أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: إطلالة على ديوان "ضجيج على قارعة الصمت" لمختار محرم

  1. #1
    الصورة الرمزية عبد الله محمد الشميري شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2011
    الدولة : صنعاء - اليمن
    المشاركات : 320
    المواضيع : 13
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي إطلالة على ديوان "ضجيج على قارعة الصمت" للشاعر الدكتور مختار محرم

    مقالي الجديد:

    إطلالة على ديوان "ضجيج على قارعة الصمت" للشاعر مختار محرم
    بقلم : عبد الله الشميري

    ________

    هذه ليست قراءة نقدية تتناول ديوان "ضجيج على قارعة الصمت" للصديق الشاعر اليمني الدكتور مختار محرم؛ بقدر ما هي نافذة حاولتُ أن أطلّ من خلالها على هذا المنجز الشعري المتفوّق بما يضمُّ بين دفَّتيه من قصائد تحلّق عاليًا في ملكوت الإبداع والنضج.

    في 37 لوحة شعرية بديعة يعلو ضجيج الشعر صاخبًا، وتتشكّل ديمومة شعرية عذبة خالية من أي تكلّف أو تصنع، ونلحظ هذا حتى في عناوين القصائد نفسها التي تتكئ على تقنية الهمس الشفيف والبساطة الخالية من التعقيد والغموض
    ( غربة، تهاويم مسافر، احتراق، أحبيني، ابتسامتك، وداع، كما شئت، زفرات.... ).

    يستهل مختار ديوانه الثاني بقصيدة "مسافات الحنين" وهي قصيدة تطابق قصيدته "حنين المسافة" التي استهلّ بها ديوانه الأول.

    وهو في "مسافات الحنين" كما في "حنين المسافة" يشرع باب القصيدة على مصراعيه في مقاطع رباعية هامسة تتشابه في الوزن "فاعلن" بينما تختلف في القافية:

    سادرٌ ليلُ حزني يدقُّ نواقيسَ عشقي الذي خانني في البداية
    كل أحلام شمسي تغادرُ فجري وتتركني للغرابة آية
    ما الذي جاءَ بي ها هنا لستُ أدري وكيف تُرى ستكون النهاية
    أيُّ أرضٍ تنكّرتَ قلبي لها سوف ترضى بأن تستعيدَ الحكاية

    وهو هنا كما هناك يحسو جراح الغربة وينزفها شعرًا، ويشدّ الرحال إلى موطنه ولكن من خلال امتطاء صهوة الكلمة الشاعرة التي تراوِح بين مطرقة الحنين الذي لا ينضب معينه، وسندان المسافة التي تفصل بين الشاعر ووطنه، وهي مسافة تحمل أبعادًا شتّى أكثر من كونها مسافة مكانية فحسب، بل هي مسافات وليست مسافة واحدة، وهذا ما ينبي عنه عنوان القصيدة بعكس قصيدة الديوان الأول.

    يشدّه الحنين وتباعده تلك المسافات إلى الوطن وتحديدًا إلى صنعاء التي وُلد وترعرع فيها:

    أدركوني بنفحة (آزال) كي أرتوي من نسائمها يا رفاقي

    ثم ها هو في غربته الكثيفة يقهر رياح الحزن بإيمانه، وينتزع معاني الأمل من أنياب الألم، فيوقد الحزن ويصنع منه نجومًا تضيء ليل غربته الدامس، ثم يستحضر بون المسافة الشاسعة التي تفصله عن وطنه فيقول في قصيدة "إبحار":

    كم تعثّرتُ ولكنْ
    لم آكن آبه بالعثرة يومًا
    بل بما يفصلني
    من مسافاتٍ للقيا وطني

    وبالمناسبة فهذه القصيدة من القصائد القليلة في الديوان التي بُنيتْ على نظام التفعيلة، فيما كان للبناء العمودي حضوره الأبرز وهيمنته على معظم القصائد.

    وفي محراب "الحب" تتبتّل معظم قصائد الديوان، وهو في الحب كما في غيره شاعر متمكّن يخلص للحرف فيطوّعه بين يديه ويصنع منه أعجوبة قلّ نظيرها.

