ألا حيّ بالمقياس ريّا المعالم
شعر محمود سامي البارودي
لعزة ِ هذي اللاهياتِ النواعمِ=تذلُّ عزيزاتُ النفوس الكرائمِ
فَمَا كُنْتُ لَوْلاَهُنَّ تَهْتَاجُنِي الصَّبَا=أصيلاً ، وَ يشجيني هديرُ الحمائمِ
وَلاَ شَاقَنِي بَرْقٌ تَأَلَّقَ مَوْهِناً=كَزَنْدٍ تُوَالِي قَدْحَهُ كَفُّ ضَارِمِ
وَبَيْضَاءَ رَيَّا الرِّدْفِ، مَهْضُومَة ِ الْحَشَا=يُقِلُّ ضُحَاهَا جُنْحَ أَسْوَدَ فَاحِمِ
منَ العينِ ، يحمى خدرها كلُّ ضيغمٍ=بعيدِ مشقَّ الجفنِ ، عبلِ المعاصمِ
فلولا هواها ما تغنتْ حمامة ٌ=بِغُصْنٍ، وَلاَ انْهَلَّتْ شُئُونُ الْغَمَائِمِ
وَلاَ الْتَهَبَ الْبَرْقُ اللَّمُوعُ، وَلاَ غَدَتْ=تحنُّ مطايا نا حنينَ الروائمِ
أَمَا، وَهِلاَلٍ فِي دُجُنَّة ِ طُرَّة ٍ=يَلُوحُ، وَدُرٍّ فِي عَقِيقِ مَبَاسِمِ
لَقَدْ أَوْدَعَ الْبَيْنُ الْمُشِتُّ بِمُهْجَتِي=نُدُوباً، كَأُثْرِ الْوَشْمِ مِنْ كَفِّ وَاشِمِ
وَكَمْ لَيْلَة ٍ سَاوَرْتُهَا نَابِغِيَّة ٍ=سقتني بما مجتْ شفاهُ الأراقمِ
كَأَنَّ الثُّرَيَّا كَفُّ عَذْرَاءَ طَفْلَة ٍ=بهِ رعشة ٌ للبينِ ، بادي الخواتمِ
إذا اضطربتْ تحتَ الظلامِ تخالها=دُمُوعَ الْعَذَارَى فِي حِدَادِ الْمَآتِمِ
وَ برقٍ يمانيًّ أرقتُ لومضهِ=يطيرُ بهدابٍ كثيرِ الزمازمِ
كأنَّ اصطخابَ الرعدِ في جنباتهِ=هديرُ فحولٍ ، أوْ زئيرُ ضراغمِ
تَخَالَفَتِ الأَهْوَاءُ فِيهَا: فَعَاذِرٌ=هوايَ الذي أشكو ، وآخرُ لائمي
وَ نافسني ، في حبها كلُّ كاشحٍ=يلفُّ على الشحناءِ عوجَ الحيازمِ
فكمْ صاحبٍ ألقاهُ يحملُ صدرهُ=فؤادَ عدوًّ في ثيابِ مسالمِ
أُغَالِطُهُ قَوْلِي، وَأَمْحَضُهُ الْوَفَا=كأني بما في صدرهِ غيرُ عالمِ
وَ منْ لمْ يغالطْ في الزمانِ عدوهُ=وَيُبْدِي لَهُ الْحُسْنَى ، فَلَيْسَ بِحَازِمِ
فيا ربة َ الخالِ التي هدرتْ دمي=وَأَلْقَتْ إِلَى أَيْدِي الْفِرَاقِ شَكَائِمِي
إِليْكِ اسْتَثَرْتُ الْعَيْنَ مَحْلُولَة َ الْعُرَا=وَفِيكِ رَعَيْتُ النَّجْمَ رَعْيَ السَّوَائِمِ
فَلاَ تَتْرُكِي نَفْسِي تَذُوبُ، وَمُهْجَتِي=تسيلُ دماً بينَ الدموعِ السواجمِ
أقولُ لركبس مدلجينَ ، هفتْ بهمْ=رياحُ الكرى ، ميلِ الطلى وَ العمائمِ
تجدُّ بهمْ كومُ المهاري لواغباً=عَلَى مَا تَرَاهُ، دَامِيَاتِ الْمَنَاسِمِ
تصيخُ إلى رجعِ الحداءِ ، كأنها=تحنُّ إلى إلفٍ قديمٍ مصارمِ
