قالت جملتينِ و سافَرَتْ
شعر د. جمال مرسي
عَزَفَتْ على أوتارِ قلبيَ ..
من لحونِكَ يا وطنْ .
كالصبحِ جاءتْ من بعيدٍ ..
بعد ليلٍ ..
كانَ سَافَرَ في فضاءاتِ المجرةِ ..
حاملاً كل النجومِ ..
لترسمَ النورَ الجميلَ ..
على عيونِ القلبِ ..
حينَ غَفَتْ على كتفِ الظلامِ ..
و داعبتْ حُلُماً تبرعمَ في الحنايا ..
منذ آلافِ السنينْ.
جاءت " شَجَنْ " .
جاءت لتبعثَ موتَ أزهاري التي ذَبَلتْ ،
و عاثتْ في حدائقها الرياحْ .
جاءت بأغنية الصباحْ :
" قم يا وطنْ ."
قُمْ فاغسلِ الوجهَ الذي ..
نَقَشَتْ عليهِ ـ بريشةِ القهرِ ـ الضياعَ..
يدُ الزمنْ .
قُم فاقتلِ الموتَ الذي..
في القلبِ يبني عُشَّهُ .
و على نياطِ القلبِ يُعلنُ سطوةَ النمروذِ
حين يعيثُ في كلِّ البدنْ .
فاحتْ من الأطرافِ مُنذ غَدَتْ لتمّوزَ الفريسةَ
و الحبيسةَ ..
ـ يا فتى الأحلامِ و الأنغامِ ـ
رائحةُ العفنْ .
ما لي أراكَ و قد تحجّر وجهُكَ المرويُّ ..
من نهرِ الحياءِ ..
تَسَمَّرَتْ قدماكَ
و ارتعدتْ يداك َ
و أنتَ تحملُ بعضَ جُرحي يا حبيبي..
قد عرفتُكَ شامخاً كالنخلِ ..
تضربُ في الثرى جذراً ..
و في أفق السما ..
سعفاتُكَ الخضراءُ تلمسُ نجمةً .
لا تستبيكَ الريحُ رغم عُتوِّها.
لا يسكنُ الخوفُ العروقَ ..
و لا مدائنُ عينِكَ البحريةُ الشمَّاءُ ..
عاثَ بها الوَهَنْ .
أناْ منكَ ، أنتَ بناظريَّ حدائقُ الرُّمّانِ ..
و الليمونِ ..
في جفنيكَ أهربُ من جحيمِ الطائراتِ ..
فتُطبقُ الأهدابَ ..
تحمي لائذاً بترابِكَ الذهبِ المضمَّخِ باللبنْ .
أناْ منكَ أغنيةٌ صداها..
قد تردد في فضاءِ الكونِ .
أنت ليَ السكنْ .
جاءت شَجَنْ .
جاءت و في اليمنى شموعٌ ..
أوقدتها من لهيبِ الإنتظارِ .
و باليسارِ ..
تناولتْ عُشبَ الربيعِ هديةً..
للجدبِ ..
في قلبٍ جَفَتْهُ الهاطلاتُ .
و عَرْبَدَتْ فيه الإحَنْ .
صنَعَتْ من الحُزنِ المُخَيِّمِ في العيونِ..
مراكباً للشمسِ
قالت جُملتيْنِ و سافرتْ ..
كنسيمِ صُبحٍ ،
و اْرتَقَتْ ..
دَرَجاً إلى العلياءِ حيثُ مكانُها ..
لِتُشِعَّ في أرضِ الخطيئةِ نورَها
و تُميطَ عنها مِنْ أذى مَنْ عربدوا ..
بِشَمَالِها و جنوبِها .
قالت كُليماتٍ ..
سأتركُ فيكمُ النورَ الذي أرسلتهُ لظلامِكم ..
فلتهنأوا.
و سأترك البحرَ الذي عشقتهُ أجنحةُ النوارسِ
هادئا .
والموجُ يلثمُ في اشتياق مسافرٍ لذويهِ ..
من بعد الرجوعِ مرافئا .
و يعاقرُ الرُّبّانَ ..
و الحيتانَ و الجزرَ البعيدةَ والسّفن.
جاءتْ شجن .
جاءت كبرقٍ خاطفٍ خلبَ العيونَ
و سافرت نحو البعيدْ .
نقشت رسالتها الأخيرةَ
من دموع القلب قالت :
لن أعودْ .
طارت كعصفورٍ طليقٍ ..
بيدَ أن أريجها
و صدى حديثٍ ممعنٍ في الصدقِ
باقٍ في الفؤادِ ..
و خالدٌ عبر الزمن .
و دمتم بخير