    والحب أحيانًا عند مختار شقيق الحزن والألم في كثير من قصائده كما في "طلل" التي يخاطب فيها حبيبته التي لولاها لما عانى من حزنه وسقمه:

    لو لم تكوني في الحياة لما ** عانيتُ من حزني ومن سقمي

    وتصل به قسوة الألم إلى أن يصرخ في قصيدة أخرى:

    في درب ملهمتي ضاعت خطايَ سدى ** أمضي وأزمنتي تمضي بغير هدى
    حزني ألملمه من كل ناحيةٍ ** حولي فينثرني جرحًا بكل مدى

    على أنه هنا يتحسّر على مغادرة الحبيبة له فيستحضر عذابَ الهجر، ثم يتلو بيان العشق الصريح في قصيدة "إني عشقتك" وبإيقاع موسيقي سريع، ولغة رومانسية متحفزة:

    جودي فديتُكِ باتصالِك ** وسلي أجبكِ على سؤالِك
    من أنتَ؟! إني ذلك المذكور سهوًا في احتفالِك

    وفي قصيدة عذبة بعنوان "ابتسامتك" ترقّ اللغة الشاعرية فيهمس:

    عندما تبتسمينْ
    تضحكُ الأيام في وجهي فتنسى
    مهجتي قهر السنينْ
    تشرقُ الشمسُ على القلبِ الحزينْ
    تولَد الفرحة أطواقًا من الفلّ
    وعقدًا من زهور الياسمينْ
    عندما تبتسمينْ

    وهي في رأيي من أجمل القصائد الغزلية في الديوان، وتشابه في عذوبتها قصيدته "جميل بثينة":

    أحبك أنتِ
    وأهواكِ أنتِ
    وما كنتُ في عالم الحب أسكنُ
    إلا إذا أنتِ فيه سكنتِ
    فقولي أحبكَ
    قولي وإن قال واشوكِ إنكِ بي قد جُننتِ

    وفي قصيدة "أحبيني":

    سأجمعُ من دمي بوحًا يُلعثمني ** ولحنًا تشتكي أوتاره عزفي
    وأبياتًا تقول بكل قافيةٍ ** لماذا لم أعُد ألقاكِ يا نِصفي
    أحبكِ يا انسياب الشعر في لغتي ** أحبكِ يا غرامًا ساكنًا حرفي

    ولا يكفّ يعاتب فاتنته ويلومُ الحب بلغة شعرية جذابة كما في قصيدة "دعد":

    لا تعذليني .. لم أعد وطنًا ** لهواكِ يبني فيَّ أركانَه
    تبًا لحب ضعتُ فيه سدى ** وأضعتُ أزمنتي وأزمانه
    ما دمتِ لا تهوين أغنيتي ** لا تجرحي وتري وألحانَه

    ثم في قصيدة أخرى ينتصر للحب فهو العاشق الولهان، والعشق هنا ضياء يغذي مسامات روحه وأفق حياته فلا طعم للحياة بلا حب:

    إذا المرء لم يستوطن الحب روحه ** فكلّ ضحى في أفق عينيه مظلمُ
    سيحيا بلا قلبٍ ويرجع خائبًا ** ويقتلهُ من بعد عمرٍ تندّمُ
    أنا العاشق المأسورُ أهوى أميرةً ** يهيمُ بها قلبي ولا يتكتمُ

    ورغم أن هذه القصيدة كُتبتْ على بحر "الطويل" وهو من أعتى البحور الشعرية وأكثرها كلاسيكية وعرامة، إلا أن مختار استطاع ترويض هذا البحر الهائج فأنتجَ قصيدة عذبة جميلة.

    وكما لمختار صولات وجولات في مضمار الحب والغزل فهو أيضًا من الشعراء الذين لا يتنكرون لقضايا وطنه وأمته، بل هو فارس في هذا الميدان يحمل هموم وطنه وأمته، ويجاهر بمواقفه الصلبة، ويتجلى ذلك في عدة قصائد كما في "على أطلال الربيع"، "صحوة شعب"، "طوائف"، "ذنب الكتابة".

