قصة قصيرة
نافذة الاحلام ...
افترق جفناها متعانقان .. وهي تسمع ترنيمة دعاء يعانق الشمس ..في صباح مشرق يناديها بخيوطه الذهبية .. وهو ينساب بهدوء وسكينة عبر النافذة القريبة من سريرها ذي الافرشة البيضاء المزدان بالزهور المتناثرة ، انتفضت من سريرها كحمامة تنتفض من وكرها .. وهي تسابق قدميها الى النافذة ذات الزجاج الشفاف ، تحسست الزجاج بيديها الناعمتين .. وهي .. وهي تحدق في الفضاء وكأنها تنتظر شيئا ما خلف الافق .. حيث السكينة وهي تعانق شعاع الشمس .. ودقات الساعة .. وترنيمة اوراق الشجر وهي تراقص نسمات الهواء بصوت خفي لتعزف سيمفونية الصباح .
منحت روحها لهذه الترنيمة .. وهي لاتزال امام النافذة ذات الزجاج الشفاف بضفائرها الذهبية المسدلة على كتفيها .. معقودة بشرائط بيضاء ، وذؤابة ناعمة على جبينها المضيء .. وعينان تتوهجان ببريق بريء .. الا ان هذه اللوحة المرسومة كانت ضبابية نوعا ما بفعل الغبار المتناثر على زجاج النافذة .. أخذت تجول بناظريها بحثا عن شيء ما .. تلقف بصرها منديلاً ابيضاً على الاريكة القريبة من السرير .. مسحت الزجاج .. تذكرت ادوات الرسم في درجها الصغير ، اخذت تقفز مهرولة كعصفورة ، وهي تلوح بذراعيها كجناحي حمامة تحاول ان تطير .. انه يومها .. فتحت الدرج الصغير حملت ادواة الرسم ، وبنفس خطوات العصفورة رجعت الى النافذة .. امام النافذة في يومها الاول من عامها الثامن .. اغتنمت هذه الفرصة لترسم حديقة الزهور .. زهور بيضاء تتوسد مهدها الصغير وتعانقها الشمس ، بشعاعها ، بلمسات سحرية ناعمة ..مضيئة ..لوحة تعجز عن رسمها ريشة رسام .. تلمست فرشاة الرسم باناملها الناعمة ..لازال الضباب يهاجم اللوحة .. مسحت النافذة ثانية ..
بدأت ترسم ازهارها الاثيرة .. رسمت زهرة بيضاء رصدتها وهي قابعة تحت ظل زهرة زهرية اللون وكأنها طوق نجاة .. رسمت الاوراق .. ورقة إثر اخرى ..وهي تتحسس ملمسها المخملي .. فاح عبيرها لينتشي الفضاء مأخوذا بأسرها .. انسابت روحها .. فارتعشت اناملها الناعمة .. فتناثرت الاوراق المخملية على ارضية الغرفة فهرعت تلملم الاوراق .. ورقة إثر اخرى ، وهي جاثية على ركبتيها لئلا تدمى الاوراق ..
اخيرا رسمت التويج ليحضن اوراقها المخملية .. كانت تتوق لرؤية ازهارها بوضوح .. حاولت فتح النافذة .. اشتدت الريح .. ارتعشت قليلا .. الاوراق تتموج خاشعة لتراتيل الريح .. هدير الرعد بين جوانحها .. اتسعت عيناها ..
- ماهذا ..؟ اللوحة غارقة في الضباب ...!!
- يا الهي ، انني لا ارى الازهار بوضوح ، لا استطيع الرؤية هكذا .. لا استطيع ..
اغلقت النافذة بسرعة .. أخذت تحدق بازهارها عبر النافذة ذات الزجاج الشفاف ، مسحت النافذة بمنديلها الابيض مرة ثالثة ..
اعتلت شفتيها ابتسامة صافية كنبع عذب وهي تطلق تنهيدة بصوت خفي .. نعم الان .. ازهاري بلا ضباب .. ابتعدت عن النافذة ..
افترشت الارضية وهي ترسم ازهارها الاثيرة ، وتنثر بأوراقها المخملية هنا وهناك حتى امتلأت الارضية بازهارها البيضاء ...