وَ يلحقها منْ روعة ِ السوطِ جنة ٌ=فَتَمْرُقُ شُعْثاً مِنْ فِجَاجِ الْمَخَارِمِ
لهنَّ إلى الحادي التفاتة ُ وامقٍ=فمنْ رازحٍ معى ، وآخرَ رازمِ
ألاَ أيها الركبُ الذي خامرَ السرى=بكلَّ فتى ً للبينِ أغبرَ ساهمِ
قِفَا بِي قَلِيلاً، وَانْظُرَا بِيَ؛ أَشْتَفِي=بلثمِ الحصى بينَ اللوى فالنعائمِ
فَكَمْ عَهْدِ صِدْقٍ مَرَّ فِيهِ، وَأَعْصُرٍ=تَوَلَّتْ عِجَالاً دُونَ تَهْوِيمِ نَائِمِ
أَبِيتُ لَهَا دامِي الْجُفُونِ مُسَهَّداً=طريحَ الثرى ، محمرَّ طرفِ الأباهمِ
وَمَا هَاجَنِي إِلاَّ عُصَيْفِيرُ رَوْضَة ٍ=على َ ملعبٍ منْ دوحة ِ الضالِ ناعمِ
يَصِيحُ، فَمَا أَدْرِي: لِفُرْقَة ِ صَاحِبٍ=كَرِيمِ السَّجَايَا، أَمْ يُغَنِّي لِقَادِمِ؟
كَأَنَّ الْعُصَيْفِيرَ اسْتُطِيرَ فُؤَادُهُ=سروراً بربَّ المكرماتِ الجسائمِ
أبو المجدِ ، نجلُ الجودِ ، خالُ زمانهِ=أخو الفخرِ " إسماعيلُ " خدنُ المكارمِ
قَشِيبُ الصِّبَا، كَهْلُ التَّدَابِيرِ جَامعٌ=صنوفَ العلا وَ المجدِ في صدرِ جازمِ
تجمعَ فيهِ الحلمُ ، وَ البأسُ ، وَ الندى=فَلَيْسَ لَهُ فِي مَجْدِهِ مِنْ مُزَاحِمِ
ذكاءُ " أرسطاليسَ " في حلم " أحنفٍ "=وَ همة ُ " عمرو " في سماحة ِ " حاتمِ "
لهُ تحتَ أستارِ الغيوبِ ، وَ فوقها=عيونٌ ترى الأشياءَ ، لاَ وهمُ واهمِ
فنظرتهُ وحيٌ ، وَ ساكنُ صدرهِ=فؤادُ خبيرٍ ، ناطقٍ بالعظائمِ
تكادُ لعلياهُ الملائكُ ترتمي=على كتفيهِ ، كالطيورِ الحوائمِ
أرَاهُ، فَيَمْحُونِي الْجَلاَلُ، وَأَنْتَحِي=أُغَالِطُ أَفْكَارِي، وَلَستُ بِحَالِمِ
وَ توهمني نفسي الكذابَ سفاهة ً=أَلاَ، إِنَّمَا الأَوْهَامُ طُرْقُ الْمَآثِمِ
هوَ السيفُ ، في حديهِ لينٌ وَ شدة ٌ=فتلقاهُ حلوَ البشرِ ، مرَّ المطاعمِ
تَرَاهُ لَدَى الْخَطْبِ الْمُلِمِّ مُجَمِّعاً=عُرَا الْحِلْمِ، ثَبْتَ الْجَأْشِ، مَاضِي الْعَزَائِمِ
لهُ النظرة ُ الشزراءُ ، يعقبها الرضا=لإسعافِ مظلومٍ ، وَ إرغامِ ظالمِ
فلولا ندى كفيهِ أوقدَ بأسهُ=لَدَى الرَّوْعِ أَطْرَافَ الظُّبَا وَاللَّهَاذِمِ
وَ لولا ذكاهُ أعشبتْ بيمينهِ=قَنَا الْخَطِّ، وَاخْضَلَّتْ طُرُوسُ الْمَظَالِمِ
لهُ بيتُ مجدِ ، زفرفتْ دونَ سقفهِ=حَمَامُ الدَّرَارِي، مُشْمَخِرُّ الدَّعَائِمِ
فمنْ رامهُ ، فليتخذْ من قصائدي=سطوراً إلى مرقاهُ مثلَ السلالمِ
فيابنَ الألى سادوا الورى ، وانتهوا إلى=تَمَام الْعُلاَ مِنْ قَبْلٍ نَزْعِ التَّمَائِمِ
