تنبأنا فى مقال سابق باعداد دحلان كقيادة بديلة ، وهذا ما أثبتته الأحداث والشواهد بعد ذلك وأيدته لاحقاً النشرات والأنباء المتواترة والتحليلات ، وقلنا ان الأمريكان والاسرائيليين يبحثون عن قيادة بديلة لأبو مازن أبعد ما تكون عن التوافق مع حماس ، ولديها استعداد لتقديم تنازلات أكثر . نفهم سر الاهتمام بمحمد دحلان كبديل – أو فى أسوأ الأحوال كشريك لأبو مازن – فى اطار سعى أبو مازن واصراره على المصالحة مع حماس ، وهذا ما تسعى اسرائيل لافشاله ، ولن تجد أفضل من محمد دحلان – عدو حماس الأول - للقيام بالمهمة . تتضح الصورة شيئاً فشيئاً وتكتمل باعادة تركيب المشاهد والمواقف والأحداث الواحد بجوار الآخر وبالترتيب الزمنى التصاعدى . فالمعركة الأصلية التى أحدثت الانقسام كان هدفها السيطرة على الأجهزة الأمنية لتكون حارساً لاسرائيل وليس لتحقيق الأمن للشعب الفلسطينى ، وتم الفرز على هذا الأساس والتنازع وصولاً للطرد ثم المفاصلة بين دحلان وتياره وبين الصف الوطنى الفلسطينى بدرجاته ، ما بين عداوة شديدة لحماس وعداوة متوسطة باتهامات فساد وما شاكل مع القيادة الفلسطينية وعلى رأسها أبو مازن . ما تخشاه أمريكا واسرائيل من مصالحة حقيقية بين فتح وحماس ؟ استمع لخالد مشعل فى احتفالية المصالحة الفلسطينية بالقاهرة ، قال : " صفحة الانقسام الفلسطينى السوداء قد طويت وأصبحت خلف ظهورنا وتحت أقدامنا ومعركتنا الوحيدة مع اسرائيل " ؛ اذاً يخشون أن ينسى الفلسطينيون خلافاتهم ويتوحدون فى مواجهة العدو . استمع أيضاً الى الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى خطاب ألقاه فى بداية الاحتفال باتفاق المصالحة ، قال: " حماس جزء من شعبنا وليس من حق أحد أن يقول لنا لماذا تفعلون هذا وذاك ، وأقول لنتنياهو : أنت يجب أن تختار بين الاستيطان والسلام " . بل ان عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية – وقتها - فى حوار مع الشرق الأوسط اللندنية قال : وصف حماس بأنها منظمة ارهابية انتهى عملياً " يكفينا ما قاله نتنياهو تعليقاً على الحدث : " المصالحة الفلسطينية ضربة قاسية للسلام ونصر عظيم للارهاب " . نعرف موقف دحلان من حماس والمقاومة ، وفى المقابل علاقته القوية مع اسرائيل من جهة ومع الامارات من جهة أخرى ، وجاءت الحفاوة البالغة الأخيرة به فى القاهرة لتفتح ملفات أحداث قديمة غامضة على رأسها تشديد الحصار على غزة وهدم الأنفاق عقب عمليات مريبة من خطف جنود ونشر للفوضى فى سيناء ، لتثور تساؤلات مشروعة عن المستفيد من افساد العلاقة بين الجيش المصرى وحماس وبين الدولة المصرية والاخوان والاسلاميين عموماً ؟ ، وكذلك لتؤكد توجهات السياسة المصرية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية وتصورها لملف المصالحة بحيث يتسق مع الرؤية الاسرائيلية الأمريكية الاماراتية ، بفرض دحلان كشريك واجبار أبو مازن على قبوله لمواجهة حماس ولقطع الطريق أمام مصالحة فلسطينية شاملة وتوجيهها فى طريق مصالحة فلسطينية بين أبو مازن ودحلان لخدمة المصالح الاسرائيلية ، وهو ما طالب به السيسى ، عندما ألمح لعباس عقب 3 يوليو بضرورة اجراء مصالحة مع دحلان بدلاً من التركيز على مستقبل العلاقة مع حركة حماس والمصالحة معها . الشكليات التى عرض لها موقع " العربى الجديد " والتى تعكس توتراً طارئاً فى العلاقة بين الرئيسين عباس والسيسى ، خلال حفل تنصيب الأخير ، عندما فوجئ أبو مازن بحضور دحلان وهدد بالانسحاب وانتهت المشكلة بوساطة سعودية بدعوة الأمير محمد بن زايد ولى عهد أبو ظبى ودحلان الى منزل السيسى فى جلسة خاصة ، ما هى الا عنوان لجوهر قضايا تفصيلية معقدة تتعلق بتشكل واقع عربى جديد ومنهج وفلسفة تعامل أكثر حدة وشدة مع الاسلاميين وحركات المقاومة والنضال ، وأكثر مرونة وليونة وود من اسرائيل ورجالها فى المنطقة . أبو مازن فى اختبار صعب ومصيرى ليذكرنا بنهايات أبو عمار وبدايات أبو مازن معه بالتعاون مع دحلان ، وها هى الكماشة العربية الاسرائيلية بمعاونة دحلان أيضاً تحاصره ، وها نحن نتابع السيناريو والأحداث الدراماتيكية ، ونتساءل عن النهاية والختام كيف سيكون ؟ هذا لا يتوقف على صمود أبو مازن وحده ، انما على تطورات ومستجدات المشهد المصرى على وجه الخصوص ، والذى يبدو كنموذج مكبر مع اختلاف الأسماء والمواقع والتيارات ، فالمصالحة لا يُراد لها أن تكون مصرية وطنية منطقية لمواجهة اسرائيل ، انما عبثية يواجه خلالها المصريون بعضهم بعضاً لاتمام التصالح مع أطراف معادية .