شاركت فى فعاليات المؤتمر الاقليمى " نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف " بمكتبة الاسكندرية 3- 5 يناير 2015م مع نخبة من أهم المثقفين والمفكرين والاعلاميين والسياسيين العرب والمصريين.

وخلال جلسة "القوى السياسية العربية فى مواجهة التطرف " طرح الدكتور عمرو الشوبكى والدكتور حيدر ابراهيم السؤالين الأهم فى المؤتمر ، حيث تساءل الدكتور الشوبكى : لماذا سيناء ؟ مشيراً الى الحاضنة البيئية والاجتماعية للتطرف ، وتساءل الدكتور حيدر عن سبب فشل المشروعات القومية العربية ،وانطلقت من الاجابة عن هذين السؤالين لطرح رؤيتى للأزمة وتصورى للحل.

السبب الرئيسى لفشل تجربة معظم الأحزاب الاسلامية هو نشأتها المجتمعية فى أحضان جماعات تسيطر عليها الروح القبلية ، وعدم قدرتها على الانتقال الى الصورة الحزبية المدنية الحديثة التى تتجاوز الروابط الأولية للجماعات ، للعمل بآليات حديثة على دعم الرابطة الوطنية وتحقيق المصالح العليا للوطن.

كان هناك اصرار على المضى بروح وأشكال وممارسات البداوة والقبلية وبنفس أسلوب ادارة التنظيمات والجماعات ، فلا تطور لاستيعاب التنوع واعتماد الديمقراطية والشورى ولا قابلية للتأقلم مع الواقع السياسى التنافسى الحزبى برموز سياسية واعلامية محترفة تتجاوز أشكال التعاطى القديم مع الواقع على أرضية النظرة الأحادية والجنوح للصدام والعزلة واصطحاب الجدل على قضايا خلافية فقهية وتوظيف نفس الوجوه الوعظية والدعوية – بل والقتالية – فى أدوار سياسية واعلامية ، فضلاً عن حتمية التلقى من مرجعية الحزب الدينية التى تجمع بين زعامة الجماعة وادارة الحزب.

منشأ الجماعات التى انبثقت منها تلك الأحزاب كان داخل بيئات عشائرية وصحراوية وقروية بدائية ، ولم تتخلص بعد من أساليب الادارة بالزعامة الأبوية وقيم البداوة من الميل للشدة والعنف والتعصب واحتقار المرأة وتطبيق القانون بمعزل عن الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية ، وكان الفشل فى تمدين واحتواء هذه التنويعات الاسلامية الصاعدة شكلاً ومضموناً سببأ فى نشر سلبياتها البدائية فى فراغ اللحظة الراهنة وفضاء ما بعد الانتفاضة الشعبية على الفساد والظلم السياسى والاجتماعى ، ليتحول ما كنا نأمله من تنافس سياسى موضوعى منضبط، الى احتراب طائفى قبلى اقصائى مشبع بالعصبية الدينية ، مما أدخل الدولة فى حلقة مفرغة من عدم الاستقرار السياسى والأمنى.

الانطلاقة والمنشأ من هناك، ولو كانت الانطلاقة من فكر اسلامى صحيح لتغير الوضع تماماً ، فصحيح الفكر الاسلامى منسجم مع قيم المدنية من شورى وتعددية وتنوع وبدائل للتعامل مع المنافسين تقطع الطريق أمام السقوط فى صراعات دموية .. والحاضنة الأساسية أيضاً للتكفير والارهاب هى المجتمع البدوى والبيئة الجبلية الصحراوية من السعودية الى اليمن الى العراق الى سيناء الى الصومال الى أفغانستان.

وما انضم الأوروبيون لداعش – وهذا سؤال كثُر طرحه فى جلسات المؤتمر دون اجابة - الا بسبب ما تسرب اليهم من أفلام هوليوود ووسائل الاعلام الغربية من أفكار شائهة ومحرفة عن الاسلام والمسلمين ، حيث ترسخ فى وعيهم أن هذه الصورة البدوية الرعوية وتلك الممارسات البدائية والهمجية من خلال هؤلاء الغلاظ الأجلاف هى الاسلام ، فتلمسوا التطبيق عند رغبتهم فى اعتناق الاسلام لدى التكفيريين وداعش ، لأنهم الانعكاس الواقعى لما تشربوه من الأفلام الهوليودية.

أكثر المنضمين لداعش من أعماق الصحراء فى شبه الجزيرة العربية أو قرى البداوة فى شمال افريقيا ، أما القلة فمن دول راسخة فى المدنية والتحضر.

وكما أثرت التحزبات القبلية والعصبيات للأسر والعشائر بشكل واضح فى الانعطافات الهائلة فى التاريخ الاسلامى ، هى الآن لها الدور الأكبر فى انتاج الحالة الارهابية وتوفير المحاضن الرئيسية لها فى الصحراوات الشاسعة الممتدة بين الدول العربية.

