أحدث المشاركات

نسجل دخولنا بذكر الله والصلاة على رسول الله» بقلم عوض بديوي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»»

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 21

الموضوع: تحقيق مسألة تلبس الجن بالإنسان..

  1. #1
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,141
    المواضيع : 253
    الردود : 5141
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي تحقيق مسألة تلبس الجن بالإنسان..


    تحقيق مسألة تلبس الجن بالإنسان
    بهجت الرشيد


    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
    عالم الجن من الغيب الذي لا نعلم عنه شيئاً إلا ما جاء به الشرع الحنيف في آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة، ومن ثمّ فإن أيّ بحث عن هذا العالم خارج نطاق القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة توقعنا في الكثير من الأخطاء والمغالطات، لأن هذا العالم لا سبيل إلى معرفته وإدراكه بالحواس، بل سبيله هو النص الصريح الصحيح.
    وفي هذا البحث الصغير سنحاول الإجابة عن سؤالٍ طالما كان مثار جدلٍ ونقاشٍ وأخذٍ وردٍ، ألا وهو: هل يمكن أن يتلبس الجنّ بالإنسان ويصرعه ويتحكم في سلوكه وتصرفاته؟
    وما دام الجن عالم غيبي كما قلنا، فلا بدّ من البحث عن الأدلة الشرعية للإجابة عن هذا التساؤل..
    بمعنى: هل ثبتت في الأدلة الشرعية من قرآن وسنة حقيقة تلبس الجن بالإنسان أم لم تثبت؟
    سوف نعرض الأدلة التي يستند إليها من يقول بالتلبس، وندرسها دراسة علميةً بعيدة عن تأثير الواقع والتصورات والأحكام المسبقة..
    وأحبّ أن أنبه إلى أني والحمد لله تعالى قد اطلعت على مؤلفاتٍ حول مسألة التلبس، وحضرت جلسات إخراج الجن، وما يحدث فيها من صرعٍ وكلامٍ وما إلى ذلك من أمورٍ.. بمعنى أني أكتب هذا البحث وأنا على اطلاعٍ بالموضوع تنظيراً وواقعاً.. ثم إني كنت من المقتنعين تماماً بالتلبس.. لكن اليوم سندرس الأدلة لنخرج بنتائج لا علاقة لها بقناعاتنا السابقة، وإنما نتائج مبنيّة على الشرع الحنيف..

    الدليل من القرآن الكريم:
    يستدل من يقول بتلبس الجن بالإنسان بآية:
    (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة البقرة.
    ولكن هل هذه الآية تدل دلالة قطعية على التلبس؟

    ذهب جمهور المفسرين أن القيام المقصود في الآية يكون في الآخرة، أي أن آكل الربا يقوم يوم القيامة كالشخص الذي مسّه الشيطان وتخبّطه في الدنيا.. وأن الآية تدل على أن الشيطان له قدرة التلبس والصرع للإنسان..
    ولكن هناك من ذهب أن المسّ ليس صرعاً أو جنوناً وإنما وسوسةٌ وتزيين للباطل، حيث جاء (مسّ الشيطان) في ثلاث مواضع في القرآن الكريم..
    الأول: قال تعالى (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) سورة ص
    وهنا يستحيل أن يتلبس الشيطان أو يدخل في أيوب عليه السلام، إذ لا يجوز أن يسيطر الشيطان على جسد نبي ويتخبطه ويصرعه، فإن هذا القول كفر..

    الثاني: قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) سورة الأعراف
    طبعاً هنا المسّ لا يعني التلبس والصرع، وإنما هو الوسوسة، وذلك أن التذكر (تَذَكَّرُواْ) والإبصار (مُبْصِرُونَ) لا يكون فيمن حاله الصرع والتخبط وفقدان الوعي..
    قال الشيخ السعدي في مفسراً هذه الآية الكريمة في تفسيره (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان): (ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطاً ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب، تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب الله عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر الله تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئاً حسيراً، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه).

    الثالث: الآية التي نحن بصددها (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ).
    أفليس المسّ هنا كالمسّ في الآيتين السابقتين؟
    وفي الحديث: في صحيح البخاري: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها). ثم يقول أبو هريرة {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}.
    طبعاً مسّ الشيطان هنا ليس الصرع والتلبس، فالحديث له روايات أخرى تفسر المقصود من المسّ وأنه ليس بالصرع ولا التلبس، ففي صحيح البخاري أيضاً جاءت كلمة (يطعن) بدلاً من (المسّ)، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب).
    وفي صحيح مسلم جاءت كلمة (نخس) بدلاً من (المسّ)، ومعنى النخس كما في لسان العرب: (نَخَسَ نَخْساً غَرَزَ جنبها أَو مؤخّرها بعود أَو نحوه)..
    فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه ثم قال أبو هريرة اقرؤا إن شئتم {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}).

