كاملة بدارنة تختزل الحياة في مجموعة قصصيّة
بقلم نمر القدومي:
صدرت مجموعة "صور ملوّنة" القصصيّة للأديبة الفلسطينيّة كاملة بدارنة، هذا العام 2015 عن دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس، وتقع في 144 صفحة من الحجم المتوسّط.
القارئ لهذه المجموعة القصصيّة سيجد نفسه أمام أديبة متمكنة، أحلامها وردية وطموحاتها عالية... تضع بين أيدينا ثمرة عمل شاق استحوذ على تفكيرها وحِسِّها ورؤيتها المستفيضة للواقع الذي يعيشه أبناء جلدتها.
" بدارنة" اختزلت مشاعر الحياة كلها، منها السياسية والاجتماعية والنفسية وحتى السلوكيات الفردية، في مشاهد متنوعة ومبوبة على شكل أقاصيص هادفة، تارة بلغة بسيطة، وتارة أخرى ببلاغة فائقة وكلمات جميلة أثْرَتْ بها خزائن القرّاء الأدبية .
حاولت الأديبة بكلماتها وأسلوبها المشوّق أن تزيل الغبار عن حقيقة الإنسان ومشاعره المختلفة والمتلونة، وتركت عمق المعاني والإستفادة دون الكشف عن الحقائق علنا، خاصة وأنه لا يوجد أبطال أو مسمّيات أو شخصيات في كتابها "صور ملونة" عدا ليلى والذئب القصة التي باتت أسطورة الأجيال !
المشاعر بالنسبة لها موحدة بأسمائها، وبإمكاننا سرد وكتابة عن كلّ منها مليون قصة وقصة، وببساطة أن ننظر حولنا وداخلنا قليلا؛ لنجد أنَّ كل حركة في حياتنا لها وقفة عند الكاتبة تُعيرها كل الإهتمام ؟؟
إنَّ مَن يتأمل جيدا في خواتم الأقاصيص، نجد أنّ هناك الكثير من الحِكم التي تستدعي الوقوف عندها وقياسها بحال كل واحد فينا، وذلك لمن أراد التمعن والتفحص لمجريات حياته لطالما نحن نتعلم من الكلمة المسموعة أو المقروءة أو حتى المرسومة لتصحيح المسار وفهم الصواب
ونستطيع أن نستشف من وحي الكلمات ومن بين ثنايا السطور ذلك الوعي الإنساني والعقلاني للواقع المرير الذي يعيشه مجتمعنا، ومحاولة الكاتبة من خلال رقيّها ومن خلال عرضها لهذه الآفات والمواقف الاجتماعية والإضطهاد السياسي أو سيطرة النفوس المريضة، محاولة تقديم الصورة الواضحة كل بلونها الملائم لمعالجة أمراض العصر الآخذة بالتفاقم.
"كالذي جلس واهنا على مقعد ذكرياته، ثم راح يجوب في شوارع مدن نضارةِ أيامه، مستحضرا نفسه الشابة ومعاتبا إياها :
لِمَ لَمْ تلمّحي لي بخسارتك يوما ما؟
فأجابت: لأنك لم تفز بي لحظة ما !
جميلٌ منكِ أيتها "الكاملة" أنكِ تتشبثين بالواقع حتى جذوره الممتدة في أعماق الحياة، وابتعدتِ عن مسرح الخيال الذي يهيم بالناس إلى حيث اللا معنى واللا غاية!
ويجدر بي أن أشير إلى جمال الصورة الأدبية واللغوية النابضة، والتي أخذت حيزا كبيرا في كتاب "صور ملونة" فتلونت الكلمات بالعمق اللغوي والبلاغي، واختارت الكاتبة المفردات الملائمة لمغزى الحديث..فكان المستوى رفيعا لا تُكلّم به العامة من الناس، وحافظت على المستوى الذي ترتأيه لنفسها ولقلمها .
راقني ما كتبتِ أيتها الأديبة "بدارنة"، ونهرك من العطاء لن تسقط نونه أبدا، ويراعكِ بلسما في أجساد المظلومين ..ولن ننزع النقطة من ياء "الحرية" عساها تستقر في صدورنا !
ومعا نكبّ الرّياء، ونتكبّر عن كل ما يخدش الحياء في عالمنا، ولن نسمح لأحد أن يسحب وسادة أحلامنا من تحت رؤوسنا.
سنعيش معا يدا بيد وبوجوه مستبشرة دون أقنعة زائفة.
وفي النهاية سنشبع أرواحنا بإرضاء أطفالنا وإرضاعهم الحب الحقيقي والآمال العظيمة، ونستعيد بوصلتنا في الحياة .