أُهَنِّيكَ بِالْمُلْكِ الَّذِي طَالَ جِيدُهُ=بعزكَ ، حتى حلَّ بيتَ النعائمِ
لَسَوَّدْتَهُ بِالْفَخْرِ، فَابْيَضَّ وَجْهُهُ=بِأَسْمَرَ خَطِّيٍّ، وَأَبْيَضَ صَارِمِ
تَدَارَكْتَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ كَادَ يَنْمَحِي=لِفَرْطِ تَبَارِيحِ الدُّهُورِ الْغَوَاشِمِ
بَكَى زَمَناً، وَاغْبَرَّ، حَتَّى أَتَيْتَهُ=فَعَادَ رَحِيبَ الصَّدْرِ، طَلْقَ الْمَبَاسِمِ
وَ سستَ الورى بالعدلِ حتى تشوقاً=إِلَيْكَ التَوَى جِيدُ الدُّهُورِ الْقَدَائِمِ
وَجِئْتَ مَجِيءَ الْبَدْرِ مَدَّ شُعَاعَهُ=عَلَى أُفُقٍ بِالْجَوْنِ وَحْفِ الْقَوَادِمِ
برأيٍ كخيطِ الشمس نوراً ، تخالهُ=فِرِنْداً تَمَشَّى فِي خُدُودِ الصَّوَارِمِ
فَلَوْ مِصْرُ تَدْرِي أَرْسَلَتْ لَكَ نِيلَهَا=لِيَلْقَاكَ فِي جُنْحٍ مِنَ اللَّيْلِ قَاتِمِ
وَ جاءتْ لكَ الأهرامُ تسعى تشوقاً=إِلَى دَارِ «قُسْطَنْطِينَ» سَعْيَ النَّسَائِمِ
فَبُورِكْتَ فِي مُلْكٍ وَرِثْتَ ذَمَاءَهُ=وَ خلدتهُ في نسلِ مجدٍ أكارمِ
بهمْ كلُّ غطريفٍ ، يمدُّ إلى العلا=يداً خلقتْ فينا لبذلِ المكارمِ
يجولُ مجالَ البرقِ وَ الخيلُ ترتمي=بأعطافها في المأزقِ المتلاحمِ
فما روضة ٌ غناءُ باكرها الحيا=بأوطفَ ساجٍ ، أشعلِ البرقِ ساجمِ
يضوعُ بها نشرُ العبيرِ ، فتغدي=تقاسمهُ فينا أكفُّ النواسمِ
إذا الشمسُ لاحتْ منْ خلالِ ظلالها=عَلَى الأَرْضِ، لاَحَتْ مِثْلَ دُورِ الدَّرَاهِمِ
يَقِيلُ بِهَا سِرْبُ الْمَهَا وَهْوَ آمِنٌ=فمنْ أربدَ ساجٍ ، وَ أحورَ باغمِ
بألطفَ منْ أخلاقهمْ وَ صفاتهمْ=إِذَا الْعُودُ ضَمَّتْهُ أَكُفُّ الْعَوَاجِمِ
وَمَا الشِّعْرُ مِنْ دَأْبِي، وَلاَ أَنَا شَاعِرٌ=وَ لاَ عادتي نعتُ الصوى وَ المعالمِ
وَ لكنْ حداني جودهُ ؛ فاستثارني=لِوَصْفِ مَعَالِيهِ الْعِظَامِ الْجَسَائِمِ
وَكَيْفَ، وَجَدْوَاهُ ثَنَتْ ضَبْعَ هِمَّتِي=وَهَزَّتْ إِلَى نَظْمِ الْقَرِيضِ قَوَادِمِي
فتلكَ لآلٍ ، أمْ ربيعٌ تفتحتْ=أزاهرهُ كالزهرِ ، أمْ نظمُ ناظمِ ؟
وَمَا هُوَ إِلاَّ عِقْدُ مَدْحِ نَظَمْتُهُ=لجيدِ علاهُ في صدرِ المواسمِ
فعشْ ما تغنتْ بالأراكِ حمامة ٌ=وَمَا اتَّجَهَتْ لِلْبَرْقِ نَظْرَة ُ شَائِمِ
لَكَ السَّعْدُ خِدْنٌ، وَالْمَهَابَة ُ صَاحِبٌ=وَ شخصُ العلاَ وَ النصرِ في زيَّ خادمِ
منسوخة عن الانترنت وأعتذر إن وجدت فيها أخطاء في الطباعة