    كما أن هناك من قال بأن التخبط هو في الدنيا وليس في الآخرة.. منهم:
    ابن عطية الأندلسي في تفسيره (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز): (وأما ألفاظ الآية فكانت تحتمل تشبيه حال القائم بحرص وجشع إلى تجارة الربا بقيام المجنون، لأن الطمع والرغبة تستفزه حتى تضطرب أعضاؤه، وهذا كما تقول لمسرع في مشيه، مخلط في هيئة حركاته، إما من فزع أو غيره، قد جن هذا، وقد شبه الأعشى ناقته في نشاطها بالجنون في قوله: وتصبح من غبّ السّرى وكأنّما... ألم بها من طائف الجنّ أولق)..
    والرازي في تفسيره: (والقول الثالث: أنه مأخوذ من قوله تعالى: {إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} وذلك لأن الشيطان يدعو إلى طلب اللذات والشهوات والاشتغال بغير الله، فهذا هو المراد من مس الشيطان، ومن كان كذلك كان في أمر الدنيا متخبطاً، فتارة الشيطان يجره إلى النفس والهوى، وتارة الملك يجره إلى الدين والتقوى، فحدثت هناك حركات مضطربة، وأفعال مختلفة، فهذا هو الخبط الحاصل بفعل الشيطان وآكل الربا لا شك أنه يكون مفرطاً في حب الدنيا متهالكاً فيها، فإذا مات على ذلك الحب صار ذلك الحب حجاباً بينه وبين الله تعالى، فالخبط الذي كان حاصلاً في الدنيا بسبب حب المال أورثه الخبط في الآخرة، وأوقعه في ذل الحجاب، وهذا التأويل أقرب عندي من الوجهين اللذين نقلناهما عمن نقلنا).
    وعبدالرحمن السعدي في تفسيره، حيث ذكر هذا الاحتمال: (يخبر تعالى عن أكلة الربا وسوء مآلهم وشدة منقلبهم، أنهم لا يقومون من قبورهم ليوم نشورهم {إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} أي: يصرعه الشيطان بالجنون، فيقومون من قبورهم حيارى سكارى مضطربين، متوقعين لعظيم النكال وعسر الوبال، فكما تقلبت عقولهم و {قالوا إنما البيع مثل الربا} وهذا لا يكون إلا من جاهل عظيم جهله، أو متجاهل عظيم عناده، جازاهم الله من جنس أحوالهم فصارت أحوالهم أحوال المجانين، ويحتمل أن يكون قوله: {لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ} أنه لما انسلبت عقولهم في طلب المكاسب الربوية خفت أحلامهم وضعفت آراؤهم، وصاروا في هيئتهم وحركاتهم يشبهون المجانين في عدم انتظامها وانسلاخ العقل الأدبي عنهم).
    ومحمد بن صالح العثيمين في (تفسير القرآن): (قوله تعالى: {لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}؛ اختلف المفسرون في هذا القيام، ومتى يكون؛ فقال بعضهم، وهم الأكثر: إنهم لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس؛ يعني: كالمصروع الذي يتخبطه الشيطان؛ و «التخبط» هو الضرب العشوائي؛ فالشيطان يتسلّط على ابن آدم تسلطاً عشوائياً، فيصرعه؛ فيقوم هؤلاء من قبورهم يوم القيامة كقيام المصروعين ـ والعياذ بالله ـ يشهدهم الناس كلهم؛ وهذا القول هو قول جمهور المفسرين؛ وهو مروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
    القول الثاني: إنهم لا يقومون عند التعامل بالربا إلا كما يقوم المصروع؛ لأنهم ـ والعياذ بالله ـ لشدة شغفهم بالربا كأنما يتصرفون تصرف المتخبط الذي لا يشعر؛ لأنهم سكارى بمحبة الربا، وسكارى بما يربحونه ـ وهم الخاسرون؛ فيكون القيام هنا في الدنيا؛ شبَّه تصرفاتهم العشوائية الجنونية المبنية على الربا العظيم ـ الذي يتضخم المال من أجل الربا - بالإنسان المصروع الذي لا يعرف كيف يتصرف؛ وهذا قول كثير من المتأخرين؛ وقالوا: إن يوم القيامة هنا ليس له ذكر؛ ولكن الله شبَّه حالهم حين طلبهم الربا بحال المصروع من سوء التصرف؛ وكلما كان الإنسان أشد فقراً كانوا له أشد ظلماً؛ فيكثرون عليه الظلم لفقره؛ بينما حاله تقتضي الرأفة، والتخفيف؛ لكن هؤلاء ظلمة ليس همهم إلا أكل أموال الناس.
    فاختلف المفسرون في معنى «القيام»، ومتى يكون؛ لكنهم لم يختلفوا في قوله تعالى: {يتخبطه الشيطان من المس}؛ يعني متفقين على أن الشيطان يتخبط الإنسان؛ و{من المس} أي بالمس بالجنون؛ وهذا أمر مشاهد: أن الشيطان يصرع بني آدم؛ وربما يقتله ـ نسأل الله العافية ـ؛ يصرعه، ويبدأ يتخبط، ويتكلم، والإنسان نفسه لا يتكلم، يتكلم الشيطان الذي صرعه).
    وسيد قطب في (في ظلال القرآن): ({لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ}.. وما كان أي تهديد معنوي ليبلغ إلى الحس ما تبلغه هذه الصورة المجسمة الحية المتحركة.. صورة الممسوس المصروع.. وهي صورة معروفة معهودة للناس. فالنص يستحضرها لتؤدي دورها الإيحائي في إفزاع الحس، لاستجاشة مشاعر المرابين، وهزها هزة عنيفة تخرجهم من مألوف عادتهم في نظامهم الاقتصادي؛ ومن حرصهم على ما يحققه لهم من الفائدة.. وهي وسيلة في التأثير التربوي ناجعة في مواضعها. بينما هي في الوقت ذاته تعبر عن حقيقة واقعة.. ولقد مضت معظم التفاسير على أن المقصود بالقيام في هذه الصورة المفزعة، هو القيام يوم البعث. ولكن هذه الصورة ـ فيما نرى ـ واقعة بذاتها في حياة البشرية في هذه الأرض أيضاً. ثم إنها تتفق مع ما سيأتي بعدها من الإنذار بحرب من الله ورسوله. ونحن نرى أن هذه الحرب واقعة وقائمة الآن ومسلطة على البشرية الضالة التي تتخبط كالممسوس في عقابيل النظام الربوي. وقبل أن نفصل القول في مصداق هذه الحقيقة من واقع البشرية اليوم نبدأ بعرض الصورة الربوية التي كان يواجهها القرآن في الجزيرة العربية؛ وتصورات أهل الجاهلية عنها).
    ومحمد بن أبي زهرة في (زهرة التفاسير): ((الَّذِينَ يَأْكلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) فهذه الجملة السامية تصوير لحال المرابي، واضطراب نفسه، وقلقه في حياته، فالله سبحانه وتعالى يمثل المرابي في قلقه المستمر وانزعاجه الدائم بحال الشخص الذي أصيب بجنون واضطراب، فهو يتخبط في أموره وفي أحواله، وهو في قلق مستمر.
    ومعنى التخبط الضرب في غير استواء؛ ولذا قيل في المثل: خبط عشواء. والمعنى على هذا أن الذين يأكلون الربا، ويتخذونه سبيلًا من سبل الكسب هم في حال لا يقرون فيها ولا يطمئنون، فلا يقومون ولا يتحركون إلا وهمُّ المال قد استولى على نفوسهم، والخوف عليه من الضياع مع الحرص الشديد قد أوجد قلقا نفسيا دائما في عامة أحوالهم، فهم كالمتخبط بسبب ما مسَّه الشيطان.
    وإن تشبيه حال المرابين بحال المجنون الذي مسه الشيطان فيه إشارة إلى أن الشيطان قد يمسُّ نفس الإنسان فيصيبه).
    والماوردي في (النكت والعيون): ({لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} يعني من قبورهم يوم القيامة، وفيه قولان:
    أحدهما: كالسكران من الخمر يقطع ظهراً لبطن، ونسب إلى الشيطان لأنه مطيع له في سكره.
    والثاني: قاله ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد، والحسن: لا يقومون يوم القيامة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ، يعني الذي يخنقه الشيطان في الدنيا من المس، يعني الجنون، فيكون ذلك في القيامة علامة لأكل الربا في الدنيا.
    واختلفوا في مس الجنون، هل هو بفعل الشيطان؟
    فقال بعضهم: هذا من فعل الله بما يحدثه من غلبة السوداء فيصرعه، ينسب إلى الشيطان مجازاً تشبيهاً بما يفعله من إغوائه الذي يصرعه.
    وقال آخرون: بل هو من فعل الشيطان بتمكين الله له من ذلك في بعض الناس دون بعض، لأنه ظاهر القرآن وليس في العقل ما يمنعه).

    ومن المفسرين من ذهب أن صرع الجن من زعامات العرب، فجاء القرآن على ما كان يعتقدون، كالزمخشري والبيضاوي، ومحمد رشيد رضا إذ يقول: (ثم إن التشبيه مبني على أن المصروع الذي يعبر عنه بالممسوس يتخبطه الشيطان، أي أنه يصرع بمس الشيطان له وهو ما كان معروفا عند العرب وجارياً في كلامهم مجرى المثل).

    مع أنه لا يستبعد تأثير الجن في الإنسان، يقول: (فالآية على هذا لا تثبت أن الصرع المعروف يحصل بفعل الشيطان حقيقة ولا ننفي ذلك، وفي المسألة خلاف بين العلماء، أنكر المعتزلة وبعض أهل السنة أن يكون للشيطان في الإنسان غير ما يعبر عنه بالوسوسة، وقال بعضهم: إن سبب الصرع مس الشيطان كما هو ظاهر التشبيه ـ وإن لم يكن نصاً فيه ـ وقد ثبت عند أطباء هذا العصر أن الصرع من الأمراض العصبية التي تعالج كأمثالها بالعقاقير وغيرها من طرق العلاج الحديثة، وقد يعالج بعضها بالأوهام، وهذا ليس برهاناً قطعياً على أن هذه المخلوقات الخفية التي يعبر عنها بالجن يستحيل أن يكون لها نوع اتصال بالناس المستعدين للصرع، فتكون من أسبابه في بعض الأحوال).

    وعندي أن مذهب القائلين بأن ذلك من زعامات العرب، بعيدٌ.. إذ إن القرآن الكريم جاء لتصحيح عقائد الناس وتصوراتهم، وليس إقرارها وتثبيتها!

    وذكر الرازي وجهاً آخر نقلاً عن القفال وهو أن الناس يضيفون كل قبيح للشيطان، قال في تفسيره: (وذكر القفال فيه وجه آخر، وهو أن الناس يضيفون الصرع إلى الشيطان وإلى الجن، فخوطبوا على ما تعارفوه من هذا، وأيضاً من عادة الناس أنهم إذا أرادوا تقبيح شيء أن يضيفوه إلى الشيطان، كما في قوله تعالى: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشياطين}).

    وذهب ابن حزم بأن الصرع يكون بالمماسة وليس الدخول، قال في (الفصل في الملل والأهواء والنحل): (وأما الصرع فان الله عز وجل قال " كالذي يتخبطه الشيطان من المس " فذكر عز وجل تأثير الشيطان في المصروع إنما هو بالمماسة فلا يجوز لأحد أن يزيد على ذلك شيئاً ومن زاد على هذا شيئاً فقد قال ما لا علم له به وهذا حرام لا يحل قال عز وجل " ولا تقف ما ليس لك به علم " وهذه الأمور لا يمكن أن تعرف البتة إلا بخبر صحيح عنه صلى الله عليه وسلم ولا خبر عنه عليه السلام بغير ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق. فصح أن الشيطان يمس الإنسان الذي يسلطه الله عليه كما جاء في القرآن يثير به طبائعه السوداء والأبخرة المتصاعدة إلى الدماغ كما يخبر به عن نفسه كل مصروع بلا خلاف منهم فيحدث الله عز وجل له الصرع والتخبط حينئذ كما نشاهده وهذا هو نص القرآن وما توجبه المشاهدة وما زاد على هذا فخرافات من توليد العزامين والكذابين وبالله تعالى نتأيد).

