عرضنا في الجزء الأول من سلسلة هذه المقالات المتعلقة بمستقبل الملكية في المغرب, قضية الإخوة الأمازيغيين وطريقة التعامل معها من جهة الملك, وتحدثنا أيضا عن ما يسببه ترف الأسرة الحاكمة – لها- من فقدان للعصبية (بمعناها الخلدوني) وفتح مجال شاسع لمجموعة من أعداء النظام الملكي في المغرب حتى يطعنوا ويروجوا لمقولاتهم المشهورة بأكذوبة "الحداثة" والعلمانية "التنويرية" والمنهاج "الديكارتي"... .
قبل الخوض في تحليل الموضوع الجوهري الذي تتناوله هذه الحلقة سأحاول سد نافذة فتحها الملك باعتبارها غلطة ارتكبها ومن واجبنا إصلاحها (حسب العقد الاجتماعي الذي يربطنا). ظنا منه أنه يحرر الصحافة ويخلق مناخا جديداً لحرية التفكير والتعبير, بدأ محمد السادس يتنازل شيئاً فشيئاً عن الفصل الثالث والعشرين من الدستور المغربي والذي يعتبر الملك شخصاً مقدساً لا تنتهك حرمته. "القداسة" في الفصل السالف ذكره خشنة لغوياً ويمكن أن تغير بـ"الاحترام" مثلاً. المهم أن السماح للصحافة بالمزاح بشخص الملك أمر خطير يظهره ضعيفاً أمام أعدائه ويجعلهم في تطلع دائم لمسخرته في خرق سافر للعقد الاجتماعي الذي وقعناه معه, والذي يقول بأن أخطاء الملك تصححها النخب الممثلة للشعب بوضوح وشفافية تامين, دون رسوم كاريكاتورية ولا أدبيات تلميحية. يجب على الذين يتحفظون أو يعارضون عادة أو أمرا في الحقل السياسي أن يكشفوا عن وجوههم فالراقصة لا تغطيه. وإلا فإنهم غير موجودين حسب قاعدتي: أنا أعراض إذن أنا موجود.
لا أتفق مع ابن خلدون فيما زعمه من أن العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك وربما ذلك باعتبار تسلطهم, لكن هذا ليس مبرراً لأن الشعب من يقرر, وها نحن قد قرر المغاربة أن الملكية هي الحل عندهم, لأن بقائها مرتبط بالخطاب الديني والنسب إلى السلالة المحمدية الشريفة, وعلى نفس المنوال سارت جل الملكيات السابقة في المغرب. أطرح سؤالاً على ابن خلدون: لقد نجحت الملكية في غرب إفريقيا فحكمتها سبع أسر حتى الآن, فهل أخطأت بأن اعتبرت العرب غير قادرين على الخوض في أمور الحكم على الطريقة الوراثية؟
إن المغاربة منذ إدريس الأول حتى محمد السادس كرروا وما زالوا يكررون شعار: الله, الوطن, الملك, بثقة كاملة قد تكون عمياء, لكن جل الحكام كانوا في مستوى المنصب ومن دونهم تسبب في هدم نظامه فاتحاً المجال في وجه أسرة أخرى (المثلث الخلدوني).
من الواجب ونحن نناقش إشكالية زوال الملكية أن نقدم ورقة لمن اعتبروا أنفسهم محرري الأمة فحاولوا قلب النظام. في حقبة الحسن الثاني رحمة الله تمزقت المؤسسة الملكية وانعدم الأمن, وقد أكون متفقاً مع التيارات الاشتراكية التي حاولت حينها الإطاحة بالملك. وأقولها بصراحة: ما دامت الدولة العلوية لم تنهر زمن الحسن فإنها لن تنهار الآن, فالمناخ وقتها كان جد مضطرب وكان يسمح بحدوث كل المستحيلات أما اليوم فقد ظهرت بعض التغيرات المحتشمة وذلك راجع لوجود عدو يحكم إلى جانب النظام لكنه ينافق الحاكم للوصول إلى مبتغاه.
للملكية في المغرب عدوان لدودان هما: اليساريون الاشتراكيون وكل من تشدق بكلمة "الحداثة" ذات المعنى الغامض. وهناك أيضاً جماعة العدل والإحسان التي بنيت على أساس إسقاط النظام الملكي لإقامة "خلافة" عادلة, ولا زالت هي الأخرى تسبح في بحر من الأحلام أو "الرؤى" كما يحلو لهم نعتها. وقد سبق أن تعرض مرشد الجماعة الأخيرة فضيلة الأستاذ عبد السلام ياسين للإقامة الجبرية لفترة طويلة إلى أن تقلد محمد السادس زمام الحكم فرفع عنه في دعوة صريحة للمصالحة وإعادة ترتيب الأوراق, فهل استجابت الجماعة للنداء؟.
أما المعارض الأول أي "الاشتراكيون" فقد ظهرت ليونة في خطابهم ألا وهي اتفاقهم على أن الدين والسياسة لا يجتمعان في شخص الملك, والله وحده مطلع على الصدور.
هذا عن الأعداء الداخليين أما أولاءك الموزعون على باقي أرجاء العالم فهم كل من يتهم الملكية بـ"الرجعية", أين أقوال معمر القدافي ومعارضته للملكية في المغرب؟, أم أنه أعد أخيراً عدد السنوات التي جلس فيها على كرسي الحكم في ليبيا؟!.
إن الجزائر هي الأخرى أخت عنيدة أرادت أن تطيح بالملكية بطريقة أو بأخرى, فهي من يساند فعليا جبهة "البوليساريو" وهي من حاول ويحاول زعزعة الاستقرار والوحدة الترابية, طبعاً النظام هناك هو السبب, نظام الجيش الحاكم الذي يعزل رئيساً وينصب آخر. إذا كان النظام الجمهوري هو ما نراه في كل الجمهوريات العربية, فالمغرب يحمد الله على ملكه الذي - إن تسلط – فهو يتسلط "قانونياً" و"دستورياً" وكل هذا ا"التسلط" الطفيف سيعدل وفق العقد الاجتماعي الذي نحن بصدد إكمال توقيعه مع ملكنا الشاب.

يتبع....