حلم أم كابوس أم واقع أليم
للثوري الأديب : خليل حلاوجى
الافتتاحية:
{من فوق الجبل تدحرجت جثتي}
بالرغم من كون الكاتب مهد للمتلقي الطريق لمشاهدة حلمه..إلا أن المتلقي اصطدم بكابوس مفاجىء وانتابته قشعريرة مبهمة وهو يشاهد بعينه تدحرج جثة الكاتب (الصدمة الأولى) .
في الحقيقة أخرج الكاتب المتلقي فورا بهذه الصدمة من حلم رسمه المتلقي في خياله في إبداع مطلق –أخرجه إلى كابوس كتمهيدية أكيدة لاصطدام أكيد بواقع مرير...لأن فن القصة القصيرة جدا المتبع هنا - أو الومضة من وجهة نظري- لا يحتمل معه السرد بقدر ما يتطلب التتابعية الومضية المتلاحقة
التلاحق الومضى:
{فتناثرت أوراق كتبي وهي السرير الذي نمت ُ عليه منذ سنين ، فاستفقت ُ من حلمي }
هنا الكاتب يمهد للمتلقي لحظة الخروج من كابوسه ليصدم بالواقع متبعا ذلك في نفس اللحظة بالاستفاقة الفورية.
{... لا جبل ... ولا أوراق ... ولا سرير ، سوى أقلاما }
ومضة تأكيدية يؤكد بها الكاتب للمتلقي استقرارية الاستفاقة
الخاتمة:
{صارت لنهاراتي سيوفا ً تقطع الحلم}
أتت الخاتمة كصدمة أخرى فما أن حاول المتلقي التقاط أنفاسه حتى وجد نفسه يصطدم بواقع أكثر عاصفة من الكابوس (الصدمة الثانية).
التعقيب:
تحمل هذه القصة القصيرة جداً، والمكثفة، فكرةً مركزة، لا تتطرق بصورة مباشرة إلى إشاراتٍ واضحةٍ، وإنما تخفي في داخلها ما طبعته هذه الحياة في الفكر، وفي الوجدان، من قيمٍ فكريةٍ وحضاريةٍ ترنحت تحت ثقل وطن ممزق ، في ومضاتٍ كتابية وصلت بروعتها إلى الخاطرة، أو اللقطة الحية، أو الترنيمة أو اللمسة الحريرية الرقيقة التي تشبه تألّق الحلم.
تميزت القصة بما تحمله من خصائص القص الراقية التي تعتمد على الإدهاش والإثارة، وانتهاء القفلة بموقفٍ مؤثر غير متوقعٍ، وهو المزج بين الحلم والواقع الذي ينوء الإنسان بثقله. جاءت القصة هنا كومضة تحتضن الحزن والخيبة من منظور ذاتي للكاتب انفعل معها المتلقي بكل مشاعره حتى الوجع متناسيا للكاتب كل صدماته داخلها.
وقفت كثيرا أمام هذه الومضة (القصة القصيرة جداً) ، وجدت هنا الكثير من الغربة والألم ، وتأكيدا على قول العرب "البلاغة في الإيجاز" . في القصة تكثيفٌ وتكوينٌ وتشكيلٌ فنيّ يشبه تكثيف الغابة المثيرة التي تترك الإنسان –بعد أن يملأ ناظريه وعقله منها- يمضي في دروبها حائراً، يتلمس لقدميه مواطئ، ويستهدي لباصرته نوراً هادئاً مريحاً "ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور"
جاءت ومضة الحلاوجي هنا كاشفة لنا مرآة ترينا وجوهنا على حقيقتها ..مجردة بغير أصباغ، وتضع أصابعنا التي أحرقت .. أمام عيوننا مباشرة، وترينا أنفسنا التي فقدت كثيراً كثيراً من البراءة والحب والخير والجمال والحق تحت ضغط واقع ممزق مرير.
الخليل العزيز:
بالرغم من كل الوجع والألم في ومضتك الكابوسية إلا إنني سمعت هنا ضحكة ساخرة مريرة..فهل أخطأت أذني ؟
شذي الوردة
د. نجلاء طمان