مقدمة ومدخل مختصر لنقد الشعر
عندما يكتب شاعر أو كاتب أو يؤلف أحدهم كتابا في أي موضوع يتبقى للمؤلف حقوق الملكية الادبية والنشر ويخرج عن ملكيته حق القراء والمتلقين للنقد وإعمال الفكر والعقل وإبداء رأيهم في العمل.
فأي عمل فني أو فكري أو إبداعي يمكننا تمثيله – مجازا - بلوحة زيتية رسمها أحد الفنانين وعُلقت على جدار في متحف أو معرض وتُركت للجمهور حرية النظر إليها وفيها من أي زاوية راقت لكل واحد منهم , ولا شكَّ في أنه ستختلف آراء بعض المشاهدين للوحة أو ستتقارب أو ربما تكاد تتماثل إن لم تتطابق.
بعد هذه المقدمة الموجزة والتي أردتُ من خلالها تبيان ما أنا قاصد إليه في تناولي لبعض الاعمال الأدبية المنشورة هنا وتبيان ما لها وما عليها , ومقصدي الأول والاخير هو التقييم الفعلي لما أتناوله من نقد – وليس انتقادا لشخص صاحب العمل أو ذاته- وعشمي بأن يتفهم زملائي وزميلاتي الأدباء والأديبات أصحاب هذه الأعمال الموضوعة تحت مجهر النقد بأنني أتعامل مع النَّص بما يحتويه من مفردات ومعان وهيكلية عامة للعمل الادبي مع تقديري واحترامي لشخص صاحب العمل , وأرجو أن تلقى قراءاتي سعة صدر من الشعراء والأدباء وأن تكون غايتنا ومبتغانا الفائدة والاستفادة .
ولعلي أتعرض هنا للشعر التقليدي العمودي بصورة عامة وبإيجاز شديد , فهناك شعر وهناك نظم . وربَّ سائل , هل ثمة فرق بين الشعر والنظم؟ وللإجابة على هذا التساؤل أقول نعم بل أن هناك فارقا كبيرا بكل تأكيد , فالنظم يتفق مع الشعر في الوزن والقافية ولكننا لا نجد في الغالب حظا من الشعر في القصيدة , والشعر بالمقابل يحتوي النظم بل يشتمله ويتفق معه من حيث المبنى فقط , ولكنه يتميز عليه ويميزه عن النظم وجود الشعور والصور والأخيلة الواضحة والمعاني التي تستوقف القارئ وتشده وتسترعي انتباهه , وربما يعلق في ذهنه بيت أو بضعة أبيات من القصيدة وأقول أنه لابد للشاعر المبدع أن يترك أثرا من خلال قصيدته في نفس القارئ أو المتلقي .
والشعر بصورة عامة تحكمه مقاييس ومعايير ثابتة وقد ورثها الخلف عن السلف منذ أمدٍ بعيد , وستبقى هي الفيصل أوالمحك الذي يبين جوهر القصيدة وقيمتها الفنية والأدبية , ومن ثمَّ الحكم على الشاعر وفحولته الشعرية من عدمها, وهذه المقاييس هي :
أولا : الوزن العروضي
ثانيا : اللغة
ثالثا : التعبيرات الفنية
رابعا : ما للقصيدة وما عليها
فالوزن العروضي هو البحر الذي يركبه الشاعر عند كتابته للقصيدة , وهي البحور الخليلية المعروفة وما تداركه الأخفش ولا داع لذكرها الآن في هذه العجالة , ويدخل في تناول الناقد للعروض العلل والزحافات وما هو جائز وما لا يجوز بحسب كل بحر وما هو مقبول أو مستقبح أو ما يُعدُّ عيبا .
اللغة , والمقصود باللغة هنا هو دقة انتقاء المفردات والسلامة الاملائية ووضع المفردة في محلها وسلامة الإعراب (النحو والصرف) والبعد عن غريبها ومستوحشها.. الخ
والتعبيرات الفنية هي الاخيلة والصور والتراكيب الفنيَّة التي تميِّزُ الشعر عن النَّظم , ولعلي عند تناولي لبعض الاعمال هنا سأتطرق بالتأكيد لما تحتويه القصيدة من صور شعرية - من بديع وبلاغة وتشبيهات- والجو العام للقصيدة والتجربة الشعورية , وذلك كله بعد النظر في سلامة العروض واللغة.
وأخيرا نأتي للنتيجة النهائية والتي تندرج تحت باب ما للقصيدة وما عليها . فننظر في الحشو , ومدى براعةِ الشاعر في توظيفه لأدواته الشعرية وملكاته وقدراته , وهذه جميعها يظهرها المشهد الكلي والعام للقصيدة .
أستكفي بهذه المقدمة الموجزة كمدخل لنقد الشعر , واتمنى أن تعم الفائدة على الجميع .
الدكتور : يوسف عبد الله