الفكرة فى البداية رائعة، ودائماً اندونيسيا سباقة ورائدة وتمسك بزمام المبادرة وتقوم بتفعيل الأفكار الكبيرة والمهمة، والفكرة هنا لتوضيح حقائق الأشياء وخلفيات الأحداث والمستجدات على الساحتين الفكرية والسياسية فى الشرق الأوسط، لتكون الأمور واضحة جداً أمام العلماء والمشايخ والأئمة بأندونيسيا.

وبرعاية وإشراف وزارة الخارجية الاندونيسية وجمعية نهضة العلماء ومنظمة المؤتمر الدولى للعلماء والمثقفين اجتمع أكثر من ثلاثمائة وخمسين عالماً وشيخاً من أئمة وعلماء يمثلون أهم علماء ودعاة اندونيسيا، ليستمعوا لآراء ورؤى المسئولين والسفراء والمتخصصين من كتاب من الشرق الأوسط.



هنا تأتى أهمية المبادرة باستباق الأمور والتداعيات وحسمها، عندما رأت هذه الجهات الراعية أن الرؤية مشوشة وغير واضحة لدى كثير من مشايخ ودعاة اندونيسيا مما قد ينتج عنه رؤى أيضاً مشوشة وغير واضحة ينقلونها لطلبتهم ورواد مساجدهم.


وكم نحن بحاجة الى هذه المبادرات الفكرية الاستباقية الاستشرافية التى تحمى وتصون وتحصن عقول الأجيال والشباب من انتشار الأوبئة الفكرية، وحتى لا ينجح المغرضون وأصحاب المصالح السياسية فى استغلال السيولة الفكرية والانشغال بالصراعات والثارات السياسية والنفاذ من مزاعم الاضطهاد والمحنة لتبرير وتمرير أفكار مناهضة للنهج الاسلامى الوسطى الصحيح ومناقضة للثوابت الاسلامية فى منهجية الحركة والخطاب والأداء السياسى والدعوى.


حملت هذه الندوة العالمية المهمة عنوان "الصراع وعملية التحول الديمقراطى" الربيع العربى "فى الشرق الأوسط"، وأقيمت فى معهد الحكمة الاسلامى بديبوك فى جاوا الغربية.

ومن المحاضرين فى هذه الندوة الأمين العام للمؤتمر العالمى للمثقفين الاسلاميين، ووزيرة الخارجية الاندونيسية وأيضاً رئيسة اندونيسيا السابقة السيدة ميجاواتى سوكارنو، ووزير الأوقاف السنى العراقى ووزير الأوقاف الشيعى بالعراق والشيخ خالد الملا رئيس مجلس العلماء بالعراق، وبشار سمرة القائم بالأعمال بسفارة سوريا بجاكرتا وقائد الجيش الوطنى الاندونيسى ورئيس الشرطة الاندونيسية والسيد سفير فلسطين باندونيسيا والسيد سفير مصر باندونيسيا والسيد سفير اندونيسيا بمصر ومدير ادارة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الاندونيسية، وكانت محاضرتى فى هذه الندوة العالمية المهمة تدور حول تأثير ممارسات الاسلاميين السلبية على الربيع العربى والتحول الديمقراطى، ومن ثم البدائل المنهجية والفكرية التى كان من الممكن أن يرتقى بها الاسلاميون الى ذروة هذه الفعاليات الجماهيرية ويحافظون من خلالها على مستواهم ومكتسباتهم وحضورهم السياسى وعلى الساحة الدعوية.

تدرك اندونيسيا المخاطر بمؤسساتها ورموزها الفكرية والعلمية ومسئوليها، فهى أهمية عدم خلط القضايا وبأن قضية فلسطين العادلة التى تقف الى جوارها ويدعمها ويؤازرها المسلمون لا ينبغى استغلالها فى مسارات تضر ببنية الدول العربية والاسلامية.

وترى أن تهديدات التنظيمات التكفيرية المسلحة لا يقل عن تهديدات اسرائيا لاستقرار المنطقة، فممارساتها ليست فقط مخالفة للشريعة الاسلامية، انما خارقة للقيم الانسانية ومدمرة للدول وهادمة للحضارات.

وتضع اندونيسيا تأثيرات ما يحدث فى الشرق الأوسط ومردوداتها على الداخل الاندونيسى فى الاعتبار، فبالبرغم من الأميال التى تفصل اندونيسيا عن الشرق الأوسط جغرافياً ، الا أن الصراعات والتوترات تؤثر سياسياً واجتماعياً على اندونيسيا، وهناك من الشباب الاندونيسى غير الواعى من أبدى تعاطفه مع داعش، وهناك من المدنيين الاندونيسيين من انضموا لمجموعات تكفيرية مسلحة بسوريا والعراق.

يفكر الاندونيسيون بطريقة وبأسلوب استشرافى مستقبلى نفتقده نحن هنا ، فهم يخشون من ردود الأفعال والتجاوبات الحماسية العاطفية لدى الشباب الاندونيسى وما قد ينتج عن ذلك مستقبلاً من تأثير سلبى على الوضع السياسى والقومى والدينى باندونيسيا، وهو الأمر الذى يتطلب المعالجة بطريقة صحيحة وسريعة، لأنهم لو تراخوا وتكاسلوا وتباطأوا وتركوا الأحداث والظروف هى التى تقرر وتحدد مصير المنطقة كلها ، فلا شك أنه من الممكن أن تنتقل رياح التوترات من الشرق الأوسط الى اندونيسيا.

القادة والمسئولون والمفكرون عليهم مسئوليات عظيمة وجسيمة ولابد وأن يرتقوا الى مستوى الأحداث الضخمة التى تمر بها المنطقة ودول العالم، ولابد من التفكير والتصرف برؤى استشرافية استباقية، وان لم يحدث ذلك فستصبح الأزمات أسرع وأكبر بكثير من قدراتنا على الحل والاحتواء.

وفى قضايا الارهاب والتطرف والتكفير واستخدام العنف والسلاح، الوقاية خير من العلاج واستباق الأحداث كفيل بتفكيك المشكلة وحل جزء كبير من الأزمة، فالإرهاب أسرع بكثير مما نتصور وينمو ويستفحل تلقائياً فى فترات زمنية قياسية، والدول التى تتصرف وتتعاطى مع قضاياه بشكل نمطى تقليدى سيسبقها بمراحل ولن تستطيع اللحاق به -