حكم اعدامات المنيا غير مسبوق وسيترك أثراً من الصعب محوه وتلافى تداعياته . الأطراف السياسية تعاملت باستخفاف ؛ والمشير السيسى الذى تصدر مشهد التحول الضخم فى 3 يوليو ، مشغول بقضايا أخرى فرعية كالمصالحة بين شوبير ومرتضى منصور ، تاركاً ثارات ونزاعات الدم المجتمعية والسياسية تغلى وتنذر بالمزيد بما يعطى اشارات سلبية عن اهتمامات هامشية وانعزال عن قضايا الوطن الكبرى .
تتضاعف هنا فرص المتشددين والتنظيمات المسلحة للمزايدة على المنادين بالمصالحة والمشاركة السياسية ببعض التنازلات ، فهذه الممارسات من الدولة تقطع خط الرجعة وتضعف موقف المعتدلين أمام المزايدين عليهم داخل التحالف وخارجه فى أوساط المليشيات المسلحة وخلايا القاعدة .
اعلام متطرف من الجانبين واصرار على سفك الدم الحرام تحت مظلة القانون وخارجها ويتحول الانسان المصرى الى حيوان تجارب سياسية وترخص قيمته وقيمة كل شئ ، فلا وزن لتيارات وطنية ونضال قديم ، ولا وزن لمؤسسات وطنية ولا احترام وتقدير لمصائر الناس ، ليظهر رجل وسط هذه الدماء وبعد هذه الأهوال فى صورة ضحلة يصالح بين اثنين على هامش سباق محموم متدن على الشهرة والنفوذ .
ينعدم الأمل شيئاً فشيئاً ، فالدم كثير ورائحة المآسى تخنق الأنفاس ، وقد صرنا أقل انسانية واستخفافاً بالوطن والدماء ، والسباق الآن على القتل بالجملة ، هذا يصدر حكمه قاض وذاك زعيم مليشيا دينية ، ليصبح دم الانسان المصرى لدى العسكريين والسياسيين فقط مفتاحاً لفرض الأمر الواقع أو لفرض حلول سياسية بعينها .
في رائعة ألبير كامو " الطاعون " يفاجأ سكان مدينة وهران، بموت جرذ ، يحتل الخبر الصفحة الأولى ، موت الجرذ الأول يؤذن بمرض ، يتحقق ذلك ، تموت جرذان كثيرة ، تنقل بالشاحنات إلى مكبات، ثم تتضاءل الأخبار المنقولة ، أصبح موت الجرذان خبراً عادياً ، إلى أن مات أول إنسان ، احتل الخبر الصفحة الأولى . ثم مات آخر ثم آخرون ، فضرب الحصار على المدينة ، ولم تعد أخبار الموتى ذات أهمية ، انتقلت إلى الصفحات الداخلية ، انه الطاعون. استسلم الجميع ، وعاد الهدوء العفن إلى النفوس ، وعاد الى الواجهة شوبير ومنصور يتوسطهما السيسى .
لا شك عندى ، فأجهزة الاستخبارات تهتم بقراءة مسرحيات ألبير كامو .