    وهو فيها يحدد موقفه بوضوح، وموقف الكلمة الحرة الذي يتبناه من خلال شعره الذي يعبّر عنه في إحدى قصائد الديوان قائلًا:

    إلى متى الحرف يبدو صامتًا ** هل ملّه الصوتُ أم يهوى الصممْ
    كفرتُ بالشعر والنثر الذي ** رأى فم النور يبكي فابتسمْ

    وفي قصيدته "طوائف" يعلن أنه لا يأبه بصراع الطائفية وينبذه:

    لأن الصراع صراع طوائف ** سأعلن أني بلا طائفة

    ولا يفتأ يهاجم السياسة التي تزخر بشعارات زائفة، ثم يؤكد في ختام القصيدة أن قضية فلسطين هي قضيته الأم التي تستدعي اهتمامه، وتدفعه لتقديم الغالي والنفيس في سبيل تضميد جراحها وتحريرها من ربقة الاحتلال الغاشم:

    فإن سال دمع فلسطين نازفْ ** ولاحت جراحاتها نازفة
    وأضحتْ تلملمُ تيه المواقفْ ** ورغم الجراحِ بدتْ واقفة
    سأهتفُ يا قبلة الكون آسِفْ ** خذي مهجتي قبلةً ناسِفة

    وفي القصيدة إشارة غير مباشرة إلى أن حروب الطائفية التي ابتليتْ بها الأمة قد ساهمت للأسف في تغييب قضية فلسطين من أذهان الناس فانساقوا خلف تلك الحروب التي تغذيها السياسة.

    وفي قصيدة "إلى بعوضة" يعبر ببديهية شعرية عن بعوضة حطّت على يده وأطالتْ وقوفها؛ فيخاطبها قائلًا:

    إن كنتِ تريدين طعامًا ** فاقتنعي مني .. لن تجدي
    أوَ ما تدرين بأن دمي ** قد تاه بقلبي من كمدي

    ويختم القصيدة بتناص طريف مع الواقع البئيس الذي يعيش فيه اليمنيون:

    وادخري وقتكِ قارصتي ** وخذيها مني (بالبَلَدي)
    إن كنتِ تريدين حياةً ** فعن اليمنيين ابتعدي

    وفي قصيدة "ذنب الكتابة" التي يتماهى فيها مع وطنه عشقًا من جهة، وحزنًا على ما آل إليه وضعه من جهة أخرى:

    وطني .. ويبتعدُ السؤالُ عن الإجابة ** والوقتُ يزرعُ في دقائقه الرتابة
    وطني وساحاتٌ على أطرافها ** قُتِلَ النبيُّ وحولهُ صُلِبَ الصحابة
    وطني .. وأفئدةٌ تراوِحُ نبضها ** رحلَ الربيعُ ولم تعِشْ يومًا شبابه

    وله قصائد أخرى تحلّق في فضاءات هموم الكتابة، ولا أظن شاعرًا مخلصًا للحرف يخلو من هذه الهموم، وهي ترتبط بشكل وثيق لدى مختار بهموم وطنه وغربته وحبه وحزنه كأصدق وأجمل ما تكون هموم الكتابة لدى شاعر.
    فها هو يتحدث عن شيطان شعره بلغة بردّونية فيها توظيف لجملة من المصطلحات العامية الدراجة:

    من أين يرتجلُ القوافي ** ويراعُهُ في السطر حافي؟!
    في وجهه ارتسمَ الشقاءُ تشاءمت منه المنافي
    وتبعثرتْ في دربه الوديانُ والتقتِ الفيافي

    وفيها:

    يستنهضُ الآلام والأحزانَ والدنيا عوافي

    وأيضًا:

    قزمٌ يمدُّ الشعرَ ساقًا من (شعوب) إلى (الجرافِ)

    ويختم هذه القصيدة:

    هو قبل ميلادي تفتق هل سيذبلُ باقتطافي؟؟
    فإذا اعترفتُ به يعيشُ أموتُ لو رفض اعترافي

    وعن ثنائية الصمت والبوح يصوغ قصيدة "ضجيج على قارعة الصمت" وهي القصيدة التي سمّيَ باسمها الديوان وبها اختُتِم، ومطلعها:

