اَلشَّمْسُ مِشْرِقَةٌ تَغْمِزُ الْأَرْضَ بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالْأُخْرَى فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُدَاعَبَةِ، الْعَصَافِيرُ تُحَلِّقُ وَتَلْتَقِطُ مَا تَقْتَاتُ بِهِ، الْفَرَاشَاتُ تُثِيرُ ذُكُورَهَا فِي دَلَالٍ فِطْرِيٍّ، الْأَزْهَارُ تَتَمَايَلُ مَعَ النَّسِيمِ كَأَنَّهَا فِي مَهْرَجَانِ رَقْصٍ، وَهِيَ تَقْفِزُ بَيْنَهَا مَرِحَةً، الْحَيَاةُ تَسِيرُ وِفْقَ رُوتِينِهَا الْيَوْمِيِّ، فَجْأَةً اشْرَأَبَّتِ الْأَعْنَاقُ إِلَى السَّمَاءِ، فَاشْرَأَبَّتْ عُنُقُهَا مَعَهَا، أَقْبَلَ الظَّلَامُ بَغْتَةً، انْزَاحَتِ السَّحَابَاتُ مِنْ أَمَامِهِ بِشَكْلٍ مُلْفِتٍ، فَتَحَ أَفْوَاهَهُ، صَارَ يَلْتَهِمُ مَلَامِحَ كُلِّ شَيْءٍ، ذَابَتِ الْفَرَاشَاتُ، نَامَتِ الْعَصَافِيرُ، اخْتَفَتِ الْأَزْهَارُ، حَتَّى الْقَمَرُ تَخَاذَلَ عَنِ الْحُضُورِ، أَمْسَكَتْ شَمْعَتَهَا، أَرَادَتْ إِشْعَالَهَا، تَوَقَّفَتِ شَاخِصَةً، خَشِيَتْ أَنْ يَلْتَهِمَهَا الظَّلَامُ، فَقَدْ كَانَتْ تَمْنَحُهَا الْأَمَلَ وَالدِّفْءَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُطْفَأَةً، تَحَسَّسَتْ طَرِيقَهَا بِأَصَابِعَ مُتَعَثِّرَةٍ، أَسْنَدَتْ رَأْسَهَا إِلَى الْجِدَارِ، أَغْمَضَتْ عَيْنَيْهَا، صَارَتْ تَحْلُمُ بِالنُّورِ وَالْعَصَافِيرِ وَالْفَرَاشَاتِ وَأَكْمَلَتْ يَوْمَهَا.