السوق والإبداع
يعرف كل من يعمل في الأسواق وعلى مستوى العالم كله أن للسوق قوانينه الصارمة، ومن القوانين الرئيسية القائمة حاليا " مع ما طرأ عليه من تطوير " قانون العرض والطلب الذي لازال يحكم وسيبقى على حاله حتى يأتي الله بأمره، ولما كان الإبداع سلعة في السوق، و أنه قابل للتحويل ليصبح سلعة في أي وقت، فإنه سيتأثر بالتالي بقوانين السوق كلها وخصوصاً قانون العرض والطلب، لما له من أهمية قصوى، وأثر بالغ على نجاح السلعة وفشلها، وبما أننا نتحدث عن الإبداع كسلعة فإن الفشل في تسويق هذه السلعة، أمر غير مقبول أو مقنع، جملة و تفصيلاً من المبدعين.
يلاحظ المتسوق المميز أن هناك أنواع كثيرة من العروض في مجالات الإبداع المختلفة، وعلى كافة المستويات، وكذلك فإنه لن يحتاج إلى دقة الملاحظة ليرى أن العرض أكثر بكثير من الطلب، وهذا الطلب الضعيف جدا على أنواع الإبداع وأشكاله كافة، وليس مقتصرا على أي تحديد، فالطلب على الإبداع العلمي وإن كان أقل بكثير من الطلب على الإبداع الأدبي " ولذلك أسبابه " فإن العمل مستمر على إنتاج الأعمال الجديدة في المكانيك والأدوية وغيرهما، أما الطلب على الإبداع الأدبي فإنه أكثر بقليل من حيث النسبة وذلك لأن عدد الأدباء والشعراء ومن هم" تحت التدريب " في هذا القطاع ليسوا بالعدد القليل.
تقديم عمل إبداعي في مجال المكانيك ليس بالأمر السهل وله كلفته العالية جداً، فهناك التجارب التي تحتاج إلى الوقت والجهد والمال، والمال يعني هنا أثمان المواد المستخدمة في التجارب وكذلك الأدوات الجديدة وكلفة استهلاكها مع الأدوات المتوفرة أصلاً، وينتج عن ذلك أن كلفة شراء الإختراع الجديد لن تكون بسيطة أبداً، وهناك كلف أخرى مثل كلفة التسجيل " للملكية الفكرية " وما إلى ذلك، أما في مجالي الأدب والفن فإن الكلفة تقل عن ذلك بكثير، إلا أن الإبداعات المميزة فيهما قد تتطلب من المبدع أن يضع خبراته كلها عبر سني عمره في رواية أو قصيدة أو لوحة فينة، ليصل بهذا العمل إلى المستوى العالمي.
يلاحظ الباحث أن الأذواق عند الناس تتغير وتتبدل، فهناك من يرى في الأعمال الأولية للأدباء والشعراء كما يرى غيره في أعمال عمرو بن هند، والمتنبي، وهناك من يتذوق الشعر غير الموزون "إن جاز التعبير"، وهناك من يرى أنه يمت للشعر بصلة، والطلب على السلعة " الرواية أو القصة / ديوان الشعر" قد تأثر بأذوق المتذوقين، وبالطبع فإن هؤلاء المتذوقين هم من نتاج صناعة التعليم في العالم كله، وليس في بلد واحد فقط، وإن صناعة الطلب للأعمال ذات الجودة التي تختلف عن أذواق أهل العصر قد تحتاج من الوقت إلى ما قد تزيد مدته عن عشرين – خمسة وعشرين عاماً بعد تطوير التعليم في الأسواق التي يرجى منها أن تشتري السلعة، وأدعو للجميع بالنجاح وتحقيق الأمال.

باسم سعيد خورما