    إذن..
    هذه الآية (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) قطعي الثبوت، لكن ليس قطعي الدلالة، لذا حدث خلافٌ في تفسيرها، كما أن من أنكر تلبس الجن لا يكفّر..
    جاء في موقع (إسلام ويب): (ونحن لم نقل إن من ينكر تلبس الجني بالإنسي منكر للكتاب والسنة، ولم نقل إن هذا الأمر ثابت بنصوص قطعية الدلالة، بل قلنا إن في هذا رداً لما جاء في الكتاب والسنة، لأننا نرى أن دلالة النصوص على هذا الأمر دلالة ظاهرة، ومع هذا فمن أداه اجتهاده من العلماء إلى خلاف ذلك فهو معذور ومأجور على اجتهاده بإذن الله).
    وجاء في الموقع أيضاً: (ومع ذلك فلا يصح بحال الحكم على منكر ذلك بالكفر المخرج من الملة، لخفاء دليل هذه المسألة وكونه ليس قطعي الدلالة).
    وقال الشيخ صالح الفوزان في (إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد): (وكذلك الجن يمسُّون الإنس ويخالطونهم ويصرعونهم، وهذا شيء ثابت، لكن من جَهَلَة الناس من يُنكر صَرْع الجن للإنس، وهذا لا يَكْفُر، لأن هذه مسألة خفيّة، ولكنه يُخطّأ، فالذي يُنكر مسّ الجن للإنس لا يُكَفَّر، ولكن يضلّل، لأنه يُكذِّب بشيء ثابت، أما الذي يُنكر وجودهم أصلاً فهذا كافر).

    طبعاً مع التحفظ على بعض ما قاله الشيخ الفوزان، فكما هو واضحٌ من دراسة الأدلة أن تلبس الجنّ لم يثبت بدليل صحيح صريح..
    ولو كان هناك نص قطعي الثبوت والدلالة لكان مخالفه كافراً بلا خلاف..
    والثابت القطعي من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يوسوس للإنسان ويزيّن له الباطل والشهوات والشبهات، ويدعوهم إلى الفحشاء والمنكر ويعدهم الفقر..




    لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

  2. #2
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,141
    المواضيع : 253
    الردود : 5141
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    الأدلة من الأحاديث

    أما الأحاديث التي يستدل بها من يقول بتلبس الجن بالإنسان فهي:

    الحديث الأول:
    (إن الشيطان يجري من ابن آدم مبلغ الدم)، الذي كثيراً ما يُستشهد به في مسألة تلبس الجن بالإنسان..
    الحديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه..
    ولكن الاستدلال بهذا الحديث في المسألة خطأ غير صحيح، فما يذكرونه، أعني (إن الشيطان يجري من ابن آدم مبلغ الدم)، جزءٌ من حديث، ولو قرأنا الحديث بكامله لاتضح معناه وبان..
    الحديث كاملاً:
    (عن علي بن الحسين أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره وهو معتكف في المسجد في العشر الغوابر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة من العشاء ثم قامت تنقلب فقام معها النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد الذي عند مسكن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم مر بهما رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نفذا، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي). قالا سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما ما قال. قال (إن الشيطان يجري من ابن آدم مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما).
    وفي لفظٍ آخر في البخاري أيضاً: (عن علي بن الحسين: أن صفية رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، فلما رجعت مشى معها فأبصره رجلٌ من الأنصار فلما أبصره دعاه فقال: (تعال هي صفية). وربما قال سفيان: (هذه صفية فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم). قلت لسفيان أتته ليلاً؟. قال: وهل هو إلا ليل).

    فالمعنى واضحٌ، والحديث يتحدث عن وسوسة الشيطان للإنسان وقذف الظنون في قلبه (وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما)، فلما رأى الصحابيان امرأة مع النبي صلى الله عليه وسلم، خشي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوسوس الشيطان لهما بالأوهام، فعرّفهما النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة على أنها زوجه، ثم علل لهما ذلك بأن الشيطان يوسوس للإنسان ويقذف في قلبه الظنون..

    قال ابن دقيق العيد في كتابه (إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام): (وفي الحديث دليلٌ على هجوم خواطر الشيطان على النفس).
    وقال أحمد بن عمر القرطبي في كتابه (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم): (الإخبار عن ملازمة الشيطان للإنسان واستيلائه عليه بوسوسته، وإغوائه، وحرصه على إضلاله، وإفساد أحواله. فيجب الحذر منه، والتحرُّز من حيله، وسدُّ طرق وسوسته، وإغوائه وإن بعدت. وقد بين ذلك في آخر الحديث بقوله: (إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرّاً، فتهلكا). وخصوصاً في مثل هذا الذي يفضي بالإنسان إلى الكفر، فإنَّ ظنَّ السَّوء والشر بالأنبياء كفرٌ).
    وقال ابن حجر في كتابه (فتح الباري): (وقوله يبلغ أو يجري قيل هو على ظاهره وأن الله تعالى اقدره على ذلك، وقيل هو على سبيل الاستعارة من كثرة إغوائه وكأنه لا يفارق كالدم فاشتركا في شدة الاتصال وعدم المفارقة).
    وقال: (خشي ـ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـ عليهما أن يوسوس لهما الشيطان ذلك لأنهما غير معصومين فقد يفضى بهما ذلك إلى الهلاك فبادر إلى اعلامهما حسماً للمادة وتعليماً لمن بعدهما إذا وقع له مثل ذلك).
    أما قوله: (قيل هو على ظاهره وأن الله تعالى اقدره على ذلك)، فبعيدٌ كما قلنا لأن الحديث نفسه يتحدث عن الوسوسة وليس دخول الشيطان في الإنسان (وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما).

    الحديث الثاني:
    (عن عطاء بن أبى رباح قال: قال لي بن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك؟ فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها).
    متفق عليه: أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما.

    أين الجن والتلبس في الحديث؟!
    لا يوجد..

    قد يقال إن الصرع كان بسبب الشيطان وتلبسه بها.. قال الحافظ بن حجر في الفتح: (عند البزار من وجه آخر عن ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت: إني أخاف الخبيث أن يجردني، فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بها. ثم قال: وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط انتهى).
    لكن الحديث الذي فيه (إني أخاف الخبيث أن يجردني) ضعيف.. ففي مسند البزار:
    (حَدَّثنا مُحَمد بن مرزوق، قال: حَدَّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حَدَّثنا صدقة، يعني ابن موسى، قال: حَدَّثنا فرقد، يعني السبخي عن سَعِيد بن جُبَير، عَن ابنِ عباس، رَضِي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فجاءته امرأة من الأنصار فقالت: يا رسول الله إن هذا الخبيث قد غلبني فقال لها: إن تصبري على ما أنت عليه تجيئي يوم القيامة ليس عليك ذنوب ولا حساب قالت: والذي بعثك بالحق لأصبرن حتى ألقى الله قالت: إني أخاف الخبيث أن يجردني فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتعلق بها فتقول له: اخسأ فيذهب عنها).
    قال الهيثمي في (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد): رواه البزار وفيه فرقد السبخي وهو ضعيف.
    وقال الشيخ الألباني في (السلسة الصحيحة) عن فرقد السبخي: ضعيف.
    وقد يتعلق البعض بالرواية التي أوردها ابن حبان في صحيحه، التي ذكر فيها لفظ (اللمم)، وفُسّر بالجنون:
    (عن أبي هريرة قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها لمم فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يشفيني قال: (إن شئت دعوت الله لك فشفاك وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك). فقالت: بل أصبر ولا حساب علي).
    رواه ابن حبان في صحيحه. قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن من أجل محمد بن عمرو.

    وهذه الرواية يمكن تسجيل بعض الملاحظات عليها:
    ـ من حيث السند:
    محمد بن عمرو بن علقمة فيه كلام، قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء): (حديثه في عداد الحسن. قال النسائي وغيره: ليس به بأس.
    وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
    وقال عبد الله بن أحمد: سمعت ابن معين سئل عن سهيل والعلاء بن عبدالرحمن، وعبدالله بن محمد بن عقيل، وعاصم بن عبيدالله، فقال: ليس حديثهم بحجة. قيل له: فمحمد بن عمرو؟ قال: هو فوقهم.
    قلت: روى له البخاري مقروناً بآخر، وروى له مسلم متابعة. وروى عباس عن يحيى قال: ابن عجلان أوثق من محمد بن عمرو، فقال: وهو أحب إلي من ابن إسحاق.
    وسئل يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو، فقال للسائل: تريد العفو أو نشدد؟ قال: بل شدد. قال: ليس ممن تريد.
    قال الجوزجاني: ليس بالقوي، وهو ممن يشتهى حديثه.
    قال ابن عدي: روى عنه مالك في " الموطأ " وأرجو أنه لا بأس به، وروى أحمد بن أبي مريم، عن يحيى بن معين: ثقة).
    و قال محمد عبدالرحمن بن عبدالرحيم المباركفوري في (تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي): (محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام قاله الحافظ في التقريب وقال في تهذيب التهذيب روى عن أبيه وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعبيدة بن سفيان وذكر كثيراً من شيوخه، ثم ذكر أقوال أئمة الحديث فيه وحاصلها ما قال في التقريب من أنه صدوق له أوهام).
    ورواية البخاري ومسلم أصحّ من هذه الرواية، وليس فيها ذكرٌ للفظ (اللمم).

