|
قَدْ أَمْطَرَتْ وَأَنَا فِي الْغَابِ أَرْوِيِهَا |
وَالْفَيْضُ مِنْ شَفَتِي شِعْرٌ يُغَنِّيِهَا |
لَمَّا اعْتَكَفْتُ مَعَ الأَشْجَارِ شَاعِرَةً |
غَنَّتْ مَعِي الطَّيْرُ وَالأَغْصَانُ تُنْدِيِهَا |
يَا نُزْهَةً فِي جِنَانِ الأَرْضِ قَدْ حَضَنَتْ |
رُوحِي الَّتِي عَانَقَتْهَا حَيْثُ تُغْرِيِهَا |
إِذْ هَلَّ طَيْفٌ عَلَى عَيْنَيَّ حِيِنَ رَأَتْ |
فَاسَّحْسَحَ النُّورُ مِلْءَ الرُّوحِ تَرْفِيِهَا |
يَا طَيْر لَوْ تَعْرِفِيِنَ الْيَوْمَ أُمْنِيَتِي |
أَنْ يَحْتَرِيِنِي حَبِيِبُ الرُّوحِ يَحْوِيِهَا |
الْحَقُّ إِنِّي بِذِي الأَحْرَاجِ خَائِفَةٌ |
مَابَيْنِ زَرْعٍ غَزَاهُ الشَّوْكُ تَنْبِيِهَا |
وَاسْتَيْقَظَ الْغَيْمُ فَوْقِي وَالضِّيَاءُ غَفَى |
وَالدِّيِمَةُ ارْتَعَشَتْ فَانْكَبَّ مَا فِيِهَا |
وَامْتَصَّنِي وَابِلُ الأَمْطَارِ مِنْ قَدَمِي |
وَالْمَاءُ مِنْ وَجْنَتِي قَدْ فَرَّ تَشْوِيهَا |
مَا اصْفَرَّ وَجْهِي مِنَ الأَجْوَاءِ حَيْنَ بَدَتْ |
بَلْ مُصَّ عُمرِي بِحُمَّى الشَّوْقِ تَسْفِيِهَا |
فَاسَّارَعَتْ قَدَمِي جَرْياً بِلاَ كَلَلٍ |
وَالْعَقْلُ مِنْ فِكْرَتِي قَدْ حَارَ تَوْجِيِهَا |
أَيْنَ الدُّرُوبَ الَّتِي قَدْ شَقَّهَا جَسَدِي |
مِنْ أَيْنَ جِئْتُ وَأَيْنَ الدَّرْبَ أَجْرِيِهَا |
لَوْ كُنْتُ أَدْرِي بِأَنَّ الْفَجْرَ فِي سَدَفٍ |
مَا سِرْتُ جَهْلاً بِذِي الظَّلْمَاءِ أَشْجِيِهَا |
يَا صَرْخَةً أَرْعَشَتْ مِنْ صَمْتِهَا وَجَلِي |
فَانْشَلَّ طَيْرُ الْغِنَاءِ الْهَائِمٌ تِيِهَا |
حَتَّى اخْتَبَأْتُ بِلاَ حِسٍّ يُسَايِرُنِي |
فَالطَّيْرُ غَابَتْ وَطَارَتْ فِي تَجَلِّيِهَا |
لَكِنْ بِعَقْلِي اسْتَفَاقَتْ فِكْرَةٌ شَرَراً |
فَاسَّلْسَلَتْ صُوَرٌ وَالآهُ تَشْوِيِهَا |
وَاضَّرَّمَتْ ذِكْرِيَاتِي بُرْهَةً سَفَعَتْ |
إِذْ حَاصَرَتْنِي بِنَارِ التَّوْقِ تَمْوِيهَا |
مَاذَا رَأَيْتُ بِأَطْلالٍ تُلاحِقُنِي |
غَيْرَ الْفَتَاةِ الَّتِي كَانَتْ تُحَلّيِهَا |
وَالْمَنْظَرُ الْمُحْتَفَى قَدْ فَزَّ مِنْ شَغَفٍ |
فَاعْوَجَّ مِسْمَارُهُ الْفُولاذُ تَدْلِيِهَا |
قَدْ مَرَّ وَقْتٌ وَكَانَ الْعُمْرُ مُخْتَبِئاً |
لَكِنْ بِلَحْظٍ تَجَلَّى فِيَّ تَنْوِيِهَا |
يَا نُزْهَةً هَيَّجَتْ مَا نَامَ مِنْ زَمَنٍ |
هَلاَّ طَوَيْتِ الرُّؤَى بِالْغَيْمِ تَنْزِيِهَا |
وَمَهِّدِي دَرْبِيَ الْمَغْمُور فِي وَحَلٍ |
مَا كُنْتُ أَرْضَى بَدِيِلَ الْغَابِ أَمْشِيِهَا |