جوهر الخلاف مع الاخوان المسلمين سابقاً كما طرحته جماعة الجهاد أواخر القرن الماضى – كان الشيخ عبود الزمر أحد أهم رموزها قبل التحول الى الجماعة الاسلامية هو والدكتور طارق الزمر - يتمثل فى أن هدف الجماعة هو ازالة الحكم الحالى فى البلاد الاسلامية لأنه غير اسلامى واقامة الحكم الاسلامى بمنهج جهادى حركى يتسم بالسرية ، أما الاخوان فكانوا يتبنون عدم جواز الخروج على الحاكم بل وجوب طاعته والالتزام بالدستور القائم والتحرك من خلال المؤسسات التى يرسم اطارها هذا الدستور وأن المخالفات التى يقع فيها الحكم القائم لا تستدعى مخالفته ومناهضته والخروج عليه . مرت السنون وطرأت أحداث كبيرة على الساحة المصرية وخرج مجمل الاسلاميين من المعتقلات اثر المبادرة الشهيرة وبعد ثورة يناير 2011م ، وكان معظم الاسلاميين خلف الاخوان فى حركتهم صعوداً وهبوطاً ، وحتى الخلافات والمرارات التى كان يجدونها من المواقف الاخوانية من شعور متزايد بالتضخم واستعلاء وتفضيل للعناصر الاخوانية واتخاذ قرارات مصيرية أحادية .. الخ أُمروا أن يكتموها ولا يُحدثوا بها علانية حفاظاً على المشروع العام وتجربة الاسلاميين فى الحكم ، وصارَ غالبية الاسلاميين ملكيين أكثر من الملك سعياً لاعادة الاخوان الى سدة السلطة ، وصولاً الى هذا المستوى من الشحن والتصعيد ومحاولات تثبيت الاسلاميين فى مراكزهم خلف الاخوان فى مواجهة الدولة ، بتفصيلات وقضايا ومواقف وأحكام وانتقامات واعدامات وهروب وسجون ، أعادت الاخوان لذاكرة الستينات وأعادت الجماعات الاسلامية لذاكرة التسعينات . المفارقة بعد " مراجعات الشيخ عبود الزمر الأخيرة " ، أن هناك تبادل أدوار بين رموز جهادية سابقة وقيادات الاخوان ، ففى السابق وقف الاخوان علانية فى صف الدولة وأعلنوا رفضهم الخروج واستنكارهم لممارسات " المتطرفين " داعين الى الالتزام بالدستور واحترام قوانين البلاد ، زاعمين أن حكم مبارك على فساده واجب الطاعة وأنه لا بديل عن السعى فى التغيير السلمى عبر مؤسسات الدولة – وليس بمواجهتها - ، ليقف الآن الشيخ عبود – على رمزيته التاريخية فى الحركة الاسلامية – ليتحدث بلسان الاخوان فى عهد مبارك وينصحهم بما كان الاخوان ينصحونه وقيادات الجماعات الاسلامية به ، من ضرورة الكف عن مناوئة السلطة الحاكمة والنظر الى مصلحة البلاد وتبنى التغيير من داخل مؤسسات الدولة وليس بمناهضتها من خلال أسلوب واحد هو البقاء فى الشارع فى الداخل والخارج الى ما لا نهاية . لم ينسَ الشيخ عبود هذا بالطبع – بل تفصيلاته مؤلمة - ، كذلك لم ينسَ قضية النزاع حول امارة التنظيمات الجهادية بعد دمجها ورفض امارته كأسير ، فى رسالة أخرى ليست للاخوان هذه المرة انما لرفاقه فى الجهاد والجماعة الاسلامية ؛ فاذا كانوا رفضوا امارته لجماعة وتنظيم بسبب أسره سابقاً ، فمن باب أولى قيادة الدولة ورئاسة الجمهورية ، والقضية طرحها الشيخ فى بعدها الفقهى ، وأؤكد أن بعدها السياسى والاستراتيجى والتاريخى لا يقل أهمية . المفكر عبد الرحمن الكواكبى كرر أنه لرفع الاستبداد لابد من الالتزام بمنهج النضال المدنى بعيد المدى طويل النفس فى مقارعة المستبدين ؛ فالاستبداد لا يقاوم بالشدة وانما باللين والتدرج ، وكم يتمنى المستبدون تحول الثورات الى عنف أهوج من أجل نزع الشرعية عن غاياتها الشرعية ، وأنا أحيانا أسرح بخيالى لدرجة تقمص تفكير الآخرين ، وهنا فكرت بعقلية الشيخ عبود الذى أحترمه وشرفت بصحبته فترة من الزمن ، فالرجل أقدم رتبة فى سلاح المخابرات من المشير السيسى ومن قادة الجهاز الحاليين ، واذا كان الجهاديون السابقون قد تنبهوا لضرورة اختراق المؤسسة العسكرية وأن التغيير المأمول لن يأتى الا من خلالها ، الا أنهم كالعادة قد فهموا الاختراق والانطلاق منها بالشكل الخاطئ الذى يثمر دائماً بعض الفرقعات والعمليات الثأرية التكتيكية محدودة الأثر ، ولم يفهموها بعقلية الكواكبى الاستراتيجية ، لكان المقدم عبود الزمر بعقليته الكبيرة ومبادئه المستوحاة من الشرع وأهدافه السامية لنصرة الأمة والاسلام على رأس أخطر جهاز فى الجيش المصرى الى اليوم ، لا أقول ليقود انقلاباً وصولاً للرئاسة ، انما اصلاحاً وتغييراً تدريجياً مرحلياً من داخل مؤسسات الدولة – كما كان يعتنقه الاخوان من قبل - ، ووجود شخصيات كعبود الزمر وغيره هنا وهناك وفى المؤسسات المدنية والعسكرية على السواء أفضل من عدمه . وللحديث بقية ان شاء الله