صمت المشير السيسى بعد طرح أسئلة محورية وهامة فى مقدمتها المحاسبة والمراقبة على المؤسسات وعلى رأسها مؤسسة الجيش يستدعى علامات استفهام كبيرة . لم نخرج من حواراته الأخيرة بأى انطباع ايجابى عن مستقبل الانسان المصرى وحرياته وحقوقه ، فالمشير يطالبه بكل شئ اعتماداً عليه فى انجاح مشاريعه محدودة التأثير فى خطة العدالة والمساواة التى يطالب بها المصريون منذ ثلاث سنوات . كان محمد على يريد انشاء دولة حديثة قوية ووضع خطة طموحة لاقامة العديد من المشروعات الكبرى مثل شق الترع والمصارف وبناء السدود والقناطر ، ولكنه لم يبذل أدنى اهتمام بالانسان المصرى الذى يقوم بتنفيذ هذه المشروعات ، كان الوالى يستخدم السخرة والكرباج فى اجبار المصريين على العمل فى ظروف بالغة القسوة ، وكان الآلاف يهلكون ، فما هو الاختلاف هنا بعد مسيرة عمل خاضها المصريون طوال أكثر من قرنين من الزمان ، فالمرشح الرئاسى يطالب بالعمل ويصمت عند الحديث عن المحاسبة والمراقبة ويطل اعلامياً من نوافذ رجال أعمال نافذين محسوبين على حيتان التهرب من الضرائب . محمد على سلك فى فى تجنيد الفلاحين وسائل وحشية وكانت قواته الكاسرة تهبط على القرية كالاعصار المدمر فتأسر كل من يقع فى يديها من رجال وشيوخ ونساء وأطفال وتسوق الجميع فى غلظة الى مراكز التجنيد والعمل لانجاز مشاريعه قسراً ، والمشير يطالب المصريين بالعمل والصبر والمواصلة ، وعندما يُسأل عن المحاسبة والمراقبة وعن الحريات – أى عن حقوق وقضية الانسان المصرى – يصمت ويطأطئ رأسه وينظر الى المائدة أمامه . مصر بُنيتْ بالفعل ولا يتبق الا القليل ، بها الكثير جداً من المشاريع والمصانع والشركات والمؤسسات وقد بذل المصريون الكثير من العرق والجهد طوال العقود الماضية فى العمل والكفاح ، وسيواصلون حتماً البناء والنضال ، لكنهم يطالبون اليوم فقط بنقطة نظام وفترة محاسبة وتخليص حقوق بعد أن امتلأت كروش وجفت أخرى ، وبعد أن صارت حصيلة عمل السنوات الماضية فى جيوب وحسابات قلة منتفعة من المصريين . الاشكالية التى يتعامى عنها الكثيرون أن المصريين سيعملون وسيصبرون وسيضحون وسيكافحون من غير شك كما يطالبهم اليوم المرشح الرئاسى عبد الفتاح السيسى ، لكنهم لا يطالبون بأكثر من ساعات محاسبة يتم فيها تخليص الحقوق وتضبيط كفتى الميزان واستعادة التوازن المجتمعى واعادة توزيع نتاج وثمرات جهود المصريين طوال سنوات الكفاح والعمل الماضية ، بعد أن اختل التوازن وهبرت مجموعة قليلة من المصريين المليارات والملايين على حساب فقر وتشرد ومرض ملايين الفقراء الكادحين . دقيقتا صمت المشير بعد أسئلة هذه القضية الأم ، معناهما ألا جديد وليواصل المهمشون والكادحون والفقراء العمل ، وليواصل الفاسدون الهبر . الولد الشقى محمود السعدنى فى " مصر من تانى " يدعو الله : " نطلب من الله أن يبعدنا عن أيدى العسس وأن يخفينا عن أعين البصاصين وأن يحيينا صياعاً ويميتنا صياعاً ويحشرنا يوم القيامة فى زمرة الذين على باب الكريم .. طوبى للصياع وطوبى للبصاصين والمخبرين " لا نملك اليوم الا أن ندعوا ونقول آمين