حبات المطر تطرق زجاج النافذة بعنف أيقظني من نومي العميق تحت غطائي الثقيل، وبتكاسل أرفع طرفه الذي يغطي رأسي، وألتفت نحو مصدر الطرقات لا أدري لماذا، كلّ شئ حولي يدعوني للعودة للنوم، تماوج أوراق الشجرة القريبة وراء النافذة ترتجف بردا، تكتكات الساعة المنبهة على المنضدة إلى جواري، صوت الصفائح المعدنية التي تغطي المجلس الصغير في الحديقة، كلّها أصوات ولا مشهد على الإطلاق، فالعتمة سيد الليل تفرض سطوتها على كلّ شئ.
أدير رأسي وأهم باستعادة غطائي عليه، فيخترق النافذة ليضيء الغرفة نور ساطع، ويد خشنة عملاقة تقتحم حبات المطر لتشاركها الطرق على الزجاج بضربات أخذت تشتد وتشتد حتى تهاوى كسرا تساقطت في كلّ ركن من الغرفة، ليقفز عبر نافذتي ذلك المتشرد الذي قضى تحت عجلات سيارتي يوم غبش الدرب الضباب في الشتاء الفائت.
يقترب من سريري بثيابه القذرة وشعره الأشعث مضرجا بدمائه، يضحك بوحشية، وأشيح عن تدفق سيول من الدم عبرالنافذة، لأنظر في أسنانه البارزة بلونها البني وحدودها السوداء، كأنه ملك الموت جاء ليقبض روحي، بلى .. إنه ملك الموت جاءني يقبض روحي، أصيح فينفتح فمي عن هواء وصمت، ويسيل خيط من الدمع على جانب وجهي، بينما تملأ الدماءالأرض وترتفع وترتفع لتغمر سريري، و ينقض هو عليّ مخترقا بكفيه غطائي، قابضا بقوة على عنقي.
عبثا أحاول رفع يديّ لأقاومه لكنهما مقيدتان للسرير، وجسدي يتلوى بلا جدوى في حدود ضيقة يفرضها وجوده وجسده الضخم الثقيل الرابض على صدري، أتصبب عرقا وأحسّ بعيني تبرزان خارج محجريهما، والدم ينفر من أذني وأنفي، ورئتيّ تفرغان من الهواء، الألم عنيف ولكني لا أستسلم ، أبتلع روحي كلما حاولت الخروج، ويغلب صوتها صمت حنجرتي : اسم الله يحميك .. مالك يا قلب أمك .. يخترق زجاج النافذة ضوء البرق منيرا الغرفة وأفتح عيني المتعبتين على وجهها المشرق ينقذني من ثأر ضميري