رحم الله موسى بن نصير الفاتح المظفر. والأمير الشهم والسياسي العادل ، وقائده البطل طارق بن زياد ، وجيشه المغوار، الذين أبلوا البلاء الحسن في فتح الأندلس إلى أن أشرقت فيها شمس الحق والهداية، دون أن ننسى دور المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين في استقرارها.قال الله تعالى : " إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " سورة الرعد (11).
ورحم الله خلفاء بني أمية الأفذاذ ،عبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن الناصر ومحمد بن أبي عامر وغيرهم ، والذين أقاموا في الأندلس حضارة مزدهرة ، كانت حافلة بالعلوم والأدب والفنون والعمران ، فحازت إعجاب العالم الغربي الذي كان يتخبط في ظلمات الجهل والتخلف والعبودية.
كانت الأندلس ولمدة ثمانية قرون (92ه 897ه) جنة المسلمين ، وقبلة واحدة لأبناء ملوك أروبا الذين انتسبوا إلى جامعاتها طلبا للعلم في عصر الجهالة :
* يقول شارلزسنجر: " إن طالب العلم الأوروبي الشغوف بالعلم آنذاك ، الذي لا ترضيه الدراسة في باريس وأكسفورد ، والذي كانت تأخذ بلبه الأخبار المتناقلة عن عجائب العلم والحكمة العربية ، إنما كان يذهب للدراسة في طليطلة أو قرطبة".
* أوفد ملك (ويلز) بعثة برئاسة ابنة أخيه، كانت تضم ثمانية عشرة فتاة من بنات الأشراف والأعيان إلى (إشبيلية) ، محملة برسالة إلى الخليفة
( المعتد بالله) تقول: " قد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة ، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا ، التي يسودها الجهل من أربعة أركان ...).
ولم يقتصر الأمرعلى مجرد إرسال البعثات التعليمية إلى الجامعات الإسلامية، بل حرص ملوك أوروبا على استقدام المدرسين والعلماء المسلمين ، لتأسيس المدارس والمعاهد العلمية في بلدانهم.
لقد ضاعت الأندلس التي ما زالت آثارها شاهدة إلى اليوم بعد ما فرط فيها المسلمون ، بفعل الفرقة والصراع على الإمارة ومولاة الأعداء من الإفرنجة الحاقدين.
أين ذاك المجد!؟ لقد أمسى خبرا ، شواهده وأطلاله تحمل إلينا عبق الذكرى، وتؤجج في نفوسنا الجريحة نار الحسرة.
لقد نجح أسلافنا في الأندلس في بناء حضارة رائدة ، لأنهم طلبوا العزة في الإسلام ، فأعزهم الله بالنصر والتمكين.
والمسلمون في هذا الزمن المر، خربوا بيوتهم بأيديهم ، وبأيدي أعدائهم الذين يضمرون ويعلنون الحقد للإسلام .
يا لسذاجتهم وهوانهم وغبائهم ! ابتعدوا عن الله ، وعن هدي رسوله الكريم ، فجرفتهم عواصف الفتنة ، وأزرى بهم الدهر بأكذوبة (ربيع عربي ) فاضح . قَطّعَ أوصال الأمة ، وأتى على الأخضر واليابس فيها .. والله المستعان.
اللهم قيض لهذه الأمة المنكسرة ، رجالا ونساء تقاة يعيدون لها مجدها وريادتها وأمنها وصلاحها ، والذي لن يكون إلا بما صلح به أولها ، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.