حنين

ذَكَرْتُكَ يا عهْدَ النَّـدَى والغمائِمِ
فَفَاضَتْ عيوني بالدّموع السَّوَاجِمِ
ذكَرْتُ الصِّبا والعَيْشُ عَذْبٌ وباسِمٌ
لَهُ لَـذَّةٌ بيْن الْـحَشـَا والحـيازِمِ
أطلْتُ لَهُ دَمْعَ الحنينِ ومفْـرقي
تَوَقّدَ في داجٍ من الليل فَـاحِمِ
مَرابعُ عشـَّاق ٍ وأبْيَـاتُ صُحْبَةٍ
وأنْسَـامُ ذِكرَى عَهْدِنَا الْمُتَقـادِمِ
رُبُوعٌ تَحَارُ العَيْنُ فِي وَصْفِ حُسْنِها
وتَأْبَى عَلَى الألْوَانِ في كفِّ راسِـمِ
دِيَارٌ يَغَارُ البَدْرُ مِنْ حُسْنِ نُورِها
وتَهْفُو لَهَا الأشْواقُ في قَلْبِ هَائِمِ
ظِـلالٌ وأنـْوَارٌ ومَاءٌ وخُضْرَةٌ
أحَقًا أرَى أمْ تِـلْك أحْـلامُ نائِمِ؟!!
جَـرَى النّهْرُ بسّامَ الْـمُحَيّا كَأنَّهُ
يُسَابِقُ وقْتَ الصّبْحِ بِيضَ الْحَمائِمِ
تُضاحِكُهُ شَمْسُ الصّباح بِنُورِهَا
فيُشْرِقُ وَجْهُ النّهْرِ عذْبَ المباسِم
تَـرَى حَوْلَ جَنْبَيْهِ النّخيـلَ كأنَّهُ
جُمُوعٌ من الْحُرّاس خُضْرُ الْعَمَائِمِ
إِذَا دَاعَبَتْهُ الرِّيحُ خِلْتَ غُصُونَهُ
كتائِبَ تَعدُو بالقَنَا والصّوَارِمِ
يَمُدّ شُعَاعُ الشّمْسِ بَيْنَ فُرُوعِهِ
سَلاسِلَ نُورٍ مِثل برْقِ الدَّرَاهِمِ
تدَلَّى نَضِيدُ الطَّلْعِ منْه كأنَّهُ
قَنَادِيلُ نُورٍ في عَقيقِ الكمائِمِ
وقـدْ سَلْسَلَ الأمواجَ نسْمٌ كأنَّها
سُطُورٌ تَوَالَتْ فِي هُبوب النّسَائِمِ
فَيُقْبِلُ نَحْـوِي المَـوْجُ حَتّى يَبثّني
حَدِيثَ الهوَى في مَوْجِهِ الْمُتَلاطِمِ
لَـهُ حَبـَبٌ لَـمـّا تـَرَدّدَ خِلْـتُهُ
دَوَائـِرَ َدُرٍّ فِي سوَارِ مَعـاصِمِ
يـَرُوحُ ويَغْدُو كُلّمَا الْمـَوْجُ هزّه
ويَمضي جُفاءً فِي خُطَى كُلِّ قَادِمِ
وفي الجوِّ غيم ٌ قد تَـبَدَّى بقوسِهِ
منيرًا كخَيَّالٍ تَـبَدَّى بصارِمِ
فَفِي الأَرْضِ وِدْيَانٌ وَعَذْبُ مَنَاهِلٍ
وَفِـي الجَو هَتَّانٌ وَفَيْضُ مَرَازِمِ
وَتَلْهُو طُيُورُ المَاءِ فِي النّهْرِ عُصْبَة
فَمَـا بَيْنَ غَـوَّاصٍ وما بَيْنَ عَائِمِ
وإنْ جدّ منْهَا الْعَزْمُ سَارَتْ كأنّهَا
سفائنُ حرْبٍ فِي عبابِ الخَضَارِمِ
أَيَا جنَّةً خَضْرَاء أشْبَعَهَا الحَـيَا
بِعَذْبٍ نقِيّ ٍ ضَاحِكِ الْبَرْقِ سَاجِمِ
تَفَرَّع ُ كالأغْصَانِ فيها جَـدَاوِلٌ
فَتَنْسَلّ فيها كانْسِـلالِ الأَرَاقِمِ
يَفُـوحُ بِهَـا نَشْرُ العبيرِ كأنَّهُ
رسائلُ عطرٍ في أَكُفّ النّوَاسِمِ
يَبُوحُ بِهَا الزّهْرُ المُعَطّـر قَلْبهُ
كَصَبٍّ أذاعَ السّرّ منْ قَلْبِ كَاتِمِ
وَيَجْرِي النّدَى فَوْقَ الزّهور كأنّه
عُقُـودُ جُمَانٍ في قَـلائِدِ نَاظِمِ
مَوَاسِمُ أَحْـلامٍ تَقَضّتْ وَلَمْ يَزَلْ
بِقَلْبِي سَنَاهَا رَغْم َ مَـرّ المَوَاسِمِ
وَلِي مُقْلَةٌ فِي النّأْيِ لَمْ تَعْرِفِ الكَرَى
تَحِـنُّ لذِكْـرَاهَا حَنـِينَ الـرّوَائِمِ
تَحِـنّ إلى الأمْسِ النّضير وَبِشْرِهِ
وعيشٍ كأزْهارِ الحدائق ناعِمِ
ربوعي لقد ضاقَتْ بِيَ الأرضُ بعْدَكمْ
وَبِتّ أذوق الشّهْدَ مُرّ الْمَطاعِمِ
وَتَبْكِي عَلَى الأيَّامِ رُوحي كأنّها
لِطِفْلٍ صَغـيرٍ ضَلّ بَيْنَ أَعَـاجِمِ
أَلا لَيْتَ أنّ الأمسَ ما مرّ ليتَهُ
يعودُ، وَهَلْ عَهْدُ الزَّمان بِدَائِمِ؟!