أكسوف شمس ماأرى أم أنه
تغشيش عين صابها إظلامُ
اسعَدْ بأمّنا ياثرى ! واريتها
وَتَرَكْتَنا يعصفْ بنا الإيلامُ
تلك البنيّة في الحجاز كسيرةً
في البعد تنهش صدرها الآلامُ
وصباحةٌ في الشامِ يُحْرَقُ قلبها
كَمَداً عليكِ .. وهَدَّها الإسقامُ
بَعْدَ الفراقِ أصابنا ضُرٌّ وما
رَفَقَتْ بِنا مِنْ بَعْدَكِ الأيّامُ
نَحَبَتْ رُبى حَوْران باكيةً عَلَيْ
كِ وأمطرتْ حرّ الدموع شآمُ
ودْيانُها جَفَّتْ , وأمْحلت السهو
لُ , وحلَّ في كبدِ السماء جَهَامُ !
وحمائمُ الأمويّ ناحتْ وانحنتْ
في قاسيون ذُراهُ والآكامُ
مَشَت الرياحُ وَئيدَةً قُرْب المقا
م وعَطَّرَتْ أنفاسَها الأنسامُ
لولا مخافة ربنا وحسابه
أو أنْ تُصبْني لعنةٌ وأثَامُ
لَحججتُ للمثوى أقيمُ مناسكي
حتّى يُقيم الساعةَ القيَّامُ
لمّا رحلْتِ عنِ الديار فإنّها
وَفَدَتْ عليها النائباتُ جُسامُ
غَمَرَ الأسى شَطآنَ قلبنا وامّحَتْ
ضحكاتنا واسوَدّت الأحلامُ
أوْجَعْتِني , من بعد مافارقتني
حطّتْ عليّ رحالها الأسقامُ
مِنْ بَعْدكِ الأيّام صارتْ مُرّةً
والابتهاج مُغَيَّبٌ وحرامُ
لاتُيْنع الأزهارُ في روضاتها
إنْ غابَ عنْ هَمْرِ الغُيُوثِ غمامُ
إنْ كانَ غَيَّبكِ الردى عَنْ مُقْلَتِيْ
فوداد روحي اجتاحها إضرامُ
تلك الأماسي في الديارِ تبعْثَرَتْ
ماعاد فيها فرحة ولِمامُ
الكرْمةُ السمْحاءُ تبكي حالَها
فالكرمُ ضاعَ وغادرَ الكَرَّامُ !
والياسمينةُ وَسَّدَتْ أَغصانَها
مُرتابةً وعُيونُها هُيَّامُ
تَتَفحْصُ الآتينَ تَكْتُمُ بَوْحَها
ويَجيشُ فيها لوعةٌ وهُيامُ
أَتراهُ ضَلَّ حبيبُنا ؟ أو ربما
سَرَقَتْ طريقَه عَتْمةٌ وزحامُ !
وشُجيْرة الليمون مُذْوًى زهرها
قدْ عَلَّها وأماتَها الإغمامُ
بَكَت الديارُ وَلَمْلَمتْ أحجارَها :
بعدَ المليحةِ لايطيب مُقامُ
أَتُقيمُ دارٌ زالَ مِنْ أركانها
أُسُّ البِنا , كانتْ عليه تُقامُ ؟
ماعاد يَطْرُقُ بابَها ذو حاجة
أو حَوْلها يَتَقاطَرُ الأيتامُ
لَوْ أَصْبَحَتْ كُلّ الروابيْ صَحَائِفاً
أَوْ حُبِّرَتْ باللّجْة الأقلامُ
فَلَسَوْفَ أبقى عاجزاً عن وصفِها
وتخونني الكلماتُ والإلهامُ
وتُقصّر الأشعارُ عنْ إيفائها
حقّ المديح وَتَقْصُر الأفهامُ
لو كانت الدنيا تدوم لعائشٍ
مابُدِّلَتْ أو نُكِّسَتْ أعلامُ
لاأنبياء الله كانوا تعاقبوا
لهدايةٍ , أو شُيِّدتْ أهرامُ
أو وُرِّثتْ في الأرضِ مملكةٌ ولا
عن عرشها تتنازل الحكّامُ
كم من ملوكٍ خُلِّعَتْ تيجانها
وتَداثرتْ وتعاقبتْ أقوامُ
لاتَحْسبنَّ بأنّ عيشك دائمٌ
مهما سَعِدتَ ونالكَ الإكرامُ
لاتحزَنّنَ لأن عمرك ماضيٌ
فهي الحياة وجُلُّها آلامُ
أو تَعْجَبنَّ منَ الردى وغُلوّهِ
فهو القضاء وحكمهُ إلزامُ
فاقبلْ قضاءَ الله مُبتسماً إذا
جاء الردى .. إنَّ الردى همّامُ !