص على الإبقاء على الصراع في إطاره التنافسي السياسي وعدم جره لصراع عقائدي بنبرة وحس طائفي ، مع ضرورة الإبقاء على منافذ الحوار متاحة ومفتوحة مع الجيش وإبداء المرونة من بعض الأطراف والمكونات الإسلامية وعدم ترك ساحة التحالفات الاستراتيجية مع الجيش والمؤسسات الكبرى لغير الإسلاميين سواء ناصريين أو ليبراليين أو أقباط نرى أن الوضع سيكون مختلفاً وأن الخسائر لن تكون بهذا الحجم على كل المستويات وكان تطور الأحداث مع تفاعل الإسلاميين بايجابية وتنوع وتبادل للأدوار سيتيح حضوراً وتأثيراً أقوى وعودة سريعة للمشهد بنفس القوة حتى لو فقد الإسلاميون هذا المنصب أو ذاك مهما كبر .

فالسياسة مكسب وخسارة ومباريات يخسر فيها المعاند والرافض والمقاطع أما من يعمد للتعويض والمواصلة والتطوير والاستفادة من الأخطاء فهو لا محالة يكسب ويفوز في النهاية .

هل من الممكن أن تعود للجماعة ؟ .

تجربتي مع الجماعة الإسلامية طويلة وممتدة وقد حدث لي نفس الموقف مرتين الأولى في التسعينات وقد كنت شاباً يقوم بدور دعوى وفكري وكان لي انتشار بين أبناء الجماعة في الوجه البحري خاصة ، لكن اعترضت ساعتها على الانحراف للعنف وعندما تشككت في ذلك وكان هذا أثناء محاضرة لي بالسنبلاوين أخبرت الإخوة برفضي وامتنعت عن الذهاب ثانية وإلقاء الدروس وبعدها حدثت الاعتقالات واضطررت للسفر للخارج هروباً من الملاحقات والمضايقات الأمنية

ولم أعد للجماعة ثانية إلا بعد مقابلتي للدكتور ناجح إبراهيم الذي أقنعني بالكتابة معه على الموقع الجديد بعد أن قرأت كتبه وتيقنت من صدق توجهه واطمأننت كثيراً لطرحه الذي وجهته متفقاً مع أفكاري وقناعاتي ، وبعدها طلبني الإخوة في الحزب وقبلت ظناً منى بأن الأمور تطورت بشكل عام وأن الخلاف مع الدكتور ناجح محدود ، وفوجئت بوضع مختلف وحدثت خلافات بيني وبين أعضاء اللجنة الإعلامية من جهة وبيني وبين الدكتور عصام دربالة من جهة .. ثم أبديت تحفظي على خطاب المنصات وأرسلت لهم رأيي أكثر من مرة .

ثم كانت مبادرتي التي رفضت بعد الفض فأعلنت استقالتي المسببة بعد فشلي في التغيير والإصلاح داخل الجماعة والحزب .

وهذه التجربة لها ايجابياتها الكثيرة فقد أفادتنى على المستوى الشخصي وكونت صداقات كثيرة مع أخوة محترمين ، ويبقى الود رغم الخلاف في الرؤى والله يعلم صدقنا في النصح والنقد ، وأن موقف الاستقالة لم يكن إلا رسالة قوية في موقف عصيب وأزمة ضخمة تستوجب هذه المواقف القوية .

وأنا مشغول بالعمل الصحفي والكتابة خادماً لنفس الفكرة ونفس المنهج الذي أحمله ، فأنا بفضل الله لم أتغير ، إنما أقف مع الأحداث بالشكل الذي يخدم قناعاتى وينسجم مع رؤيتي ، ولا أسمح لنفسي أن أسير وراء خطأ أو يتم استخدامي فيما لا أرضى عنه ولا يكون نابعاً من قناعاتى .

رسالتك للجماعة الإسلامية ؟

رسالتي للجماعة الإسلامية ... تصالحوا مع أنفسكم واصدقوا الله يصدقكم واجمعوا بين نبل الغاية ونبل الوسيلة وبين حسن العمل وحسن الخلق حتى مع الخصوم ، وبين المهارة الدعوية والمهارة السياسية ، واعلموا أن الرجال مواقف وأن المواقف تختلف من حال إلى حال فهناك ما يستدعى شجاعة الاعتذار وبطولة الاعتراف بالخطأ .. وهناك مواقف لا تحتمل التراجع كمواجهة الأعداء تحت راية لا لبس فيها ، وهناك مواقف ملتبسة رجالها وشجعانها من يستطيعون التمييز والفرز ووضع الشيء في موضعه والتقدير الجيد للأوضاع والوقوف على التحديات وطبيعة الصراع ومكان كل طرف فيه ، ومن الوارد أن تقف الجماعة نتيجة ظروف ملتبسة كهذه في الموقف الذي يريده الأعداء منها .. فينبغي الاستفاقة سريعاً وتعديل المسار والحرص على الحضور والتأثير فيما يخدم المصلحة الوطنية ووحدة الوطن وبقاء مصر متماسكة قوية موحدة والحفاظ على جيشها ، فهذا كله ضمانة حماية المشروع الإسلامي الحقيقي الذي تقف مصر الموحدة فيه موقف الحصن المنيع والدرع الحامي .