    أما من حيث المتن: هي لم تقل أن بها لمم، بل قالت كما في الرواية المتفق عليها، إنها تصرع.
    ـ ثمّ إذا كان بها شيطان يصرعها، فلماذا يتركها النبي فريسة هذا الشيطان الملعون يتلاعب بها كيفما شاء؟
    لماذا لم يعالجها النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل مع آخرين (حسب روايات يوردها من يقول بتلبس الجن بالإنسان).

    ولذا فإن المرأة كان بها صرعٌ، ولم يكن بها شيء من تلبس الجان أو الشيطان، ولذلك خيّرها النبي صلى الله عليه وسلم بين الدعاء والصبر..

    الحديث الثالث:
    (حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا حماد عن فرقد السبخي عن سعيد بن جبير عن بن عباس ان امرأة جاءت بابن لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ان ابني هذا به جنون وانه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيفسد علينا. فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا فثع ثعة. قال عثمان فسألت أعرابياً فقال بعضه على أثر بعض وخرج من جوفه مثل الجرو الأسود وسعى).
    الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وهو حديث ضعيف، لضعف فرقد السبخي.
    قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف.
    وقال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري في (اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة): هذا إسنادٌ ضعيفٌ، لضعف فرقد.

    الحديث الرابع:
    (حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة عن أبيه قال وكيع مرة يعني الثقفي ولم يقل مرة عن أبيه: أن إمرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم معها صبي لها به لمم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخرج عدو الله أنا رسول الله. قال: فبرأ. فأهدت إليه كبشين وشيئاً من أقط وشيئاً من سمن قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ الأقط والسمن واحد الكبشين ورد عليها الآخر).
    الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وهو حديث ضعيف.
    قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف لانقطاعه.
    لأن المنهال بن عمرو لم يسمع من يعلى بن مرة.

    الحديث الخامس:
    (حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الله بن نمير عن عثمان بن حكيم قال أخبرني عبدالرحمن بن عبدالعزيز عن يعلى بن مرة قال: لقد رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ما رآها أحد قبلي ولا يراها أحد بعدي لقد خرجت معه في سفر حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبي لها فقالت يا رسول الله هذا صبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة قال ناولينيه فرفعته إليه فجعلته بينه وبين واسطة الرحل ثم فغرفاه فنفث فيه ثلاثا وقال بسم الله أنا عبد الله اخسأ عدو الله ثم ناولها إياه فقال القينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا ما فعل قال فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث فقال ما فعل صبيك فقالت والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئاً حتى الساعة فاجترر هذه الغنم قال انزل فخذ منها واحدة ورد البقية).
    الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وهو حديث ضعيف.
    قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف لجهالة عبد الرحمن بن عبد العزيز.

    أخرج هذا الحديث أيضاً:
    الطبراني في المعجم الأوسط، وفي سنده محمد بن طلحة التيمي، قال الألباني عنه: فيه ضعف من قبل حفظه، ولذا قال الحافظ: صدوق يخطئ.
    وفيه أيضاً عبدالحكيم بن سفيان بن أبي نمر وهو مجهول.
    والدارمي في سننه، وإسناده ضعيف لضعف إسماعيل بن عبدالملك.
    والحاكم في المستدرك، وإسناده منقطع كما قال الألباني.
    لكن الشيخ الألباني قال في (السلسلة الصحيحة): (وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد. والله أعلم).
    والنفس لا تطمئن إلى تجويد الحديث، لأنه في مسألة غيبية، وبعض طرقه فيه انقطاع وجهالة..

    الحديث السادس:
    (حدثنا عبد الله حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا عمر بن على عن أبي جناب عن عبدالله بن عيسى عن عبدالرحمن بن أبي ليلى حدثني أبي بن كعب قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال يا نبي الله ان لي أخاً وبه وجع. قال: وما وجعه؟ قال: به لمم. قال: فائتني به. فوضعه بين يديه فعوذه النبي صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أول سورة البقرة وهاتين الآيتين {وإلهكم إله واحد} وآية الكرسي وثلاث آيات من آخر سورة البقرة وآية من آل عمران { شهد الله أنه لا إله إلا هو } وآية من الأعراف { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض } وآخر سورة المؤمنين { فتعالى الله الملك الحق } وآية من سورة الجن { وأنه تعالى جد ربنا } وعشر آيات من أول الصافات وثلاث آيات من آخر سورة الحشر وقل هو الله أحد والمعوذتين، فقام الرجل كأنه لم يشتك قط).
    الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وهو حديث ضعيف.
    قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف لضعف أبي جناب.

    الحديث السابع:
    (عن أم أبان بنت الوازع، عن أبيها أن جدها الزارع انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق معه بابن له مجنون أو ابن أخت له، قال جدّي: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، قلت: يا رسول الله، إن معي ابنا لي أو ابن أخت لي مجنوناً، أتيتك به تدعو الله عز وجل له. فقال: ائتني به. فانطلقت به إليه وهو في الركاب، فأطلقت عنه، وألقيت عنه ثياب السفر، وألبسته ثوبين حسنين، وأخذت بيده حتى انتهيت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ادنه مني، اجعل ظهره مما يليني. قال: فأخذ بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله، فجعل يضرب ظهره حتى رأيت بياض إبطيه وهو يقول: اخرج عدو الله، اخرج عدو الله. فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول، ثم أقعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه، فدعا له بماء، فمسح وجهه ودعا لـه، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل عليه).
    رواه الطبراني في المعجم الكبير.
    وقد بحثت عن مدى صحة الحديث، فلم أجد من حكم عليه إلا الشيخ علي حشيش في كتابه (سلسلة الأحاديث الواهية وصحح حديثك)، قال عنه: قصة واهية..
    وكذلك في موقع (ملتقى أهل الحديث) وخلاصته بأن أم أبان بنت الوازع مقبولة كما قال ابن حجر في (تقريب التهذيب).
    أي: عند المتابعة، وإلاّ فليّنة. ولم يتابعها أحدٌ على حديثها. قال الذهبي في (الميزان): تفرد بهذا عنها مطر الأعنق.
    فالحديث إذن ضعيف..

    الحديث الثامن:
    (حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن عبدالله الأنصاري حدثني عيينة بن عبد الرحمن حدثني أبي عن عثمان بن أبي العاص قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابن أبي العاص؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: ما جاء بك؟ قلت: يا رسول الله عرض لي شيء في صلواتي حتى ما أدري ما أصلي. قال: ذاك الشيطان ادنه فدنوت منه فجلست على صدور قدمي قال فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال اخرج عدو الله ففعل ذلك ثلاث مرات ثم قال الحق بعملك قال فقال عثمان فلعمري ما أحسبه خالطني بعد).
    الحديث أخرجه ابن ماجة في سننه. وصححه الشيخ الألباني.

    لكن محمد بن عبدالله الأنصاري فيه كلام..
    قال عنه يحيى بن معين: ثقة.
    وقال أبو حاتم: صدوق. وقال أيضاً: لم أر من الأئمة إلا ثلاثة: أحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي، ومحمد بن عبدالله الأنصاري.
    وقال النسائي: ليس به بأس.
    لكن أبو داود قال عنه: تغير تغيرا شديداً.
    وقال زكريا الساجي: هو رجل جليل عالم، لم يكن عندهم من فرسان الحديث مثل يحيى القطان، ونظرائه، غلب عليه الرأي.
    وعن ابن معين قال: كان يليق به القضاء، قيل: يا أبا زكريا، فالحديث؟ فقال:
    إن للحرب أقواماً لها خلقوا...... وللدواوين كتاب وحساب
    وقال الأثرم: سمعت أبا عبدالله يقول: ما كان يضع الأنصاري عند أصحاب الحديث إلا النظر في الرأي، وأما السماع فقد سمع.
    وقال: ذهبت للأنصاري كتب، فكان بعد يحدث من كتب غلامه أبي حكيم. (أنظر: سير أعلام النبلاء للذهبي)

    وللحديث رواية أخرى:
    (حدثنا أحمد بن زهر التستري ثنا أبو حفص عمرو بن علي ثنا عبدالأعلى ثنا عبدالله بن عبدالرحمن الطائفي عن عبد الله بن الحكم عن عثمان بن بشر قال سمعت عثمان بن أبي العاص يقول: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسيان القرآن فضرب صدري بيده فقال: يا شيطان أخرج من صدر عثمان قال عثمان: فما نسيت منه شيئاً بعد أحببت أن أذكره).
    رواه الطبراني في المعجم الكبير، والهيثمي في مجمع الزوائد.
    وحسن الحديث الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة، وقال: على ضعف يسير في الطائفي.

    و عبدالله بن عبدالرحمن الطائفي كما قال الزيلعي في نصب الراية: (مقارب الحديث).
    وقال الذهبي عنه في (تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق): من رجال مسلم. قال النسائي: ليس بالقوي.
    وقال محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي في (تنقيح التحقيق): وعبدالله بن عبدالرحمن الطَّائفيُّ: روى له مسلم، وقال يحيى بن معين: صالح، وقال مرة: ضعيف، قال مرة: ليس به بأس، يكتب حديثه.
    وقال أبو حاتم: ليس بقويٍّ، ليِّن الحديث.

