المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عادل العاني
أخي العزيز وابن العم الغالي عبده فايز
أنا والله سعيد جدا لمداخلتك , لأنني دائما أعتبرك صمام الأمان لمثل هذه الأمور, وأفكر ألف مرة فيما أكتبه وأحاول أن أستقرئ ما سترد به .
واسمح لي أخي أن أبين وجهة نظري وفقا لما تفضلت بطرحه:
1- أخي العزيز كلنا نعلم جيدا وضع العرب عند ظهور الإسلام وبدء نزول الوحي على سيّد المرسلين محمد صلّى الله عليه وسلّم , والعرب كان مشهود لها بفصاحة اللغة العربية , كما كان مشهود لها بالشعر العربي الذي اعتبر أحد مقومات اللغة العربية , بل أنه كان سبيلا للتواصل اليومي , كما كان سبيلا للتفاخر واقترن الشعر بالفروسية.
وأنا سبق وأن تطرقت في موضوع آخر عن تأثير الشعر العربي عند ظهور الإسلام , ولا أعني به كشعر بل كميزة وخاصية اتصف بها العرب حيث كان الشعر ينظم ويلقى ويسمع ويحفظ دون أن يكتب .. ثم كان ينقل على السماع , وهذه الخاصية التي امتاز بها العرب ساعدت أيضا فيما بعد على سماع آيات القرآن الكريم وحفظها ونقلها بكل أمانة قبل أن يبدأ بكتابة آيات القرآن الكريم.
ومن المنطقي أن يأتي كلام الله عزّ وجلّ أبلغ من كلام فحول الشعر العرب, ولاداعي أن نخوض في تفاصيل ذلك الآن ... فمن المنطقي أن يأتي نص هنا أو نص هناك بما يتلاءم مع بعض القواعد التي اعتاد عليها العرب لكن هذه النصوص فاقت ببلاغتها ومعانيها ما كانوا يألفونه.
ولهذا ليس غريبا أن يخاطب سبحانه وتعالى بلغة أبلغ من لغة فحول العرب الشعراء, لكن لم يرد في القرآن الكريم بيت شعر واحد بل ماورد فيه أشطر لبحور الشعر العربي والشطر لا يعتبر بيتا , ولهذا أيضا كان يجري على لسان النبي الأعظم شطر بيت واحد صحيح ولا ينطق الشطر الثاني صحيحا , ولهذا فالمشطور ليس شعرا.
وأضيف بأن الشهاب .. استعرض بعض أشطر بحور الشعر العربي التي وردت في القرآن الكريم معتمدا على بحور الفراهيدي. وسأضعها لاحقا للعلم ...
وأنا إذ أستشهد بكلام الله تعالى في بعض ما طرحته لا يعني أن ما قلته أنه شعر وإنما أتحدث عن خلية مبنية من تفعيلتين , واعتراض السيدة ثناء يعبر عن وجهة نظرها وليس وجهة نظري. فالفراهيدي لم يضع العروض كدستور بل هو اكتشف بعض ما كانت العرب تقوله.
2- أتفق معك في أنه باب يجب الحذر منه لكنه أخي يعزز أن بلاغة القرآن الكريم أعلى بكثير من بلاغة البشر وليس الإستناد لبعض ماورد في كلام الله عزّ وجلّ يفتح بابا للإساءة للدين الإسلامي بل هو تعزيز له , وهو أفضل من أن نتبنى اليوم ما يسمى ( قصيدة النثر ) ومع الأسف أنت تعرف أن بعض الهيئات تبنت ذلك وتتذكر اعتراضي عليها الذي أرسلته للأخ خالد البار... هنا تكمن مخاطر الطعن بالقرآن الكريم والدين الإسلامي حين نسمح للنثر أن يسمى قصائد أو أشعار ... ونأتي بعد عقود لنجد من يدعي ما يدعي على قرآننا الكريم.