رسالتك لجماعة الإخوان ؟

رسالتي للإخوان .. أرجو منهم إنصاف أنفسهم من أنفسهم وعدم تضييع جهود عقود بأكملها وتراث وتاريخ وتراكم خبرات وأفكار ونضال رموز ومفكرين وعلماء ودعاة ومجاهدين منذ العشرينات إلى اليوم في لحظة غضب عارم .

تخيلوا واستحضروا خيارات الشيخ البنا واسألوا أنفسكم لو كان بيننا فماذا كان ليفعل ، والتاريخ يقول انحيازه للخيارات الوطنية ورفضه التام للتورط مع مناورات وتحالفات الخارج مهما كان الظلم الواقع عليه .. وكذلك انحيازه للشراكة وامتصاص الصدمات بالفعالية الايجابية وتحويل فورة الغضب إلى قوة تعصف بمؤامرات ومخططات الاستئصال وتثأر للمظلومية بشكل ايجابي فعال حضاري.. لا يعطى للخصم المبرر ولا يمكنه من استهدافه وإقصائه بسهولة .

لا أطالبهم بالتنازل عن حقوق إنما باستعادتها بالأدوات والوسائل التي من الممكن أن تنجح في أنجاز المهمة وليس بخيارات ترسخ من العزلة وتطيح بالمكتسبات .

خففوا من غلواء الشعور بالتميز وتواضعوا واقبلوا النصح والنقد بصدر رحب وبادروا إلى التصحيح واستعادة زمام المبادرة وقدموا مصلحة الوطن ومصلحة الحركة الإسلامية على كل جهة شخصي وعلى كل منصب .

انحازوا لمصلحة مصر وهى في حاجة لحضوركم وبقائكم كما هي في حاجة لجهود وإسهامات جميع أبنائها في كل المجالات .

أوجدوا مساحة مشتركة وانطلقوا مع غيركم من تيارات وطنية من اليسار واليمين من أرضية واحدة وغايات ومقاصد متوافق عليها من الجميع تحقق مصالح الجميع وليس مصالح تيار على حساب تيار أو حزب على حساب حزب ، إلى البناء والنهضة الحقيقية التي لن تتحقق إلا بالمصريين جميعاًَ كما لم يتحقق الانجاز الأهم في تاريخ المصريين المعاصر - وهو إسقاط مبارك ومشروعه - إلا بالمصريين جميعاً .

رسالتك للسلطة الحالية ؟

رسالتي للسلطة الحالية .. ليس هناك أحد بقادر على النجاح وحده والسلطة الحالية لن تنجح بمفردها بل بإشراك جميع أطياف المجتمع المصري وأطراف المشهد السياسي بما فيهم الإسلاميين رغم كل ما حدث ورغم ضراوة الحملة ضدهم .

انتهى عهد الاستبداد ولن يقبل المصريون بعد ذلك بسلطة متجاوزة ترسخ من وجودها بالقهر وانتهاك الكرامة الإنسانية وانتهاك الحرمات وحقوق الإنسان . لا يمكن القفز على حقيقة ضرورة الانسجام والتكامل واحترام حضور وتأثير كل مكونات المجتمع المصري الفكرية وهى الليبرالية والقومية الناصرية والإسلامية .

فمن المستحيل حذف وإلغاء طرف من أطراف المعادلة والسير بالطرفين الآخرين مهما كانت التحفظات وشراسة ردود الأفعال والتجاوزات المرفوضة من البعض .

المخطئ يحاسب والذي ارتكب جرماً يعاقب ويظل تفعيل الحوار الوطني والمصالحة الوطنية وتطبيق القانون هو أمل المصريين في غد أفضل ومستقبل أكثر استقراراً ورفاهية .

تعلموا من دروس التاريخ والسياسة ليست خطاً مستقيماً وليست وفية لأحد فعدو الأمس حليف اليوم وصديق اليوم عدو الغد.. والرئاسة ليست في الوصول إلى الكرسي إنما في كيفية الوصول إليه .. والحكمة ليست الحذر من الخصوم إنما من الأصدقاء أيضاً .

من ستؤيد للرئاسة ؟

لم أقرر بعد لكن ريثما يكتمل المشهد وتطرح البرامج ويغلق باب الترشح سأقرر بعدها .

لكن من المؤكد لدى أنني لن أعطى صوتي لمرشح ذى خلفية عسكرية ولا لمرشح ذي خلفية إسلامية ، وقد كانت عبقرية الصحابة والجيل الأول عند وقوع فتنة وصراع مشابه على السلطة أن عمدوا إلى طرح الخطة النموذجية التي استوحيتها في المبادرة التي قدمتها في شهر أغسطس الماضي بأن عرضوا خلع على ومعاوية كليهما وتولية عبد الله بن عمر .

فشخصية لا تنتمي لأحد طرفي النزاع كانت ضامنة للخروج من المأزق والنهوض بمصر من كبوتها بعيداً عن الرغبة في الثأر والإفشال من جهة وعن الرغبة في التمكين بالإجهاز التام على الخصوم من جهة .

لذلك اشترطت عدم ترشح شخصية إسلامية أو عسكرية لفترتين رئاسيتين على الأقل ، ليتوافق المصريون على شخصية وطنية قوية تتمتع بالكفاءة والقدرات الذاتية والمواهب المطلوبة لمنصب كبير كهذا وفى نفس الوقت مؤهلة لاحتواء الجميع وقادرة على أجراء وتحقيق المصالحة الوطنية المأمولة.