    وأصح من هاتين الروايتين الرواية التي أخرجها الإمام مسلم في صحيحه، وليس فيها يوجد فيها (أخرج عدو الله) (أخرج من صدر عثمان).
    (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا موسى بن طلحة، حدثني عثمان بن أبي العاص الثقفي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أُمّ قَوْمَكَ. قلت: يا رسول الله إني أجد في نفسي شيئاً. قال: أدْنُهْ. فجلّسني بين يديه، ثم وضع كفه في صدري بين ثديي، ثم قال: تحوّل. فوضعها في ظهري بين كتفي، ثم قال: أُمّ قومك. فمن أَمّ قوماً فليخفف، فإن فيهم الكبير وإن فيهم المريض وإن فيهم الضعيف وإن فيهم ذا الحاجة. وإذا صلى أحدكم وحده، فليُصلّ كيف شاء).
    وفي باب آخر (حدثنا يحيى بن خلف الباهلي، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد الجريري، عن أبي العلاء: أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، يلبسها علي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له خنزب. فإذا أحسسته، فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً. قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني).

    فهذه الرواية في مسلم أصحّ من الروايتين السابقتين، ولا يوجد فيها شيء عن التلبس والصرع وما إلى ذلك..

    الحديث التاسع:
    (حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن زكريا قال حدثني عامر عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم أقبل راجعاً من عنده فمرّ على قوم عندهم رجلٌ مجنونٌ موثق بالحديد. فقال أهله: إنا حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير فهل عندك شيء تداويه؟ فرقيته بفاتحة الكتاب فبرأ فأعطوني مائة شاة. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته. فقال: هل إلا هذا. وقال مسدد في موضع آخر: هل قلت غير هذا؟ قلت: لا. قال خذها فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق).
    رواه أبو داود في سننه وأحمد في مسنده.
    قال الشيخ الألباني: صحيح.
    وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده محتمل للتحسين.
    وفيه خارجة بن الصلت، ذكره ابن حبان في الثقات.
    وقال عنه الذهبي في (الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب): محله الصدق.
    وقال ابن حجر في (تقريب التهذيب): مقبول.

    لكن الرواية كما هي واضحة لا علاقة بتلبس الجن وصرعه للإنسان، وكل ما في الأمر أن عمّ خارجة قرأ على هذا المجنون فاتحة الكتاب فبرئ، كما حدث ذلك مع نفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: إنطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم نعم والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ { الحمد لله رب العالمين }. فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة. قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم اقسموا فقال الذي رقي لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله فذكروا له فقال (وما يدريك أنها رقية). ثم قال (قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهما). فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم).
    فإذن الحديث ـ إن سلم من نقد السند ـ لا علاقة له بتلبس الجن..

    الحديث العاشر:
    (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسم: (إذا تثاوب أحدكم فليمسك بيده على فيه فإن الشيطان يدخل).
    رواه مسلم في صحيحه.
    والدخول هنا يمكن أن يكون حقيقة أو مجازاً..
    قال ابن حجر في (فتح الباري): (فإن الشيطان يدخل" فيحتمل أن يراد به الدخول حقيقة، وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكر الله تعالى، والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكر فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة. ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه، لأن من شأن من دخل في شيء أن يكون متمكناً منه).
    وقال المناوي في (التيسير بشرح الجامع الصغير): ((إذا تثاءب أحدكم) أي عرض له التثاؤب (فليردّه) أي ليأخذ في أسباب رده لا أن المراد أنه يملك دفعه (ما استطاع) ردّه (فإنّ أحدكم إذا قال ها) أي بالغ في التثاؤب فظهر منه هذا الحرف (ضحك منه الشيطان) أي حقيقة أو هو كناية عن فرحه وانبساطه بذلك).
    وقال بدر الدين العيني الحنفي في (عمدة القاري شرح صحيح البخاري): (فإن الشيطان يدخل يحتمل أن يراد به الحقيقة والشيطان وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكرا لله عز وجل والمتثاوب في تلك الحالة غير ذاكر فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه).
    وقال ابن بطال في (شرح صحيح البخاري): (ومعنى إضافة التثاؤب إلى الشيطان إضافة رضى وإرادة أي أن الشيطان يحب أن يرى تثاؤب الانسان، لأنها حال المثله وتغيير لصورته فيضحك من جوفه، لا أن الشيطان يفعل التثاؤب في الانسان لأنه لا خالق للخير والشر غير الله، وكذلك كل ما جاء من الأفعال المنسوبة إلى الشيطان فإنها على معنيين إما إضافة رضى وإرادة أو إضافة بمعنى الوسوسة في الصدر والتزيين).

    حتى لو كان الدخول حقيقياً فذلك لا يعني التلبس والصرع.. ولا دلالة في الحديث على ذلك..




  3. #3
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,141
    المواضيع : 253
    الردود : 5141
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    محاكمة الواقع..


    بعد عرض الأدلة من القرآن والسنة، سنحاكم الآن الواقع إلى الشرع، ونتبيّن هل ما يحدث الآن من أمورٍ حول قضية تلبس الجن بالإنسان يستند إلى أدلة شرعية أم لا؟

    وقبل ذلك أجيب من يسأل: وما الداعي لبحث هذا الموضوع وما الفائدة منه، وهل تريد إنكار دخول الجن في الإنسان؟
    أقول: ليس الأمر كذلك.. وإنما نريد أن نضع كل شيء في مكانه الصحيح.. وكم يعجبني أن أورد في هذا المقام الكلام الجميل للشوكاني رحمه الله تعالى عندما قال بعد أن ردّ دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع في كتابه (إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع):
    (وقد علم الله أنا لم نقعد في مجلس من مجالس السماع، ولا لابسنا أهله في بقعة من البقاع، ولا عرفنا نوعاً من أنواعه، ولا أخذ لنا وضعاً من أوضاعه، ولكنا تكلمنا بما تقتضيه الأدلة، وأزحنا عن صور المتكلم بالجلالة كل علة)..

    فإلى محاكمة الواقع إلى الدليل الشرعي من القرآن والسنة..

    أولاً: الجن مخلوقات من عالم الغيب، ولا نعلم عنهم شيئاً إلا ما أخبرنا به ربنا تعالى في كتابه، ونبينا صلى الله عليه وسلم.. ومن أنكر وجوده كفر لأنه مكذّب للقرآن والسنة..

    ثانياً: ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الجن له قدرة على التشكل، فقد أخرج مسلم في صحيحه قصة قتل الجني لفتى من المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصة سرقة الشيطان للطعام أخرجه البخاري في صحيحه، ومحاولته قطع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري في صحيحه، ومجيء الشيطان للرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة بشهاب من النار ليجعله في وجهه الشريف أخرجه مسلم في صحيحة..

    ولكن كل ذلك لا علاقة له بالتلبس..

    ثالثاً: أما قضية تلبس الجن بالإنسان: فلا يوجد دليلٌ قطعي الثبوت قطعي الدلالة عليها، فآية (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) قطعي الثبوت، لكن ليس قطعي الدلالة، لذا حدث خلافٌ في تفسيرها.
    والثابت القطعي من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يوسوس للإنسان ويزيّن له الباطل والشهوات والشبهات، ويدعوهم إلى الفحشاء والمنكر ويعدهم الفقر.. كما مرّ سابقاً..

    رابعاً: الواقع: قراءة القرآن على الممسوس.
    الدليل: لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن على الممسوس، وكل ما فعله صلى الله عليه وسلم أنه قال في قصة عثمان بن أبي العاص أنه قال: (أخرج عدو الله) (أخرج من صدر عثمان)، مع أن هذه العبارة لا توجد في رواية مسلم الأصح، فإنه صلى الله عليه وسلم علمه أنه إذا (أحسسته، فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً).
    وكذلك لم يثبت أن أحداً من الصحابة قرأ على ممسوس..
    بينما رخص النبي صلى الله عليه وسلم الرقية من الحمية والعين والنملة، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخّص في الرُّقْيَةِ مِنَ الْحُمَةِ، وَالْعَيْنِ، وَالنَّمْلَةِ. (سنن الترمذي، قال الألباني صحيح).
    ولم يذكر النبي صلى الله عليه شيئاً عن تلبس الجن وصرعه للإنسان..

    خامساً: الواقع: الجن يدخل في الإنسان ويتمكن منه ويصرعه ويستولي على سلوكه وأقواله وأفعاله ويتكلم بلسانه.
    الدليل: لا يوجد على ذلك دليلٌ، فالأحاديث ضعيفة..