3- أخي العزيز العرب كانت تتحدث الفصحى , لكن قمة البلاغة عندهم تمثلت بالشعر , وجاء كلام الله تعالى أبلغ من الشعر لأن الشعراء كانوا يمثلون النخبة من الفصحاء في القبائل العربية . أما ما تفضلت به من الإستدلال بالشعر , فالشعر الذي كان يطرح يوميا وعلى مدى قرون من غير المعقول أن العروض التي وضعها الفراهيدي غطته بالكامل , والشعر لك يكن مكتوبا بل منقول عن سماع .. وما وصل إلينا تعرض لتحديدات بعد ظهور العروض التي تبنت بحورا وأهملت بحورا. ولهذا بيس غريبا أن نجد توافقا لما كانت العرب تقوله , والسؤال الذي يطرح نفسه أيضا هنا هو لماذا اتهمت قريش النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر وأن ما يأتي به هو شعر , فأين آيات الله من الشعر ؟ لكن حتما كان هناك ما يوحي من أسلوب الصياغة والخطاب البلاغي , لكنهم لم يعثروا على بيت واحد لهذا سلّموا بأن هذا كلام أبلغ من كلام البشر.
وأتفق معك أن الله سبحانه وتعالى نزه نبيه عن أن يكون شاعرا , وقلت أن النبي الأعظم لم يكن يجري على لسانه أكثر من شطر واحد صحيح وهو يردد ما يقوله غيره,
والسؤال هنا أيضا لماذا كان يجري على لسانه شطر واحد ؟ .. برأيي لأن الشطر الواحد ليس شعرا ...
أما الإستشهاد فيا أخي العزيز هذا ليس جديدا بل هناك من طرح هذا سابقا , والطرح عزز أن آيات الله تعالى ليست شعرا لأنها لم تتضمن بيتا واحدا .. لكن كل بحوزر الشعر العربي وردت .. وهذا تحدي رب العالمين لشعراء قريش .. الذين كانوا يمثلون النخبة.
4- نعود إلى موضوع الفراهيدي وتفعيلاته , أخي العزيز هو لم يضعها بل العرب هي من وضعتها وهو اكتشفها وفقا لما كان بين يديه , ومن غير المعقول أنه اطلع على كل الشعر الذي قيل قبله ولمدة عدة قرون خاصة وأن الشعر لم يكن مكتوبا ... أما إن كان قد بحث في كلام رسول الله فنعم أخي هو بحث وحدد رأيه كما طرحته أنا في موضوع النبي محمد صلى الله عليه وسلم والشعر العربي , ولهذا طالبت هناك بإسقاط المشطور والمنهوك من الشعر كما طالبت بالتمييز بين الشعر والأراجيز. وخطأ الفراهيدي أنه اعتمد المشطور والمنهوك.
وأتفق معك في تنزيه القرآن الكريم ... لكن سبحانه وتعالى ( وما علّمناه الشعر وما ينبغي له ) وهذا ما يثبت أن الشعر موهبة من رب العالمين , كما يثبت أن ( ما ينبغي له ) أي أن يفقه في أسلوب بناء الشعر العربي , وكللاهما موهبة من رب العالمين.
وأذكر ويمكن لك أن تتأكد أن الفراهيدي قبل اكتشافه للعروض يقال أن كان يحج لبيت الله وأمسك بباب الكعبة ودعى ربه أن يلهمه علما يتفوق به ... وكان له ما أراد بعد عودته من الحج للبصرة أن استجاب الله لدعائه وهداه إلى أن يكتشف العروض وبحور الشعر ويضع لها دوائر شعرية.
أدعو الله أن يغفر لنا إن أخطأنا ... ويهدينا للصواب واعلم أن ما نقوم به هو لتعزيز مكانة الشعر العربي وارتباطه الوثيق باللغة العربية والبلاغة العربية تجاه ما تشهده الساحة من هجمة شرسة لا نشعر بها الآن والتي تهدف لتقويض أسس الشعر العربي وطرح البدائل المقيتة التي تستهدف لاحقا الطعن بكلام الله عز وجل وديننا الحنيف.
بارك الله فيك أخي ووفقنا جميعا للسير على الصراط المستقيم.
تحياتي وتقديري