لذلك تواجه الأمة هذا التحدى الخطير على مستويين ؛ الأول تجفيف منابع البداوة وتقليل مساحات القبلية وتحصين المساحات الصحراوية الواسعة بين العرب ودولهم بماديات التواصل وبمشاريع التنمية والحضارة وداعمات الوحدة العربية الحقيقية من شبكات نقل برى وبحرى وخطوط سكك حديدية .. الخ ، والتى بدونها يظل الواقع العربى مفككاً سهل الاستهداف ، فضلاً عن بقائه تربة خصبة لترعرع الارهاب الذى تزداد صلات تياراته وفصائله تكتلاً عبر فضاءات الانترنت فيمَ تعانى الأمة من التشتت والعزلة والانفصال المادى.

السؤال الذى طرحه الدكتور حيدر حول سبب فشل مشاريع الوحدة العربية ، اجابته محورية داخل استراتيجية مواجهة الارهاب والتكفير ، وربما وضع محمد عابد الجابرى يده على جذور المشكله فى أطروحاته عن التأزم السياسى العربى عندما أكد أن تلك المشاريع الحالمة لم تسبقها مشاريع مادية على الأرض تربط بين الدول العربية على غرار ما حدث بألمانيا ، لأن بسمارك لم ينجح فى مشروع الوحدة الا عندما سبقه اقامة مشروعات مادية كبيرة تربط بين الدول وتقرب بالفعل بين الشعوب.

وفشلت الوحدة منذ الزعيم عبد الناصر الى اليوم لأنه لم يسبقها مشاريع مادية واقتصادية متدرجة على غرار ما حدث فى الاتحاد الأوروبى.

كذلك العمل على تمدين وتحضير وتنمية البيئات الصحراوية القبلية داخل البلاد العربية ومدها بما ينقلها من البداوة الى العصرية ومن سلطة القبيلة الى سلطة الدولة وأن تكون هذه المناطق هى محور الاهتمام الأول فى التنمية واقامة المشاريع فى الصناعة والزراعة وكافة مجالات التنمية ، بحيث تنحاز الى الخيارات الوطنية وتلفظ الفكر التكفيرى وتفشل محاولاته الانفصالية المسلحة ، وبذلك يفقد الارهاب والتطرف أهم بيئاته الحاضنة وأخطر عوامل صموده.

المستوى الثانى نشر ثقافة المدنية والتحضر على الصعيد الاسلامى سواء الشعبى أو التنظيمى ومساعدة الأجيال الشابة من تلك التيارات على استيعاب تلك المفاهيم الضامنة لعدم انزلاقهم الى اعتناق أفكار وقناعات هى أقرب للقبلية والبداوة والتخلف وأبعد ما تكون عن مفاهيم الاسلام الذى نشأ فى جو مدنى حضارى والاسهام فى انجاح التجربة الحزبية الاسلامية بمشاركة من يسعى من التيار الاسلامى للتطوير والوصول الى تجربة حزبية ناضجة.

أبعد ما تكون عن مفاهيم الاسلام .. فأم القرى هى عاصمة المدن حيث كانت تجتذب النشاطات السياسية والاقتصادية القائمة على التجارة والسياحة الدينية ، وليس غريباً أن يتناول القرآن الكريم تلك الظاهرة بهذا الوضوح والحزم فى التنفير منها والحرص على تجفيف منابعها ، فقد ذكر " الأعراب " فى القرآن تسع مرات بالذم والتقريع ومرة واحدة استثنى فيها القلة الصالحة منهم ، وحرمهم القيادة العلمية والسياسية " وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم " ، فصدارتهم كارثة على الاسلام ودوله – والشواهد التاريخية والمواقف يضيق بها المقال-.

وما حدث الانهيار الا عندما اختطفت الاسلام عقلية وثقافة البداوة والقبلية من ثقافة التمدن والتحضر ، فشاع الضعف والتمزق والفوضى والفتن والعنف والتعصب واستخدام السلاح لحسم النزاعات والغلبة والتنافس من أجل الغنائم والجوارى ، وما الذى يحدث من التكفيريين فى اليمن والعراق وسيناء وليبيا الا امتداد لتلك البداوة المهووسة بالتعصب الموبوءة بالتخلف والبدائية.

ولذلك لم يحمد يوسف عليه السلام ربه فقط على خروجه من السجن انما على خروج أهله من البداوة الى الحضارة والعمران والمدنية " وقد أحسن بى اذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو".

تلك هى بيئة الارهاب المثلى ولذلك تستهدف المخططات الغربية ابتداء من مظاهر الحضارة والثقافة والمدنية فى بلادنا ، التى ستظل مخترقة بالارهاب ما لم نغزُ محاضنه بالمدنية ومظاهر الحضارة وعوامل الوحدة المادية ، جنباً الى جنب مع نشر الفكر الاسلامى الصحيح