قال ابن القيم في كتابه القيم إعلام الموقعين و هو يشرح كتاب عمر في القضاء :
( صِحَّةُ الْفَهْمِ وَحُسْنُ الْقَصْدِ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى عَبْدِهِ، بَلْ مَا أُعْطِيَ عَبْدٌ عَطَاءً بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ وَلَا أَجَلُّ مِنْهُمَا
بَلْ هُمَا سَاقَا الْإِسْلَامِ، وَقِيَامُهُ عَلَيْهِمَا، وَبِهِمَا يَأْمَنُ الْعَبْدُ طَرِيقَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ الَّذِينَ فَسَدَ قَصْدُهُمْ وَطَرِيقُ الضَّالِّينَ الَّذِينَ فَسَدَتْ فُهُومُهُمْ، وَيَصِيرُ مِنْ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ الَّذِينَ حَسُنَتْ أَفْهَامُهُمْ وَقُصُودُهُمْ
وَهُمْ أَهْلُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِينَ أُمِرْنَا أَنْ نَسْأَلَ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَنَا صِرَاطَهُمْ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَصِحَّةُ الْفَهْمِ : نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ، يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ
وَيَمُدُّهُ : حُسْنَ الْقَصْدِ، وَتَحَرِّي الْحَقَّ، وَتَقْوَى الرَّبِّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَة ِ
وَيَقْطَعُ مَادَّتُهُ : اتِّبَاعَ الْهَوَى، وَإِيثَارَ الدُّنْيَا، وَطَلَبَ مَحْمَدَةِ الْخَلْقِ، وَتَرْكَ التَّقْوَى )
و الناس من حيث الفهم و القصد انقسموا إلى أقسام أربعة:
الأول : من صح فهمه و ساء قصده ، و هم علماء الضلال ، و تجار الدين ، و هؤلاء أشبه باليهود ( المغضوب عليهم ) ، و يصدق فيهم قول الشاعر :
ذئب تـــراه مصلياً *** فإذا مــــررت به ركعفإذا الفريسة أوقعت *** ذهب التنسك والورع
يدعو وكل دعــــــائه *** مـا للفريســــة لا تقع
عجل بها عجل بـــها *** إن الفـؤاد قد انصدع
الثاني : من ساء فهمه و صح قصده ، وهم المتصفون بالحماس و الغيرة مع جهل و قلة علم ، مثل الخوارج و إخوانهم ، و هؤلاء أشبه بالنصارى الضالين .و يصدق فيهم قول القائل :
وكم من عائب قولا صحيحا *** و آفته من الفهم السقيم
هؤلاء الذين ضل سعيهم و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، يفسدون أكثر مما يصلحون ، ويضرون أكثر مما ينفعون ، و ينطبق عليهم قول القائل :
وإن عنــــــــاء أن تفــهم جــــــاهلا ***فيحسب جـهلا أنه منك أفهم
متى يبــــــلغ البنيان يــــوما تمامه ***إذا كنت تبنــيه وغيرك يهدم
متى يرعوي عن سيء من أتى به ***إذا لم يكن منه علـــــيه تندم
الثالث :من ساء فهمه و ساء قصده ، و هؤلاء هم المنافقون ، و يلحق بهم العلمانيون و الليبراليون و الماسونيون و العصرانيون و الحداثيون ، و سائر إخوانهم ، الذين جمعوا بين الجهل و خبث المقصد فهم يستغلون أخطاء الاسلاميين و المتمسلمين و يتاجرون بها ، و يطيرون بها كل مطار ، ويستثمرونها لتشويه الدين و الطعن فيه و في رسوله .
الرابع : من صح فهمه و حسن قصده ، و هؤلاء خير الناس و هم الذين ( أنعم الله عليهم ) ، جمعوا بين العلم و العمل .
و ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية ( داعش) فيهم نوعان :
الأول : من صح فهمه و ساء قصده ، يعرف الحق و يعمل على هدمه ، يتحرك بفهم و دراسة و يحمل نوايا خبيثة ، و مقاصد دنيئة ، وهم الزعماء و القادة ، و من يدعم هذا التنظيم سرا أو جهرا من الدول و الحكومات الشرقية و الغربية .
الثاني : من ساء فهمه و حسن قصده ، و هم الأكثرون من أتباع هذا التنظيم من الشباب المسلم المتحمس ، الساعي لاعادة الخلافة ، الكاره للظلم و الظلمة ، لكنه منساق مغرر به ، مفتقر إلى العلم و سلامة الفهم ، قليل المعرفة بأصول الدين و قواعد الشريعة ، منخدع بالشعارات البراقة ، لا يعرف حقيقة من يقوده و لا إلى أين يقوده ، و أكثرهم غير مستعدين للتراجع طبقا لقول القائل :
ومن البلية عذل من لا يرعوي ***عن غيه وخطاب من لا يفهم
فنقول له : ما كل بيضاء شحمة ، و لا كل سوداء فحمة ، و ليس كل ما يلمع ذهبا ، و نسأل الله أن يرده إلى صوابه .
( و قد يوجد بين هؤلاء من ساء فهمه و ساء قصده و هو النوع الأخطر - و قد اختلط الحابل بالنابل)