الناقد جاك شاهين تحدث باسهاب عن كيفية تناول هوليوود للعرب والمسلمين من خلال مشاهدته لأكثر من ألف فيلم سينمائى ، أنتجتها هوليوود خلال قرن كامل ، مؤكداً أن الصورة التى رسمتها هوليوود للعرب فى أفلامها شبيهة بتلك التى رسمها النازيون لليهود قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية ، وأن تشويه هوليوود لصورة العرب سهل الطريق أمام سياسة الادارة الأمريكية ؛ فبعد عشرات الأعوام من تصوير العرب والمسلمين بأنهم أعداء أشرار كان هناك عدد قليل جداً من المحتجين على غزو العراق .. ويقول فى نهاية كتابه : " العرب يبدون متخلفين وخطرين عند النظر اليهم عبر عدسات هوليوود " .
فى هوليوود – معمل الاساءة والتشويه - ظهر مصطفى العقاد وصال وجال وحيداً فى عقر دار الصهاينة الفنى ، مما أذهلهم رحمه الله بأفلام " الرسالة " و " عمر المختار " ، عندما استخدم هوليوود واستديوهاتها وممثليها فى انتاج أفلام سينمائية غاية فى الروعة تعكس صورة الاسلام الصحيحة وتفضح للعالم حجم الزيف الذى تعرض له تاريخ الاسلام وصورة المسلمين .
رفض تغيير اسمه فكان رحمه الله معتزاً بنفسه ، فخوراً بعروبته واسلامه .. وقال عن انجازه الفنى الفريد الذى أبهر العالم: " انه نوع من المسئولية تجاه أولادى وأولاد العرب المغتربين ، لتعزيز الانتماء الى الجذور وتبليغ رسالة الاسلام العالمية لكل البشر " وقال .. " شعرت بواجبى كمسلم عاش فى الغرب بأن أقوم بذكر الحقيقة عن الاسلام " .
كان يتمنى صناعة فيلم مميز عن القائد الاسلامى الشهير صلاح الدين الأيوبى ، بلغة سينمائية تخاطب الجمهور الغربى ، ويقوم ببطولته ممثلون غربيون لكى يتحقق للفيلم الاقبال الجماهيرى المطلوب ، وليثبت للعالم عروبة فلسطين وحقوق الفلسطينيين ، ولتقديم النموذج الأمثل للتعايش بين الغرب والاسلام ؛ لأنه كان يعتقد أن الأمة العربية والاسلامية تحتاج الى قائد كصلاح الدين يتحدث للغرب باسم المسلمين أو بالنيابة عنهم .. وتمنى العقاد صناعة فيلم عن دور " قرطبة " كمركز اشعاع حضارى ، وآخر عن " صبيحة الأندلس " المرأة التى حكمت الأندلس .. وكان قد حضر لسيناريو فيلم يتناول الوثيقة التاريخية التى نشرتها صحيفة صنداى تايمز البريطانية عن وفد أرسله ملك انجلترا " جون الثالث " الى الخليفة الاسلامى فى قرطبة عام 1213م يقترح فيها أن تكون بلاده تحت حماية خليفة المسلمين ، وأن تدفع انجلترا الجزية الى الخليفة ، لكن جواب الخليفة كان " ان ملكاً يقبل أن يبيع شعبه ومملكته لا يستحق حمايتنا " .
نزل المخرج العالمى عام 2005م الى بهو فندق " الجراند حياة " فى العاصمة الأردنية عمان ، لاستقبال ابنته " ريما " التى وصلت من بيروت لتحضر مع أبيها زفاف أحد الأصدقاء ، فحدث الانفجار الرهيب وتحول الفرح الى طقوس رعب .
ساجدة مبارك عطروس الريشاوى انتحارية عراقية من مواليد 1970م شاركت زوجها على حسين على الشمرى فى تنفيذ تفجيرات الأردن عام 2005م بتخطيط وتوجيه من أبو مصعب الزرقاوى ، التى أسفرت عن 57 قتيلاً و 115 جريحاً ، ومن بين القتلى المخرج الكبير مصطفى العقاد وابنته ريما ، ونجت الريشاوى عندما لم ينفجر حزامها .. واليوم يقايض البغدادى بها مقابل الرهينة الأردنى الطيار معاذ الكساسبة .
لا شئ .. فقط احببت أن أذكركم هنا وأرسم أمامكم معدل الهبوط والتدنى ، فصانع الابداع والمناضل فى مواجهة تشويه المسلمين والعرب يموت وابنته فى تفجير ارهابى قبل عشرة أعوام ، لتغتال مشاريع اظهار الوجه الحضارى للاسلام والترويج لصلاح الدين وانسانيته وعدله ورحمته ونبله فى ساحات القتال .. ليظل فى الساحة حفيد ووريث الزرقاوى فى انتاج ميدانى متواصل يعكس صورة مشوهة بدائية همجية للعرب والمسلمين ، تمثل المادة المفضلة التى تتغذى عليها صناعة القبح والكراهية والتشويه الهوليوودية .
توقف انتاج الرموز الاسلامية النبيلة على الأرض التى تعكس الصورة الحقيقية للمفاهيم الاسلامية فى الحكم والشورى والحريات والعدل والتعددية والتنوع واحترام عقائد الآخر والعفو عند المقدرة والتسامح ، وطغت نماذج طويلة الشعر تذبح وتفجر وتخرب ، متعطشة للقتل .. وتتشدد فى فرعيات ومظاهر وعناوين ، وتضرب بالجوهر والقيم والمقاصد العليا والكليات والمبادئ عرض الحائط .
لتظل هوليوود تتغذى وتكتسب المصداقية .. ونبحث فى الشاشات عن ابداع العقاد – وابداع مخرجين مصريين كبار أنتجوا " فجر الاسلام والشيماء وبلال مؤذن الرسول .. الخ - فلا تقع أعيننا الا على السبكى وهانى فوزى والدغيدى وهز الوسط والعلاقات غير المشروعة والعرى .
نحن أمة تقتل ابداعها الحضارى وتهيل التراب على تاريخها المشرق .. وتقتل مبدعيها ومناضليها الحقيقيين .. وتحترف صناعة ما يسعد الأعداء .