{من المعروف أن القرآن الكريم أطلق على اسم الجاهلية على الفترة التي كانت قبل الإسلام ولم يشفع لهم شعر رائع وأدب فذ من أن يصفهم القرآن بهذا الوصف لأن التراث الثقافي العربي لم يكن يحوي سوى الديباجة المشرقة الخالية من كل عنصر خلاق أو فكر عميق . وإذا كانت الوثنية في نظر الإسلام جاهلية فإن الجهل في حقيقته وثنية لأنه لايغرس أفكار بل ينصب أصناما , وهذ هو شأن الجاهلية فلم يكن من باب الصدفة المحضة أن تكون الشعوب البدائية وثنية ساذجة ولم يكن عجيبا أيضا أن مر الشعب العربي بتلك المرحلة , حين شيد معبدا للأقطاب ( الدراويش) المتصرفين في الكون ومن سنن الله في خلقه أنه عندما تغرب الفكرة يبزغ الصنم والعكس صحيح ولو أن أوراق الحروز التي نبذها الشعب لم ترجع إليه باسم أوراق الانتخابات , ولو أن العقول التي كانت تصدق بالمعجزات الكاذبة , لم تعد مرة أخرى تصدق بمعجزات صناديق الانتخابات , ولو أن الزردة التي كانت تقام في ساحات المشايخ لم تعقبها الزردة التي تقام في الميدان السياسي والتي أصبحت تقدم فيها الأمة قربانها من حين إلى حين ..
لقد كان من واجبنا أن نتنبه فلا نلدغ من جحر مرتين , غير أننل لم نكن في الواقع قد تخلصنا من الأسلوب الخرافي , ذلك الأسلوب الطفولي الذي نتجت عنه قصة ألف ليلة وليلة . تلك القصة التي استطبنا مذاقها في عصور انحطاطنا , وكان تأثيرها في جونا الخلقي والاجتماعي
لايجوز أن لنا أن نغفل الحقائق , فالحكومة مهما كانت ماهي إلا آلة اجتماعية تتغير تبعا للوسط الذي تعيش فيه وتتنوع معه , فإذا كان الوسط نظيفا حرا , فما تستطيع الحكومة أن تواجهه بما ليس فيه , وإذا الوسط كان متسما بالقابلية للاستعمار فلا بد من أن تكون حكومته استعمارية .. هذه الملاحظة الاجتماعية تدعونا لأن نقرر أن الاستعمار ليس من عبث السياسيين ولامن أفعالهم بل هو من النفس ذاتها التي تقبل ذل الاستعمار والتي تمكن له في أرضها
ولا شك في أن الأزمة السياسية الراهنة تعود في تعقدها إلى أننا نجهل أو نتجاهل القوانين الأساسية التي تقوم عليها الظاهرة السياسية والتي تقتضينا أن ندخل في اعتبارنا دائما صلة الحكومة بالوسط الاجتماعي , كآلة مسيرة له , وتتأثر به في وقت واحد , وفي هذا دلالة على مابين تغيير النفس وتغيير الوسط الاجتماعي من علاقات متينة , ولقد قال الكاتب الاجتماعي (بورك) : " أن الدولة التي لاتملك الوسائل لمسايرة التغيرات الاجتماعية لاتستطيع أن تحتفظ ببقائها "
ومن الواضح أن السياسة التي تجهل قواعد الاجتماع وأسسه لاتستطيع إلا أن تكون دولة تقوم على العاطفة في تدبير شؤونها , وتستعين بالكلمات الجوفاء في تأسيس سلطانها , ولن تستطيع فهم هذه الملاحظات الاجتماعية إلا إذا فهمنا الآية الكريمة التي اتخذها العلماء شعارا في تأسيس دعوتهم : ( إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم ) }
عن كتاب شروط النهضة .. لمالك بن نبي .. بتصرف