دروس في العروض الإيقاعي -2:


فلنبدأ بتحليل كلمة "الموسيقا"؛
الصوت الموسيقي يعرف بأنه (صوت صادر برتابة متناسبة في زمن متساو)
أو ؛الموسيقا هي (أصوات مختلفة النغم في وحدة زمن متساو)
إذن ينحصر تكوين الموسيقى بعنصرين هما
(1-الصوت المختلف النغم؛ في 2- الزمن المتساوي)
فما هو
1- الصوت المختلف النغم؟لنبدأ:
في الموسيقى سبعة أصوات أساسية مختلفة في حدة طبقتها وهي بدءا من الصوت الأقل حدة:
(do-re-mi-fa-sol-la-si)-do)
تلي هذه (السبعة)سبعة أخرى
فالصوت الثامن do هو جواب لصوت القرار الأول ؛وما بين القرار والجواب سبع مسافات صوتية خمس منها كبيرة وهي الواقعة بين:
Do-re,re-mi,fa-sol,sol-la,la-si

ومسافتان صغيرتان بين :
mi-fa),(si-do) )
إن المسافات المتوافقة هي التي ترتاح لسماع صوتها الأذن سواء أضربا معا في وقت واحد أم ضرب أحدهما بعد الآخر
وهذه المسافات هي :الأولى والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة
أما المتنافرة فهي التي لا ترتاح لسماع صوتها الأذن وهي: الثانية والسابعة
إن أصوات السلم الموسيقي في أعلاه هي الأصوات الطبيعية الصادرة من إنسان أو آلة ليسمعها إنسان آخر ولكن هل كل فرد منا يميز طبقات هذه الأصوات ويعرف –مثلا-المسافات المتنافرة المذكورة ؟الجواب بالنفي؛ذلك أن الموسيقار أو الملحن هو الذي يميز طبقات الأصوات والمسافات المتنافرة ؛أما الشعراء عند إلقائهم الشعر حتما مروا بهذه المسافات المتنافرة ولم يمج إلقاءهم المتلقي لسبب بسيط هو ؛إن الشعر المسموع لم يكن هو موسيقا قائمة؛بل مثله كالنثر لا يطبق عليه النظام الموسيقي
2- الزمن المتساوي :
الزمن هو العنصر الرئيسي في الموسيقا ولولاه؛ لأصبحت الموسيقا أصواتا عشوائية تنفر منها الأسماع وتمجها الأذواق المرهفة؛فالعنصر المكوّن في التأليف الموسيقي يشغل زمنا معينا يسمى "الزمن الكامل"لذلك فكل (مازورة)بين مجموعتها اللحنية تشغل زمنا ثابتا (بالنسبة للموازير السابقة واللاحقة)يستمر إلى نهاية مقطع اللحن ؛ويمكن تجزأة هذا الزمن إلى نصف أو ربع أو ثمن جزء أو واحد من 16 جزء أو واحد من 32 جزء ؛وهذا التساوي والتقسيم الدقيق في وحدة الزمن لتردد الأصوات يخلق في الموسيقا إيقاعها المميز المنتظم
ولو قارنا الموسيقا بالشعر في عنصر الزمن المتساوي لوجدنا فارقا ملموسا يبرز في افتقار الشعر للزمن المتساوي الدقيق بين وحداته الإيقاعية إلا من زمن يتألف مثل تأليف أي مكون صوتي حين يشغل زمنا معينا أثناء النطق في ظاهرة فيزيائية ضمن الشروط الطبيعية للغة (أو زمن منسّق بتنسيق المقاطع)وهو زمن غير متساو بدليل أن الشاعر أو المنشد يمكن أن يمد حرفا ما مدة ًتساوي أضعاف أضعاف مدته الاعتيادية؛ولا يمكن تجزأة هذا الزمن إلى أجزاء أصغر متساوية كما في تقسيم الزمن الموسيقي
فالانتظام المطلق خاصية موسيقية لكنه ليس خاصية إيقاعية في الشعر-يقول الأستاذ كمال أبو ديب مستأنفا:
إن النظام الشعري يقتصر على تأليف الوحدات بشكلين أحدهما يعاكس الآخر ولا يستطيع تجزئ النوى (المقاطع)إلى نصف زمن وربع زمن وثمن زمن وجزء من 16 من الزمن وجزء من 32 من الزمن وهذه فروق جذرية بين المفهوم الكمي في الموسيقى والمفهوم الكمي في الشعر.
وهكذا انتهينا إلى فكرة جديدة حول ما إذاكان الشعر هو الموسيقا؛ أو جزء منها حين ألقاه الشاعر في عصور ه المتقدمة في القدم؛أو هل صح وصفه من قبل الأدباء عبر التاريخ بهذا الوصف عندما خلطوا بين ما هية الشيء وبين صفاته المكتسبة ؛فكانت الدلائل عكس ما آلوا إليه وتبين أن الموسيقا قوامها تناسب الصوت في زمن واحد؛والشعر غير ذلك وهذا جواب الشق الأول من سؤالنا؛أما جواب النصف الثاني فلا يمكن أن يكون الشعر _وهو علم قائم بذاته-أن يكون جزءا من الموسيقا
وقد يبرز سؤال يعجز الكثير من الإجابة عليه ألا وهو:
إذا كان الشعر هو الموسيقا فلماذا القصائد الشعرية لا تغنى دون تدخل الموسيقار أو الملحن؟ولماذا يستطيع الشاعر أو المنشد أن يغير زمن الوحدة الوزنية بالمد والقصر حيث يشاء ولا يجوز ذلك التغيير في الزمن الموسيقي؟