سافو أول شاعرة عرفها التاريخ الإنساني، لم يعرف الأدب العالمي شاعرة أخرى قبلها ولم تلحق بها شاعرة إلا بعد وفاتها بمئات السنين لتظل سافو أول رائدة وألمع اسم في تاريخ الأدب النسائي حتى الآن وسافو شاعرة يونانية عاشت منذ ألفين وخمسمائة عام على وجه التقريب أما مكان ميلادها فهو جزيرة لسبوس اليونانية، وكانت سافو في عصرها والعصور التالية لها أشهر امرأة في اليونان كلها وكانت أشعارها وأغانيها تدور على كل الألسنة وكان سقراط أعظم فلاسفة العالم القديم يسميها سافو الجميلة.
نضجت سافو في سن مبكرة وأصبحت معروفة بقدرتها الفنية العالية قبل أن تبلغ العشرين، من عمرها وكان لها نشاط سياسي مؤثر أدى لتعرضها للنفي من مدينتها لسبوس مرتين، كانت الأولى وهي في سن التاسعة عشرة وكانت الثانية وهي في سن الحادية والعشرين، فكان حكام مدينتها يخافون من تأثيرها على الرأي العام، والتفاف الناس حولها، وجرأتها الدائمة في إعلان أفكارها السياسية، ومعارضتها لكل ما ترى فيه شراً وخطراً على أهلها وشعبها.
وهكذا لم يمنعها اهتمامها بعاطفة الحب، وما يدور حولها من مشاعر وأحاسيس من أن تكون صاحبة رأي، وأن تشارك في الحياة العامة مشاركة جدية وإيجابية وبذلك ضربت سافو مثلا تاريخيا مبكرا للفنان الذي يرفض أن يسجن نفسه في مشاعره الخاصة وعواطفه الذاتية, وأن يعيش في عزلة عما يدور حوله من أحداث، وما يعانيه الناس من هموم ومشاكل.
وقد عادت سافو من منفاها بعد خمس سنوات، وذلك بعد أن أصبح اسمها على كل لسان في مدينتها لسبوس، وبعد عودتها أصبحت من القوة بحيث لم يعد أحد قادرا على أن يمسها بسوء أو ينفيها مرة أخرى فقد تحولت إلى شخصية بارزة في المدينة، وأصبحت زعيمة للفن والذوق والتأثير الوجداني على الجميع، وقد تزوجت من تاجر ثري في مدينتها اسمه (أندروس)، وأنجبت منه ابنتها الوحيدة كلايس ، وكانت تقول عنها إنها تشبه الزهرة الذهبية وانها لا يمكن أن تفرط فيها ولو أعطيت بدلاً منها تاج مدينتها الغالية.
وقد توفي زوجها بعد سنوات قليلة من الزواج، وورثت عنه ثروة ضخمة أتاحت لها أن تقضي بقية حياتها في رخاء كبير.
وقامت سافو بعد ذلك بفتح أول مدرسة معروفة في التاريخ لتعليم الفتيات فنون الشعر والموسيقى والسلوك المهذب، وكانت سافو في هذه المدرسة هي الأستاذة الأولى والوحيدة، ذلك لأنها لم تكن فقط شاعرة، بل كانت ذات موهبة موسيقية كبيرة، وكانت صاحبة صوت جميل وعذب، ولذلك كانت تكتب قصائدها وتلحنها وتغنيها، ومن المعروف أنها أضافت وزناً جديداً إلى الأوزان الشعرية التي كانت شائعة في عصرها، وقد أصبح معروفاً حتى الآن باسمها وهو الوزن السافوني في الشعر اليوناني.
وكانت علاقة سافو بتلميذات مدرستها علاقة حميمة مليئة بالعاطفة الإنسانية، لكنها للأسف كانت منطلقا لإشاعات الخبثاء بأنها كانت علاقة يشوبها بعض الريبة.
