فى يونية يُعلن دائماً اسم الرئيس الجديد ، ، ولا أدرى لماذا يرتبط وهم الانقاذ العام دائماً بشخص ، مع فارق المواهب والقدرات الشخصية ؛ فليس ثمة تشبيه بين عبد الناصر حتى وهو فى أشد لحظات انكساره وحزنه وبين المشير السيسى الذى ظهر فى شريط اعلان فوزه بوجه أسود محروق كوجه على عبدالله صالح – صاحب فاتكم الجطار - اثر محاولة اغتياله ، ودموع عبد الناصر وانكسارة عينيه المحزنة صنعت ثورة أخرى ونكسة شعبية أخرى بعد هزيمة الجيش ، وصوت أحمد سعيد فى صوت العرب " وايه يعنى ولا 30 ألف أسير ، ما يتحرق الجيش المهم الدولة والأمة مختزلة فى شخص عبد الناصر " ، نستمع لعبارات شبيهة اليوم من فئات وتيارات شتى لا يهمها جيش ولا هزائم كبيرة متوقعة ، وجميعهم يرهن مصالح الأمة فى بظهور وتمكين تياره وزعيمه – ولا نعفى الاسلاميين - ، ولم يعد لدينا زعيم واحد بل صار لدينا فائض زعماء بكاريزما مميزة وبشعاراتهم وخطاباتهم الجاهزة لمن يريد الاستفادة والاستيراد .
ماذا حدث وما الجديد فى الواقع العربى حتى بعد الثورات فى ذكرى هزيمة يونيو ؟
لا شئ ولم نفعل شيئاً ذا بال يغير من واقع الهزيمة الثقيلة فى يونيو 67م والتى أطلق عليها الكاتب محمد حسنين هيكل – رجل ومفكر المرحلة الحالية أيضاً – مصطلح نكسة ، فاسرائيل بدعم أمريكى سخى ترسخ من نفوذها ووجودها وتضغط لبقاء سيناء رهينة كما هى بدون استثمارات ولا تنمية ، لتظل عودتها بلا طعم وبلا ميزة كأنه انتصار مع ايقاف التنفيذ ، وفى ذات الوقت تكثف من عمليات الاستيطان لخلق واقع جديد وايجاد خلل ديمغرافى يعوق الفلسطينيين من تحقيق أى تقدم فى طريق اقامة دولتهم المستقلة بعاصمتها القدس الشريف ، مع احتفاظ شرس بالضفة والجولان .
لم يفز الفريق شفيق فى يونيو 2012م لكن فى يونيو 2014م حدث الكثير مما تنبأ وبشر به ، فاذا كانت الهزيمة قد حدثت بسبب احتكار الوطنية واعتقاد كل فريق بأنه الأحق وحده بالحاق الهزيمة باسرائيل وبعد فشل عبد الناصر فى اقناع الاخوان بالمشاركة تندر الاسلاميون على الهزيمة القاسية تشفياً ، معتقدين أنهم وحدهم بدون مشاركة لمن تلوث فكرهم بالاشتراكية أو الليبرالية القادرون على احراز النصر ! وقد أعاد الشيخ البنا كتائب الاخوان فى عز عنفوانها وفى ظل ضعف اسرائيل وقتها فقد كانت مجرد عصابات ، ولا تزال حماس عاجزة عن احراز انتصار حاسم ؛ والخلاصة أن الانتصار الحقيقى لن يحدث الا بمشاركة ووحدة حقيقية بين جميع التيارات الفكرية والسياسية من اسلاميين ووطنيين وقوميين ، والهزيمة تقع لا محالة بالاقصاء ، وظللنا فى دائرته الى اليوم ؛ فهذا يزيح ذاك وذاك يطرد هذا وذلك يسجن هؤلاء ، وما قاله شفيق يتحقق فى يونيو 2014م باعادة الاسلاميين الى مكانهم الطبيعى فى السجون والمعتقلات – كما يزعمون ذلك - .
مع اعلام شبيه بصوت العرب فى الستينات يؤله نجم المرحلة ويختزل الأمة فى شخصه ، ويجعل انتصاره على الاخوان كأنه قد حرر الأقصى ودحر الصهاينة واستعاد القدس .
تبقى العلاقة بين العرب نكسة فى حد ذاتها ولم تحدث أية نقلة نوعية منذ 67م الى اليوم ، فمنتهى ما يحدث تسيير مصالح أنظمة بهبات لأنظمة لتظل عالقة فى رد الجميل بالحفاظ على المصالح الأمنية والسياسية ؛ فهذا يضمن بقاء الحاكم الفرد رغم الانتهاكات والتجاوزات ، وذاك يضمن ويرعى حكم العائلة رغم الانتهاكات والتجاوزات .
كيف تحقق حلم الوحدة الألمانية ؟ ليس بحاكم فرد وليس بجهود بسمارك وحده ، وليس بتبادل منافع بين أنظمة ، لا بين شعوب وأمم .
انما أقامت ألمانيا مشروعين لمنفعة الشعوب والجماهير الألمانية – لا لمنفعة الأنظمة والحكام - ، فتم مد السكة الحديدية بين الولايات الألمانية ، وتم توحيد التعرفة الجمركية فى السوق الألمانية المشتركة الناشئة وقتئذ .
لذلك نجح بسمارك ، وفى المقابل " لذلك فشل عبد الناصر " ، ثم مبارك وسيفشل كل زعيم يدعى وصلاً بحب الوحدة العربية فى انجازها ؛ فالوحدة مشاريع أمة ومشاريع شعوب ، لا مشاريع ومصالح أنظمة .
ولذلك لا أتوقع جديداً على صعيد تغيير الواقع العربى فى مواجهة التوحش الصهيونى ، والأنظمة العربية - مع الواقع المصرى - يعملون معاً تكريساً منافع وتحقيق مصالح أنظمة وحكام ، وليس مصالح أمم وشعوب .