    قال ابن حزم في (رسائل ابن حزم الأندلسي): (وأما كلام الشيطان على لسان المصروع فهذا من مخاريق العزامين ولا يجوز إلا في عقول ضعفاء العجائز، ونحن نسمع المصروع يحرك لسانه بالكلام، فكيف صار لسانه لسان الشيطان عن هذا لتخليط ما شئت. وإنما يلقي الشيطان في النفس يوسوس فيها، كما قال الله تعالى {يوسوس في صدور الناس}، وكما قال تعالى {إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} فهذا هو فعل الشيطان فقط، وأما أن يتكلم على لسان أحد فحمق عتيق وجنون ظاهر، فنعوذ بالله من الخذلان والتصديق بالخرافات).
    يقول الدكتور عبدالدائم الكحيل في مقالته (تلبس الجن للبشر: حقيقة أم وهم؟) على موقعه: (قد يقول قائل: كيف يتحدث الجني على لسان المريض أثناء تلاوة القرآن عليه؟ إن هذه الظاهرة سببها أن المريض يعتقد بوجود جني يسكنه، ويأتي المعالج ليعزز هذا الاعتقاد فيصبح حقيقة واقعة بالنسبة للمريض. وكما نعلم من مبادئ علم النفس أن الذي يعاني من انفصام شخصية أو ما يشبه ذلك يتخيل عدة شخصيات تسكنه، ويحاول أن يثبت لنفسه صحة ذلك فيتحدث مع المعالج أو مع نفسه أو مع من حوله وعندما يسأل يقول إن الجني هو الذي يتكلم وليس هو).

    سادساً: آيات القرآن الكريم تتشكل للجني واقعاً مادياً محسوساً، فإذا قرأت عليه آيات العذاب والنار تشكلت ذلك ناراً تحرقه.. وكذلك إذا أراد المعالج أن يعطي للجني ظهراً يركبه، قرأ آية فيها لفظ الجمل أو الخيل أو الحمير، فتتشكل ذلك اللفظ دابة حيّة..
    الدليل: لا يوجد على ذلك دليلٌ مطلقاً..

    ثم لا بدّ من إثارة سؤالٍ وهو: لماذا لا يحترق الجن من حولنا عندما نقرأ القرآن وآيات العذاب؟ لماذا الجني المتلبس بالإنسان فقط هو الذي يحترق ويتأثر؟ ما الدليل على هذا التخصيص؟
    بينما الثابت شرعاً أن الجن استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم فاهتدوا وآمنوا ثم ذهبوا إلى قومهم منذرين.. قال تعالى (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ).
    فأين الدليل على الحرق والتعذيب؟

    سابعاً: الواقع: القراءة على الماء ثم رشّه على الجني لحرقه.
    الدليل: لا يوجد دليلٌ على ذلك مطلقاً..

    ثامناً: القراءة على الكف بعض الآيات ثم عرضه للمريض، فإذا رأى مثلاً عيناً على الكف فذلك يعني أن المريض مصاب بالعين، وإذا رأى صليباً فذلك يعني أن الجني نصراني.. وهكذا..
    الدليل: لا يوجد على ذلك دليلٌ مطلقاً..

    تاسعاً: الواقع: ضرب المريض على أساس أن الذي يتألم هو الجني وليس المريض.
    الدليل: لا يوجد على ذلك دليلٌ مطلقاً..

    عاشراً: الواقع: تقرأ الآية الفلانية كذا مرة لعلاج الصداع، والآية الفلانية كذا مرة لعلاج كذا..
    الدليل: لا يوجد على ذلك دليلٌ مطلقاً..
    ثم إن هذا الفعل يقتل معاني القرآني الكريم، إذ تتحول الآيات من آيات هداية للإنسان ومرشداً له إلى الخير والصلاح، باعثاً إلى العمل وإعمار الأرض لتحقيق الخلافة المنوطة به، تتحول إلى مسكنات لآلم الرأس أو البطن، فتضيع معاني القرآن ومقاصده العظمى..

    أحد عشر: الواقع: إعطاء أسماء للجن واختصاصهم، فهذا جنّي خاصٌ بالربط بين الزوجين، وذاك جنّي مختصّ بالعشق، وآخر جن غواص يتلبس إذا صرخ الإنسان مثلاً في الحمام فينزعج الجني، والجني الطيار الذي من أعراض تلبسه أن المُتلبس يحب الجري والانطلاق في العراء مثلاً، وجني المقابر.. الخ.. وكل صنف من هؤلاء له أعراض معينه لتلبسه بالإنسي، ورقية خاصة لعلاجه..
    الدليل: لا يوجد على ذلك دليلٌ مطلقاً..

    بل كل ذلك قولٌ على الشرع بما لم يقل به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتحكّم من غير دليل..

    اثنا عشر: الواقع: عدم سكب الماء الساخن على الأرض لأن ذلك يؤذي الجن، ويمكن حينها أن ينتقم الجني من هذا الإنسان..
    الدليل: لا يوجد على ذلك دليلٌ مطلقاً..

    وقس على ذلك كل ما يفعله هؤلاء الرقاة، وانظر هل يستندون فيما يفعلونه إلى دليل من قرآن وسنة صحيحة، ثم احكم وفق ذلك على تصرفاتهم وأفعالهم..

    أسئلة:
    أولاً: لماذا لم يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم علاج المسّ وكيفية إخراج الجني، والآيات التي نقرأها على الممسوس، مع أن الأمر جدّ خطير؟
    نعم.. علمنا الأدعية والأذكار التي تحمينا من وسوسة الشياطين وتحصننا من شرورهم وكيدهم، ولكن لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أحداً كيفية إخراج الجن أو القراءة على المريض..

    ثانياً: إذا كان الجني يتلبس بالإنسان ويسيطر عليه كما يقولون، فهل الإنسان في هذه الحالة مسؤول عن تصرفاته وأفعاله وأقواله؟
    ماذا لو قتل شخصاً ثم قال بأني لم أفعل ذلك وإنما هو الجن المسيطر عليّ؟
    كيف نصدق دعواه؟ وكيف يتعامل القاضي مع ذلك؟

    ثالثاً: تكلم علماء أصول الفقه عن العوارض التي تأتي على أهلية الإنسان من جنون أو صرع أو سكر أو نوم.. الخ.. لكنهم لم يذكروا أن من هذه العوارض تلبس الجن وسيطرته على الإنسان، مع أن الأمر مشهور، لماذا؟

    رابعاً: كيف يعرف المعالج أن شخصاً ما ممسوس؟ على ماذا يستند؟ وما أدلته من الشرع؟ ومن أين جاء بتلك الحالات التي يقول المعالج بأن من كانت فيه فإنه ممسوس؟

    خامساً: يقولون إن مسألة التلبس والصرع مشاهدة وواقعة..
    نسأل: هل تمّ تشخيص هذه الحالات طبياً، من الناحية العضوية والنفسية؟ هل تم دراسة علمية شاملة كافية لهذه الحالات؟
    طبعاً الجواب يأتي سريعاً: نعم.. وفشلت كل المحاولات الطبية..
    لكني أقول: هذا كلام غير صحيح وغير دقيق.. نعم.. قد يكون المريض ذهب إلى بعض الأطباء ولكن ذلك لا يعني أن حالته غير مشخصة طبياً.. هذا من الناحية العضوية..
    ويبقى جانب العلاج النفسي بعيداً عن السؤال والاستفسار، وخاصة أن الطب النفسي محفوف عندنا بالعيب الاجتماعي والخجل، وخشية الاتهام بالجنون ومشكلة في العقل!
    إن الطب النفسي يكشف لنا جوانب عديدة من حالة المريض، وذلك بسؤاله عن طفولته ومشاكله النفسية والأسرية والوظيفية والمالية، واستجلاء ما عنده من عقد أو أفكار سلبية أو معتقدات خاطئة، وكل ذلك لا يفعله المعالج بالرقية، وإنما غاية جهده أنه يسأل المريض بعض الأسئلة البسيطة ثم يحكم عليه بأنه ممسوس!
    وهنا المريض يتقبل كونه ممسوساً لأنه في الأخير يريد علاجاً لمرضه الذي أنهكه، وهو مستعد أن يصدق أنه مسكون بالجن إذا كان في هذا علاجه، وما إن يقنع الإنسان بأنه مريض أو ممسوس وأن جنياً دخله، حتى يعمل العقل عمله في تثبيت ذلك الاعتقاد وترسيخه، فيتصرف الإنسان حينها وفق ذلك المعتقد والتصور حتى وإن كان خاطئاً!
    وقد قرأنا وسمعنا مثلاً عن تأثير العلاج الوهمي، والحروب النفسية، ومدى تأثيرها على الإنسان من الناحية الجسدية والنفسية..

