قبل أن أسال عن مصير صاحبى عصام لى ملاحظة على الأداء السياسى العام على هامش الأزمة الكبيرة التى يمر بها الوطن ؛ أن السياسة هى فن الممكن والتكيف مع الواقع من أجل تطويره وتطويعه ، وفن المواءمات وصولاً لأقل الخسائر وأفضل النتائج الممكنة – لا العيش فى المطلق والحلم بالمستحيل - ، لذلك يبدع فيها من يجيد الأخذ والعطاء والتشارك والتقاسم ، وهى بهذا المفهوم بعيدة عن خبرات جميع أطراف المشهد المصرى – والعربى - ؛ فهم بين مناضل بالمفاصلة والمواجهة مع السلطة ، ومتغلب بالقوة مستبد ، وآخرين مضطهدين معتقلين وراء الأسوار العالية ومنفيين بتهمة المعارضة ! ثم غالبية صامتة مغلوبة على أمرها فى أحسن الأحوال . ومن النادر جداً جداً جداً حتى ليكاد يصل مستوى تلك الندرة الى أفق المستحيل أن نرى سياسياً عربياً يأخذ ويعطى ، ويشارك ويناور ويقيم أحلافاً دائمة على أرضية الصدق ، ويدير ويبنى فى اطار جماعة سياسية منتظمة وملتزمة من أجل تحقيق هدف سياسى كبير يطمح اليه الجميع بوطنية نبيلة من سلطة ومعارضة كما يحدث فى الأمم التى تحترم ذاتها وشعوبها . أخذنا على التيار الاسلامى سابقاً عدم قدرته على التكيف والمواءمة ، وبحساب خسائره على مدى عقود وتكرار نفيه وحبسه فى محن كبيرة ومتعاقبة نلمس ضعفاً – أو قل خللاً - فى الأداء السياسى ، لكن هناك اعاقة أكبر تتعلق بالدولة ذاتها وبحكام احترفوا العصف بهذا الكيان وملاحقته فى السجون والمنافى ، وهم بحكم الخبرة بين مسحول فى ليبيا ومحبوس فى مصر ومنفى فى السعودية ومحروق فى اليمن ، ولا أحد جاء بعدهم – بحسب الشواهد - وعى الدرس ، فهى تبادلية لا يتقن خلالها هذا ولا ذاك الفعل السياسى المتوازن بعيداً عن سلوك المفاصلة من جانب والعصف والبطش من جانب . المراجعة واجبة على السلطات والدول والحكام كذلك ؛ فقد استنتج ابن خلدون أن " طباع العرب قد بعدت عن سياسة الملك " أى سياسة الدولة ، نظراً لغياب الدولة المستمرة والمستقرة الثابتة والدائمة ، وغيابها أثر على الجميع – ليس على الاسلاميين فحسب – وسيحتاج الكل وقتاً للتعلم وللتكيف لأداء سياسى راق توافقى اذا كنا حقاً وضعنا أساساً لدولة مستقرة – أو اذا أردنا ذلك جميعاً فى المستقبل - . صاحبى عصام خيرى شاب صعيدى جدع خلوق مثقف خفيف الدم ، عملنا سوياً فى اللجنة الاعلامية لحزب البناء والتنمية وهو المتحدث باسم هذا الحزب بمحافظة المنيا ، وآخر عهدى به عندما كان يتواصل معى لنقل نصائحى وملاحظاتى خلال اعتصام رابعة والنهضة للقيادات ، وأشهد أنه كان حريصاً معى على أداء سياسى متوازن وعدم خلط الأوراق والخروج بدون تجاوزات وأخطاء ، كما أننى لم أسمع أو أقرأ له تهديداً أو تطاولاً أو تحريضاً على عنف ، ومعرفتى به تجعلنى أستبعد تورطه فى أى عمل غير مسئول . صاحبى لا أعرف له مكاناً ولا جهة وفقدت التواصل معه منذ فض رابعة ، وسألتُ فقالوا : معتقل ! فما العمل ؟ وما تهمته وأين قضيته وحيثيات حبسه وما مصيره ؟ ،
أرجو أن يجيبنى أحدهم .
أين صاحبى الجميل عصام خيرى ؟