وكذا امتلأ شعر سافو بالعاطفة الحارة، ومن شعرها الذي صنع لها هذه المكانة الكبيرة,, جاءت أيضا المزيد من الشائعات المريبة، فبسبب هذه اللغة العاطفية الحارة في قصائد سافو التي تحدثت فيها عن علاقتها بتلميذاتها نشأت تلك الشائعات عن الشاعرة، لكنّ الباحثين المعتدلين المحايدين يرون رأياً آخر، فقد كانت الشاعرة حقا محبة لتلميذاتها وفية لهن تأخذ عملها في تدريبهن على الغناء والموسيقى والشعر والرقص مأخذ الجد وكانت أشعارها العاطفية حول تلميذاتها صادقة في التعبير عن العواطف الطبيعية والتي تنشأ عن عمق الألفة والتفاهم والمشاركة في الاحساس بجمال الطبيعة وجمال المشاعر الإنسانية المختلفة، وكان هذا مصدر النغمة العاطفية العالية في قصائدها.
فقد كانت شاعرة تهتز نفسها دائما للحب والجمال, وكان شعرها كله يدور حول هذا المحور الخالد، ومن هنا استطاع هذا الشعر أن يحفظ اسم الشاعرة على مر الزمان، رغم أن الكثير من هذا الشعر قد ضاع ولم يبق منه إلا القليل، ومع ذلك فهذا القليل قد جعل منها أول وأعظم شاعرة عاطفية في تاريخ الأدب العالمي.
والمعروف أن ما بقي من شعرها لا يزيد عن ستمائة بيت، وهذا القليل الباقي من شعرها تعرض لحروب متصلة ودائمة، فقد بلغ من قوة أعدائها والذين أساءوا فهمها أن الكنيسة أمرت سنة 1073م بإحراق أشعارها جميعا, ورغم هذا الحريق فقد احتفظ الناس في وجدانهم بما بقي من هذا الشعر وحرصوا عليه أشد الحرص.
رغم ذلك شاءت الأقدار أن تبقى هذه الأشعار بطريقة أخرى,, عندما اكتشف الباحثون عن الآثار في مصر عددا من قصائد (سافو) في التوابيت وأصبحت هذه القصائد جزءاً من تراثها المعروف الآن.
وقد قيل إن (سافو) ماتت منتحرة بسبب أزمة عاطفية تعرضت لها, وقصة هذا الانتحار غير ثابتة، رغم ترددها على أقلام الكثيرين من الكتّاب والمؤرخين، ويدفعنا إلى عدم تصديقها ما كانت تتصف به (سافو) من واقعية فيما وصل إلينا من كتاباتها, فقد رفضت الزواج من رجل أحبها وطلب يدها، وقالت له في تبرير رفضها إن العمر قد تقدم بها وقد خط الزمن على جسدي خطوطاً كثيرة، ولم يعد الحب يسرع إلي بما يحمله من هدايا ، وطلبت (سافو) بعد ذلك من الرجل الذي تقدم إليها أن يختار له زوجة أكثر شباباً وأصغر سناً .
هذه الواقعية في التصرف والسلوك والتفكير تدل على أن (سافو) لم تكن من النوع (الانتحاري) بل كانت - على حرارة عواطفها - صاحبة نفس طيبة راضية بما تأتي الأيام به وبقيت هكذا حتى رحلت.