    وننقل هنا كلاماً نفيساً للشيخ محمد ناصرالدين الألباني في مسألة الاعتماد على التجارب والواقع، فقد قال رحمه الله في (السلسلة الضعيفة والموضوعة) في كلامه عن الحديث: (إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا علي، يا عباد الله احبسوا علي، فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم). ضعيف.
    (لكن قال النووي: " إنه جربه هو وبعض أكابر شيوخه ". قلت: العبادات لا تؤخذ من التجارب، سيما ما كان منها في أمر غيبي كهذا الحديث، فلا يجوز الميل إلى تصحيحه بالتجربة! كيف وقد تمسك به بعضهم في جواز الاستغاثة بالموتى عند الشدائد وهو شرك خالص. والله المستعان).

    وخلاصة البحث أمران:
    الأول: أنه لا ينبغي للمسلم أن يقبل شيئاً إلا بدليل، وخاصة أن الأمر متعلق بشيء غيبي.. فما جاء الدليل به فعلى الرأس والعينين، وإلا فلسنا ملزمين شرعاً بالاعتقاد به ولا قبوله..

    الثاني: لا نعطي المسألة أكبر من حجمها، وحجم هذه المسألة كما هو واضحٌ صغير، فلم يصحّ شيء في الباب، فلم يسلم سند حديث من كلام، وما كان صحيحاً ليس فيه دلالة على التلبس والصرع و... وإذا قرأنا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، لرأينا العمل والجهاد ونشر الدين ومقارعة الظالمين وتثبيت أركان الدين، ولم يكن شغلهم الشاغل جني دخل وجني خرج، كما هو منتشرٌ اليوم..
    وعلى هذه الجهود والأموال أن تذهب لتثقيف الناس وتعليمهم العقيدة الصحيحة ودعوتهم إلى الرجوع إلى سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح، ومحاربة الظلم والفساد والجهل الذي جعل منّا أمة مريضة تبحث لحلّ مشاكلها في عالم آخر، وعند مخلوقات أخرى!
    علينا توعية الناس ونشر العلم النافع فيهم، بدل (تجنينهم وتخبيلهم) بقصص وحكايات لا دليل عليها من كتاب ربنا تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم..

    وقبل نهاية البحث أحبّ أن أسجل هنا معلومة مفيدة استفدتها من برنامج (هل يختلفان) للدكتور محمد هداية، وسوف أعرض المعلومة بأسلوبي للتخلص من أسلوب البرنامج الحواري..
    قال تعالى (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)).

    فهنا الشيطان عليه اللعنة طلب من الله تعالى أن يؤخره إلى يوم القيامة، وأنه لو قُبل طلبه ليحتنكنّ ذرية آدم عليه السلام إلا قليلاً..
    فأخّره الله تعالى إلى يوم الوقت المعلوم، وقال له إذهب وأضف إلى الاحتناك أشياء أخرى (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا).
    فبذلك تحددت طرق الشيطان ووسائله في التأثير في الإنسان، وهي أربعة طرق:
    1 ـ الاحتناك.
    2 ـ استفزز من استطعت بصوتك.
    3 ـ أجلب عليهم بخيلك ورجلك.
    4 ـ وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم.

    فهذه طرق الشيطان ووسائله التي تضمنتها الآيات الكريمة، وهي غاية ما يستطيعها الشيطان ويقدر عليها، ولا يوجد فيها شيءٌ عن تلبس الإنس وصرعهم وما إلى ذلك من أمور لم يقم الدليل الصحيح الصريح عليها..


    والله تعالى أعلم وأحكم وأعظم..







  4. #4
    الصورة الرمزية رافت ابوطالب قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Feb 2015
    المشاركات : 964
    المواضيع : 527
    الردود : 964
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    بارك الله بكم اخى العزيز بهجت الرشيد على ذلك التأصيل الطيب
    لكن للأسف بتعطيلنا لشرع الله سبحانه صرنا نحن الجن نفسه
    وصار كل منا يسكن الأخر ولا يجعله مستقرا فى امرا ما فى حياته وفق القوانين الوضعية
    وصار كل منا يتحرك ذاتيا لأرضاء الشخص الذى يسكنه نتيجة سلطانه عليه

    دمتم بخير
    العمل بشرع الله يجعل صفاتنا فى علو يليق بعلو انه شرع من له الصفات العلى سبحانه

  5. #5
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 623
    المواضيع : 248
    الردود : 623
    المعدل اليومي : 0.12

    افتراضي

    ............................................

    أخى الكريم بهجت الرشيد .. السلام عليكم ورحمة الله
    بحث جميل وفيه جهد مبذول .. ولكن اسمح لى بالحوار والتعقيب
    ....

    هناك فرق شاسع بين : مس الشيطان وتلبس الجان .. فهذا يختلف عن ذاك .. لأن عالم الشيطان يختلف عن عالم الجان .

    الشيطان له ذريته تلك الذرية جميعها شياطين فى النار خالدين . { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ }

    أما الجان فهم أمة عاقلة موعودة ومتوعدة ( بالجنة والنار ) لايُرواْ بحاسة البصر ولايدركوا بحاسة اللمس مخاطبون بما نحن به مخاطبون ومكلفون بما نحن به مكلفون .
    إبليس كان من هؤلاء الأمة أمة الجان ولكنه بعد أن عصى وأبى السجود لأبينا آدم جعله الله شيطاناً وأصبح هو ونسله شياطين .

    *****
    فالإنسان يمكن أن يصاب من مس الشيطان .. ولكن لايمكن أن يكون هناك تلبس له من الجان .
    ...............
    تحياتى إليكم وكل المحبة والتقدير

  6. #6
    الصورة الرمزية فكير سهيل قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Aug 2013
    المشاركات : 1,051
    المواضيع : 97
    الردود : 1051
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي

    بارك الله فيك أخي بهجت الرشيد و شكرا على طرحك للموضوع
    هناك حديث صحيح يبين ذلك فلا يدع مجالا للشّك ألا و هو :
    "عن يعلى بن مرة الثقفي: عن أبيه: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم معها صبي لها به لمم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اخرج عدو الله، أنا رسول الله، قال: فبرأ. " رواه أحمد، وصححه الألباني.
    الحديث صحيح و أعلى درجة من الحسن الذي ذكرته و الذي حسّنه الشّيخ بحكم أنّ الشّيخ من علماء الحديث.
    و اما مسألة تخبّط الشّيطان لآكل الرّبا فقد قال ابن عبّاس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يُخْنَق, و هذا يدل على أنّ المصروع حاله كحال المجنون و الجنون لا يكون إلا بفساد العقل و فساد العقل لا يكون إلاّ بما يخالطه كالخمر من المادّيات أو مخالطة جنّي إذ لا يعقل أن يُفسد عقله من بعيد فلم يثبت أنّه يملك تلك الخاصّية و المسّ يحتمل عدّة معان كمخالطة البدن للبدن وانظر إلى قوله تعالى "من قبل أن تمسّوهن" قال البغوي في تفسيره "والمراد بالمس المذكور في الآية : الجماع" و الجماع مخالطة الجسد للجسد و في إيلاج جزء من الجسد في الجسد فإذا صحّ هذا فإنّه يمكن حمل معنى المسّ المذكور في الآية على الدّخول, يبقى الدّخول هل يكون كلّيا أو جزئيا مثل حال الجماع فيمكن القول حينئذ أنّ الدّخول الجزئي ينفي عدم الدّخول و فيه ردّ له و قد تحقّق المراد و الدّخول الكلّي غير منكر و يشهد له قوله صلّى اللّه عليه و سلّم "أُخرُج عدوّ اللّه" فلو كان جزئيا لقال أَخرِج ربّما و كذلك الأذى الذي يحصل من الجنّي للأنسيّ فشدّته و علاماته تدلّ على أنّ العمل يبعد أن يكون من بعيد من إغماء و ذهابٍ للعقل و التّكلّم بكلام سليم واضح ليس لصاحبه كأن يتكلّم بلغة غير لغة المصروع الأصلية بحيث لا يكمنه أن يكون عن مجرّد وسوسة كأن يقول له قل كذا و كذا بل هو تحكّم في أسباب الكلام في الدّماغ و إلا لكان حال الكثير هكذا بحكم وسوسة الشيطان لبني آدم و هو عمله, و الوسوسة يمكن أن يردّها صاحبها أو جزء منها, و كذلك شلل الجسم و إيذاء أعضاء داخلية كالمعدة و سائر الأعضاء فلا يعقل أن يؤذيها من الخارج. قد يقال أن الجنّي يؤذي الإنسيّ عن طريق السّحر بالعقاقير فيُقال بأنّه لو كان الأمر كذلك لما كانت هناك حاجة للتّفريق بينهما و لا كان هناك ذكر للمسّ أصلا و قدّ خصّه الله تعالى بالذّكر في الآية دون السّحر الذي ذكره في غير موضع من القرآن الكريم.
    و التجارب تدل على أن الجنّي يعترف بالدخول و الخروج, فقد يكون كاذبا و لكن تواتر الأخبار خاصة من الرقاة و منهم العلماء منذ القديم يدل على استحالة التواطؤ على الكذب و خداع العلماء, خاصة و أن الجنّي يكون في حالة لا يحمدها و لا يمكنه معها التمثيل و إلا كيف يترك بعدها المصروع.
    شكرا لك أخي بهجت الرشيد مجدّدا و بارك الله فيك.
    فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان
    أبو عبد الله

  7. #7
    الصورة الرمزية فكير سهيل قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Aug 2013
    المشاركات : 1,051
    المواضيع : 97
    الردود : 1051
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي

    أنوّه أخي الكريم بهجت الرشيد أنني لست بصدد ترجيح الأقوال أو تفسير للقرآن أو الجمع بين آياته فيما قلته عموما و عن آيات المسّ في الجماع و مسّ الشيطان خصوصا و يجب أن لا يحمل قولي على هذا, و ما قلته لا يعدو أن يكون اقتراح و مشاركة بقولي يحتمل.
    و هكذا سائر مشاركاتي.
    في لسان العرب : وماسَّ الشيءُ مُمَاسَّةً ومِساساً: لَقِيَه بذاته. وتَمَاسَّ الجِرْمانِ: مَسَّ أَحدُهما الآخر.
    تقبّل مروري.