    هل لي بصمتٍ يستبيحُ جدالي ** وإجابة تسقي وجوهَ سؤالي؟!
    هل لي بتاريخٍ يقصُّ حقيقتي ** يجتاحُ ذاكرة الزمان البالي

    وفيها:

    قف أيها الصمت الذي يحتلني ** دعني أرتِّبُ جاهدًا أقوالي
    دعني أقلِّم شاردات قصائدي ** وألمُّ تيه اللحن في موَّالي
    وأراودُ الأحلامَ عن أسمائها ** ليزيدَ حزنُ رمادها إشعالي

    وبعدُ فهذه إطلالة مقتضبة لا تحيط بهذا الديوان إلا بمقدار ما يقبضُ المرء في كفيه من مياه البحر الزاخر، والديوان عمومًا شاهدٌ على تجربة شعرية ناضجة، وعلى طور متقدم وصلت إليه تجربة مختار محرم الشعرية،

    وإذا كانت الكتابة "إخلاص معادل لما يدور في النفس الإنسانية، وما يصدر عنها من مشاعر وأحاسيس" كما يعرّفها الدكتور عبد العزيز المقالح في معرض حديثه عن سمات إحدى المدارس التجديدية الحديثة في الشعر العربي؛ فإني أجزمُ أن الشاعر مختار محرم لم يُجاوز في كتابته الشعرية هذا المعنى، ويبدو ذلك واضحًا من خلال انتقال حرارة تلك المشاعر والأحاسيس التي ينثرها في قصائده إلى قارئها، وهو بلا شك ماضٍ بخطى واثقة في وضع اسمه بجدارة يومًا ما في واجهة المشهد الشعري اليمني والعربي عمومًا.

    الأحد 8 – 2 – 2015 م
    صنعاء


    التعديل الأخير تم بواسطة د. مختار محرم ; 20-03-2015 الساعة 11:19 PM

  2. #2
    الصورة الرمزية د. مختار محرم شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2011
    الدولة : في بيتٍ ما
    المشاركات : 3,219
    المواضيع : 139
    الردود : 3219
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي

    الرائع الأديب والشاعر عبد الله محمد الشميري
    شكرا لك على هذا الغوص الجميل في ثنايا كلماتي
    شعرت وأنا أقرأ حروفي أنني أتعرف عليَّ بعيون غير عيوني .. بعيون الصديق الناقد الحصيف
    ما أروعك
    وما أروعني بك

  3. #3
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. مختار محرم مشاهدة المشاركة
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    قراءة انطباعية موفقة في ديوان ضم بين دفتيه كنزا شعوريا مدهشا
    وقد قلت في مكان آخر هنا أن من يقرأ حرف الرائع مختار محرم شاعرا وإنسانا يدرك استحقاق روائعة لدراسات وقراءات تتبع مسار الحرف والفكر المطلق شهبه والمفجر براكين فرحه وحبه وغضبه

    وقد تفضل الرائع عبد الله الشميري بعمل قراءة لافتة حظيت في جولتي في دوحتها بقراءة ماتعة وإضاءات على درر الشعر والشعور والفكرة في زهرات حطت عليها نحلات تأمله
    فشكرا لجهده وروعة قراءته
    وللشاعر المبدع دز مختار محرم روعة وبهاء حرفه

    ودمتما بألق
    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

المواضيع المتشابهه

  1. ديواني الثاني ضجيج على قارعة الصمت
    بواسطة د. مختار محرم في المنتدى أَنْشِطَةُ وَإِصْدَارَاتُ الأَعْضَاءِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 23-03-2015, 01:02 AM
  2. ضجيج على قارعة الصمت
    بواسطة د. مختار محرم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 29
    آخر مشاركة: 17-06-2014, 05:00 PM
  3. رواية أوزار اهل السامرة -الفصل الاول-"ضجيج الصمت"
    بواسطة مروان الطيب بشيري في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-09-2008, 01:21 PM
  4. ضجيج على حافة الصمت
    بواسطة حنان الاغا في المنتدى مُنتَدَى الرَّاحِلَةِ حَنَانِ الأَغَا
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 02-08-2007, 06:25 PM
  5. ضجيج الصمت
    بواسطة مأمون احمد مصطفى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-08-2005, 06:56 PM