وهذه مقتطفات من أشعار سافو الإغريقية
1*_ ليعلم الجميع
أنني اليوم والآن
سأغني غناءً بديعًا
كي أُبهج صديقاتي
2_ لسوف نستمتع
أمّا مَن يَعيبُ علينا ذلك
فلعل الحماقة والأسى
يتوليانهِ
3_ واقفةُ كانت, إلى جوار مخدعي
بخفيها الذهبيتين
في تلك اللحظة بالذات
أيقظني الفجر
4_ سألت نفسي
ماذا يمكنكِ, يا سافو, أن تمنحي
مَن في يديها كل شيء
مثل أفروديت
5_ وقلتُ
سوف أُحرق عظام نعجة بيضاء
مكتنزة الفخذين
في معبدها
6_ أعترف
أنني أحب ذلك الذي يداعبني
وأؤمن
أن للحب نصيبًا
من ألق الشمس
وعفتها
7_ في وقت الظهيرة
حين الأرض مشتعلة بالحرارة الملتهبة
التي تسقط مباشرةً عليها
يرفع صرار الحقل عقيرتهُ
بأغنيات جناحيه
8_ تناولت قيثارتي وقلت:
هياالآن , يا ترس سُلحفاتي
المقدسة, كن آلةً ناطقة
9_ على الرغم من أنها
ليست سوى أنفاس
فإن الكلمات التي تصدر عني
أبدية
10_ الأرض مطرزة
بألوان زهورها
11_ في تلك الظهيرة
أخذت الفتيات الناضجات للزواج
ينسجن عقودًا
من بتلات الورد
12_ أنصتنا إليهن يترنمن
الصوت الأول: يكاد الموت
يخترمُ أدونيس الفتي
فماذا نحن فاعلات يا سيثريا؟
الصوت الثاني: إلطمن صُدوركن
بقبضاتكن , يا فتيات
ومزقن الجيوب
13_ لا جدوي يا أمي العزيزة
لم يعد بمقدوري أن أتمَّ نسيجي
وعلى أفروديت ضعي اللوم
فهي برقتها البالغة
كادت تقتلني
شغفًا بذلك الفتي
14_ يطلق الناس الشائعات
مثرثرين عن ليدا
زاعمين أنها عثرت ذات مرة
على بيضةٍ مُخبأة
تحت الزنابق البرية
16_ حينما رأيت أيروس
هابطًا من السماء
كان يرتدي عباءة جندي
بلون الأرجوان
17_ أنت راعي المساء
يا هيسبيروس
أنت تُعيد إلى بيتهِ
كل ما شتته ُ ضوء الفجر
تٌعيد الأغنام, وتٌعيد
الماعز, وتٌعيد الأطفال
إلى أمهاتهم
18_ نامي يا حبيبتي
لي أبنة صغيرة
تدعى كليس, كأنها
زهرة ذهبية
بكل مملكة كروسوس
وما فيها من حب لا أستبدلها
19_ على الرغم من رعونتها
فإن لمنا سيديكا جسدًا
أكثر فتنةً من جسد
جيرينو اللدن
20_ يجدر بكِ يا ديسا غدًا
أن تظفري بيديكِ الناعمتين
إكليلاً من براعم الشبت
تنوطين به خصلات شعركِ
فوحدها المكللة بالأزهار
تلفتُ انتباه ربات البهجة
أما الراس العاري فيُشحن عنه
21_ على ظهر السفينة وضعنا الجرة
منقوش عليها
هذا رماد تيماس اليافعة
التي اقتيدت , دون زوج
إلى مخدع بيرسيفون المعتم
ولأنها غدت بعيدة عن بيتها
فإن الفتيات, أخذن شفرات
حادة وجززن, حزنًا عليها
خصلات شعورهن الناعمة
22_ في حلمي رأيت يا سيبريان
ثنيات وشاح أرجواني
تظلل وجنتيكِ_ الوشاح ذاته
الذي أرسلتهُ تيماس ذات مرة
هدية خجولة, من فوسايا البعيدة
23_ في شفق ربيعي
قمر مكتمل يتلامع
أما الفتيات فأخذن أماكنهن
متحلقات حول المذبح
24_ ثم تشرعُ أقدامهن
في رقص إيقاعي, كما رقصت
أقدام فتيات كريت
حول معبد الحب, مخلفاتٍ
أثر دائرة في العشب الغض
العشب الناعم والمزهر
25_ خاشعات أمام بهائه
سترت النجوم وجوهها المتوامضة
حين ظهر القمر الفتان
مكتمل الاستدارة , وراح يضيء المكان
بأشعتة الفضية
26_ ألأن, وفيما نحن نرقص
تعالينَ يا ربات البهجة
والمرح والتألق
وأنتُنَّ أيضًا أيتها الموزيات
ذوات الشَعر الخلاب
منقول