  8. #8
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,141
    المواضيع : 253
    الردود : 5141
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رافت ابوطالب مشاهدة المشاركة
    بارك الله بكم اخى العزيز بهجت الرشيد على ذلك التأصيل الطيب
    لكن للأسف بتعطيلنا لشرع الله سبحانه صرنا نحن الجن نفسه
    وصار كل منا يسكن الأخر ولا يجعله مستقرا فى امرا ما فى حياته وفق القوانين الوضعية
    وصار كل منا يتحرك ذاتيا لأرضاء الشخص الذى يسكنه نتيجة سلطانه عليه

    دمتم بخير

    نعم أخي صدقت..
    بارك الله فيك ورعاك
    وشكراً لمرورك العطر وقراءتك..

    تحياتي ومحبتي




  9. #9
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,141
    المواضيع : 253
    الردود : 5141
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السعيد شويل مشاهدة المشاركة
    ............................................

    أخى الكريم بهجت الرشيد .. السلام عليكم ورحمة الله
    بحث جميل وفيه جهد مبذول .. ولكن اسمح لى بالحوار والتعقيب
    ....

    هناك فرق شاسع بين : مس الشيطان وتلبس الجان .. فهذا يختلف عن ذاك .. لأن عالم الشيطان يختلف عن عالم الجان .

    الشيطان له ذريته تلك الذرية جميعها شياطين فى النار خالدين . { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ }

    أما الجان فهم أمة عاقلة موعودة ومتوعدة ( بالجنة والنار ) لايُرواْ بحاسة البصر ولايدركوا بحاسة اللمس مخاطبون بما نحن به مخاطبون ومكلفون بما نحن به مكلفون .
    إبليس كان من هؤلاء الأمة أمة الجان ولكنه بعد أن عصى وأبى السجود لأبينا آدم جعله الله شيطاناً وأصبح هو ونسله شياطين .

    *****
    فالإنسان يمكن أن يصاب من مس الشيطان .. ولكن لايمكن أن يكون هناك تلبس له من الجان .
    ...............
    تحياتى إليكم وكل المحبة والتقدير
    الشيطان يطلق على كل عاتٍ متمردٍ من الجن والإِنس والدواب (أنظر لسان العرب)
    والآية التي يستند إليها من يقول بالتلبس هي ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ )
    وسؤالنا : هل المسّ هنا يعني التلبس والدخول في الآدمي وصرعه والتحكم فيه، أم أنه الوسوسة والإغواء ؟

    تحياتي أخي العزيز
    وشكراً لمرورك العطر وتقديري




  10. #10
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,141
    المواضيع : 253
    الردود : 5141
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    ( هناك حديث صحيح يبين ذلك فلا يدع مجالا للشّك ألا و هو :
    "عن يعلى بن مرة الثقفي: عن أبيه: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم معها صبي لها به لمم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اخرج عدو الله، أنا رسول الله، قال: فبرأ. " رواه أحمد، وصححه الألباني ).


    الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والذي فيه ( أخرج عدو الله ) ضعيف، لأن المنهال بن عمرو لم يسمع من يعلى بن مرة. أي بينهما مجهول..
    فأين صحح الشيخ الألباني الحديث ؟

    ( مسألة تخبّط الشّيطان لآكل الرّبا فقد قال ابن عبّاس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يُخْنَق )

    قلت ذلك.. أن جمهور المفسرين ذهبوا أن القيام المقصود في الآية يكون في الآخرة، أي أن آكل الربا يقوم يوم القيامة كالشخص الذي مسّه الشيطان وتخبّطه في الدنيا.. وأن الآية تدل على أن الشيطان له قدرة التلبس والصرع للإنسان..

    لكن هل الآية قطعية الدلالة على التلبس؟
    حسب بحثي لا..

    ( و المسّ يحتمل عدّة معان كمخالطة البدن للبدن وانظر إلى قوله تعالى "من قبل أن تمسّوهن" قال البغوي في تفسيره "والمراد بالمس المذكور في الآية : الجماع" ).

    ما مصدر قولك أخي على أن المس يتحمل معنى مخالطة البدن للبدن ؟
    فأنا وجدت أن المس في الآية (كناية) عن الجماع.. جاء في لسان العرب : (يكنى بالمساس عن الجماع والمُماسَّةُ كناية عن المباضَعَة وكذلك التَّمَاس قال تعالى "من قبل أَن يَتَماسَّا". وفي الحديث "فأَصَبْت منها ما دون أَن أَمَسَّها" يريد أَنه لم يجامعها. وفي حديث أُم زرع زوجي المَسُّ مَسُّ أَرْنَب وصفَتْه بلين الجانب وحسن الخَلْقِ قال الليث لا مِساس لا مُماسَّة أَي لا يَمَسُّ بعضُنا بعضاً وأَمَسَّه شَكْوى أَي شكا).
    وفي تاج العروس للزبيدي : (قولُه تَعَالَى : " منْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا " وهو كِنَايةٌ عَنِ المُبَاضَعَةِ وعِبَارَةُ التّهْذِيبِ : والمُمَاسَّةُ : كنَايَةٌ عن المُبَاضَعَةِ).

    ( كأن يتكلّم بلغة غير لغة المصروع الأصلية بحيث لا يكمنه أن يكون عن مجرّد وسوسة كأن يقول له قل كذا و كذا بل هو تحكّم في أسباب الكلام في الدّماغ و إلا لكان حال الكثير هكذا بحكم وسوسة الشيطان لبني آدم و هو عمله, و الوسوسة يمكن أن يردّها صاحبها أو جزء منها, و كذلك شلل الجسم و إيذاء أعضاء داخلية كالمعدة و سائر الأعضاء فلا يعقل أن يؤذيها من الخارج. قد يقال أن الجنّي يؤذي الإنسيّ عن طريق السّحر بالعقاقير فيُقال بأنّه لو كان الأمر كذلك لما كانت هناك حاجة للتّفريق بينهما و لا كان هناك ذكر للمسّ أصلا و قدّ خصّه الله تعالى بالذّكر في الآية دون السّحر الذي ذكره في غير موضع من القرآن الكريم ).

    لم يثبت في الشرع أن الجني يتكلم بلسان الإنسان أو أنه يتحكم في أسباب الكلام في الدماغ..
    وهذه أمور ٌ غيبية لا تعرف إلا من خلال الشرع..

    ( و التجارب تدل على أن الجنّي يعترف بالدخول و الخروج, فقد يكون كاذبا و لكن تواتر الأخبار خاصة من الرقاة و منهم العلماء منذ القديم يدل على استحالة التواطؤ على الكذب و خداع العلماء, خاصة و أن الجنّي يكون في حالة لا يحمدها و لا يمكنه معها التمثيل و إلا كيف يترك بعدها المصروع ).

    التجارب لا تؤخذ في الأمور الغيبية، وقد نقلت في البحث كلاماً قيّماً للشيخ الألباني في مسألة التجارب فراجعه مشكوراً..

    تقبل أخي العزيز تحياتي وخالص دعواتي





صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. من تلبس اهدومك تكشخ اهدومك بيك
    بواسطة محمد الفهد في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 23-02-2009, 09:39 PM
  2. مسألة في العروض والوزن
    بواسطة عبدالملك الخديدي في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 10-01-2008, 06:11 AM
  3. اقرأ تحقيق من غير تحقيق أصلا
    بواسطة عطاف سالم في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 16-07-2007, 04:03 PM
  4. الحب مسألة ترتب نفسها ...!!
    بواسطة سلطان السبهان في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 61
    آخر مشاركة: 14-03-2006, 11:09 PM
  5. مجرد تأمل بسيط في مسألة ناقصات عقل ودين
    بواسطة مهند صلاحات في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 17-11-2005, 09:04 PM